

ماذا يُمكن أن يُعلن ترامب خلال زيارته الخارجية الأولى والتي دشّنها اليوم (الثلاثاء) من الرياض؟
يمكن التطرق إلى أمرين يعكسان رؤية ترامب الاستراتيجية للمنطقة:
الأول، يتمثل في إعلان الولايات المتحدة اعتماد تسمية “الخليج العربي” بدلاً من “الخليج الفارسي” في جميع مسمياتها الرسمية، سواء داخل الوزارات والوكالات الفيدرالية والمحلية أو في السياقات الدولية؛ خطوة تحمل “غزلًا سياسيًا ودبلوماسيًا” موجهًا لدول الخليج العربي، وبخاصة للسعودية والإمارات وقطر ورغبة بتعزيز العلاقات مع هذه الدول، التي تشكل محورًا أساسيًا في سياسته الإقليمية، من خلال إظهار دعم رمزي لمواقفها التاريخية في النزاع حول تسمية الخليج.
الثاني، يتعلق بالإفراج عن الأسير الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر بموجب اتفاق مع حركة “حماس” والموافقة على إدخال مساعدات إنسانية بشكل رسمي إلى قطاع غزة، إلى جانب ترتيبات أمنية مع الحوثيين في اليمن بوساطة عُمانية تتعلق حصراً بوقف استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر وباب المندب؛ وهذه الوساطة منسقة بالكامل مع طهران والرياض.
وتأتي هذه الخطوة في سياق تفاهمات تهدف إلى حلحلة بعض الملفات العالقة، بما في ذلك تهدئة الجبهة الإيرانية الأميركية والحد من التوترات في اليمن.
ومن الواضح أن هناك توجهًا واضحًا نحو تقليل التصعيد في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث سيتم وقف هجمات الحوثيين على السفن التجارية والبوارج الحربية، مما يعزز الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية.
وفيما يتعلق بإمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم أو هدنة في قطاع غزة، علينا أن نترقب حركة الاتصالات الموازية لجولة ترامب، ولا سيما بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي في ضوء سياسة “الأبواب المفتوحة” التي يعتمدها الجانب الفلسطيني.. فالجانب الإسرائيلي، بقيادة بنيامين نتنياهو، يرى أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يكون مؤقتًا، يتبعه إطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين، ثم استئناف الحرب لتحقيق أهدافها، وهي تدمير حركة “حماس”. في المقابل، تطالب المقاربة الفلسطينية-العربية بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للاحتلال من غزة.
ربما يكون هناك تفاؤل حذر بإمكانية تحقيق استقرار نسبي في المنطقة، وبخاصة في الجبهات اليمنية والسورية، لكن الوضع في غزة سيظل نقطة توتر رئيسية بسبب تعنت الموقف الإسرائيلي، وبرغم ذلك قد تحمل زيارة ترامب للمنطقة مفاجآت إضافية تعكس أسلوبه السياسي غير التقليدي
ولكن مسألة تسليم سلاح “حماس” أصبحت من أكثر القضايا تعقيدًا في مفاوضات الهدنة، حيث يتفق الائتلاف الحاكم والمعارضة في إسرائيل على استمرار الحرب حتى تحقيق هذا الهدف، وهو ما يجعل وقف الحرب وفق الرؤية الإسرائيلية أمراً صعباً، وبخاصة مع رفض “حماس” لذلك.
في هذا السياق، يُمكن لزيارة ترامب إلى المنطقة أن تُسهم في حلحلة بعض الملفات وتخفيف التوترات في جبهات محددة.
وفيما يتعلق بالملف اليمني، من المتوقع حدوث تهدئة ملحوظة، بينما في الملف السوري، من المرجح أن يكون له حضور قوي خلال المفاوضات بين ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض.
وهناك تقارير غير مؤكدة عن إمكانية توجه رؤساء دول الطوق لإسرائيل وأول هؤلاء الرئيس السوري أحمد الشرع إلى السعودية للمشاركة في قمة تضمهم والرئيس ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو ما قد يُعزّز الجهود لتهدئة الأوضاع في المنطقة ولا سيما في سوريا ولبنان.
ولا بد من الإشارة إلى أن المكالمة الهاتفية الأخيرة بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تضمنت دعوات متبادلة لزيارة واشنطن وأنقرة، قد تكون مقدمة لتهدئة الجبهة السورية، في ظل توقعات بضغط أميركي على نتنياهو لوقف الضربات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على سوريا، فضلاً عن احتمال توجه ترامب إلى تركيا للمشاركة في القمة الروسية الأوكرانية التي ستستضيفها تركيا بعد غد (الخميس).
والمؤسف أن ترامب قد يمنح نتنياهو حرية الحركة في الساحة الفلسطينية، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، من دون أدنى ضغوط أميركية، بينما سيتم التركيز على تحقيق الاستقرار في الساحات الأخرى مثل اليمن، إيران، سوريا، وربما لبنان.
هذه الزيارة قد تشكل نقطة تحول إيجابية في بعض الملفات، لكنها لن تحل الإشكاليات العميقة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث تبقى الخلافات الجوهرية قائمة.
وربما يكون هناك تفاؤل حذر بإمكانية تحقيق استقرار نسبي في المنطقة، وبخاصة في الجبهات اليمنية والسورية، لكن الوضع في غزة سيظل نقطة توتر رئيسية بسبب تعنت الموقف الإسرائيلي، وبرغم ذلك قد تحمل زيارة ترامب للمنطقة مفاجآت إضافية تعكس أسلوبه السياسي غير التقليدي.