“تُجري واشنطن، الآن، اتصالات مكثفة بكلٍّ من إسرائيل، ومصر، وقطر، بشأن مقترح الوساطة الذي ستطرحه إدارة بايدن على الطرفين يوم السبت، أو الأحد، على ما يبدو. وبعكس الانطباع السائد أن المقترح الأميركي هو على شكل رزمة يمكن قبولها كاملة، أو رفضها كاملة (Take it or leave it)، المقصود عملياً هو نسخة محدّثة ومتفق عليها مجدداً من إسرائيل والدول الوسيطة الأُخرى، للمقترح الذي قدمه بايدن بتاريخ 31 أيار/مايو، والذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي.
يدير المفاوضات مع الجانب الأميركي وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، باسم بنيامين نتنياهو. في حين أن طاقم المفاوضات، الذي يترأسه كلٌّ من رئيس الموساد ديفيد برنياع، ورئيس جهاز الشاباك رونين بار، واللواء نيتسان ألون، غير ضالع في المحادثات مع الأميركيين. إن الخلاف والمداولات بين الأطراف تتعلق، عملياً، بثلاثة أمور:
- ما الذي سيجري في محور فيلادلفيا خلال المرحلة الأولى من الصفقة.
- الموضوع الثاني لا يقل تعقيداً، ويتعلق بعدد الأسرى الإسرائيليين الذين سيتم الإفراج عنهم أحياء، وشروط إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين من المفترض أن تطلق إسرائيل سراحهم في المقابل.
- يتعلق الشأن الثالث بموعد بدء وقف إطلاق النار الذي من المتوقع أن يسود بين المرحلتين الأولى والثانية في الصفقة. يُعتبر هذا الموضوع تقنياً، في نظر الأميركيين، وذلك بسبب وجود قرار بشأنه صادر، أصلاً، عن مجلس الأمن. ولذا، يبدو أن موضوع فرض وقف إطلاق النار بين المرحلتين الأولى والثانية قابل للحل بسهولة نسبية، على الرغم من أنه يُعتبر الأهم، من وجهة نظر “حماس”، التي ترغب في أن تضمن وقف إسرائيل الحرب منذ المرحلة الثانية، وتنسحب من جميع أراضي القطاع.
بحسب إحاطة قدّمها مسؤول أميركي في البيت الأبيض، ليلة الأربعاء الماضية، يتضح أن مقترح الوساطة الأميركية يتعلق، عملياً، وبصورة أساسية، بالمرحلة الأولى من الصفقة، والتي من المفترض أن تتضمن إطلاق سراح 30 أسيراً وأسيرة إسرائيليين، ومن المتوقع أن تقوم إسرائيل، في المقابل، بإطلاق سراح نحو 800 أسير أمني فلسطيني. إن هذا العدد (30 أسيراً إسرائيلياً) مردّه أن اثنين من المخطوفين الرجال، إلى جانب كرمل جات، قُتلا، ولذا، انخفض العدد من 33 أسيراً إسرائيلياً يتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى، إلى 30، وبناءً على ذلك، انخفض أيضاً عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيُطلق سراحهم.
تتعلق البنود الثلاثة بعدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيُطلق سراحهم، وحق النقض الإسرائيلي (الفيتو) على إطلاق سراح أسرى خطيرين جداً، ومسألة المكان الذي سيُطلق سراح هؤلاء إليه (بمعنى: هل سيعودون إلى مكان سكنهم الأصلي، أو يتم إبعادهم، وإلى أين؟) تصر “حماس” على هذه البنود؛ بينما تدّعي المصادر الأميركية التي تحضّر مقترحات الوساطة أن الكلام يتناول موضوعاً سيكون من الصعب جداً الحصول على موافقة “حماس” عليه.
عندما أعلنت “حماس” موافقتها على مقترح بايدن بتاريخ 31 أيار/مايو 2024، أصرّت على مناقشة الموضوع المتعلق بهوية وعدد الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين على حدة. ترفض “حماس” المطلب الإسرائيلي المتمثل في إطلاق سراح 30 أسيراً إسرائيلياً في المرحلة الأولى، بادّعاء أنها غير متأكدة من قدرتها على الالتزام بهذا المطلب المتعلق بإطلاق سراح نساء أسيرات، بينهن مجندات، ومرضى، وجرحى، ورجال مسنون.
أمّا فيما يتعلق بمحور فيلادلفيا، فيقسّم الأميركيون المشكلة كالآتي:
النقطة الأولى؛ المساحة الفاصلة ما بين البحر وبين معبر رفح، التي تدّعي واشنطن أن إسرائيل التزمت الانسحاب منها، بموجب مقترحها والمقترح الأصلي الصادر عن بايدن، لأن هذه المنطقة ذات كثافة سكانية فلسطينية، ولأن إسرائيل التزمت في المقترح الذي كرره بايدن أن “يخلي الجيش الإسرائيلي المناطق المكتظة بالسكان في القطاع”. ينكر نتنياهو هذا الادعاء، وفعلاً، فإن هذا المحور، في مقطع يمتد طوله على نحو 10 كيلومترات، ما بين شاطئ البحر ومعبر رفح، كناية عن منطقة غير آهلة، فضلاً عن كونها مكتظة. لكن، وعلى المنوال نفسه، ينبغي أن نشير إلى أن مواقف الجيش وحضوره فوق الأرض في المحور، وإلى جانبه، لا يضمن عدم تمكُّن “حماس” من استخدام الأنفاق التي لم يدمرها الجيش الإسرائيلي بعد، أو حتى إنها تقوم بحفر أنفاق جديدة.
يقترح الأميركيون حلاً لهذا المقطع، وخصوصاً لمحور فيلادلفيا، تركيب منظومة تقنية يراقبها كلٌّ من مصر والولايات المتحدة، وتحول دون عمليات التهريب فوق الأرض وتحتها. لكن إنشاء مثل هذه المنظومة سيتطلب وقتاً، وبحسب الادعاء الإسرائيلي، فهي لن توفّر حلاً لموضوع التهريب، إذا خرج الجيش من المحور في أثناء المرحلة الأولى من صفقة التبادل.
النقطة الثانية؛ المتعلقة بمحور فيلادلفيا، هي إعادة فتح معبر رفح، الواقع على بُعد نحو 10 كيلومترات جنوب شرق الساحل. في هذه النقطة بالذات، التي تُعتبر مصيرية، بالنسبة إلى مرور البضائع، ووسائل الإنتاج، والبشر، جرى التوصل إلى اتفاق الوسطاء الأميركيين، ويوجد لها حل. هذه الأخبار جيدة جداً، لأن أغلبية البضائع ثنائية الاستخدام، وهي التي استخدمتها “حماس” في السابق من أجل إنتاج السلاح، ومرّت عبر معبر رفح، على الأقل خلال السنوات الماضية، وليس عبر الأنفاق الواقعة تحت الأرض.
ما هي بنود الخلاف الأساسية التي تمنع التوصل إلى صفقة؟
- محور فيلادلفيا:
- “حماس“: على إسرائيل الانسحاب من محور فيلادلفيا.
- إسرائيل: سينسحب الجيش الإسرائيلي من مواقع محددة في القطاع، لكنه سيظل في محور فيلادلفيا.
- محور نيتساريم:
- “حماس“: عودة اللاجئين من دون مضايقات إسرائيلية، وإزالة الوجود الإسرائيلي، على الأقل من جزء من المحور.
- إسرائيل: الحاجة إلى إنشاء منظومة فحص متّفق عليها، بحيث تضمن عودة اللاجئين إلى مناطق الشمال من دون سلاح.
- قائمة الذين سيُفرج عنهم:
- “حماس“: رفض التداول في الأسماء، قبل إنجاز الاتفاق على الصفقة.
- إسرائيل: الحصول على قائمة بـ 33 أسيراً إسرائيلياً حياً سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى، الإنسانية، وسيُطلق سراح النساء والرجال فوق سن معينة، والمرضى. الخلاف هنا هو بشأن مَن سيُعتبر أسيراً مريضاً، والجهة التي ستحدد ذلك.
- إعادة فتح معبر رفح، ومَن سيشغّله؟(*)
- “حماس“: جهة فلسطينية فقط، إمّا “حماس”، وإمّا السلطة.
- إسرائيل: لا “حماس”، ولا السلطة.
تتعلق النقطة الثالثة، التي يوجد اتفاق بشأنها بين إسرائيل والأميركيين والوسطاء الآخرين، بالمنطقة الواقعة بين معبر رفح وكرم أبو سالم. يشير الأميركيون إلى أن هذه المنطقة غير “مكتظة بالسكان”، وبالتالي، لا يتعين على إسرائيل الانسحاب منها في المرحلة الأولى، ويمكنها الاحتفاظ بعدد من المواقع هناك. لذا، فإن الخلاف الوحيد المتبقي بين إسرائيل والولايات المتحدة هو طلب نتنياهو الإبقاء على وجود الجيش الإسرائيلي في بعض نقاط المراقبة بين شاطئ البحر ومعبر رفح، والذي تم فعلاً التوصل إلى حل له.
هذا كله يتعلق بالمرحلة الأولى. أمّا فيما يتعلق بالمرحلة الثانية، لقد ورد أن إسرائيل مستعدة لإخلاء محور فيلادلفيا بالكامل، إذا تمكنت الولايات المتحدة ومصر من توفير قوة بديلة تسيطر على المنطقة. تردّ واشنطن أنه من غير الضروري وجود قوة عسكرية بديلة، مع الاكتفاء بالوسائل التقنية التي سيديرها كلٌّ من الولايات المتحدة ومصر معاً، لمنع التهريب عبر الأنفاق تحت محور فيلادلفيا. وبناءً على ذلك، بلّغت إسرائيل الأميركيين أنها لن تصرّ على الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا في المرحلة الثانية، إذا وصلنا إلى تنفيذ هذه المرحلة.
هذه النقاط الثلاث، التي ما زالت موضع خلاف، لا تزال قيد المفاوضات التي لا تشارك فيها “حماس” حتى الآن، وإن بصورة غير مباشرة. وعلى الرغم من أن الحركة وافقت على 90% من مقترح بايدن الذي أعلنته في 2 تموز/يوليو، فمن المتوقع أن تواجه صعوبات بشأن الجزء الغربي من محور فيلادلفيا، ومسألة الأعداد وشروط إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في مقابل الأسرى الفلسطينيين. التوقعات السائدة لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة هي أن “حماس” قد تقول “لا، ولكن..”، وسترغب في مواصلة المفاوضات. أمّا إسرائيل، ممثلةً برئيس الوزراء نتنياهو، من جهتها، فترفض تقديم تنازلات في الوقت الحالي بشأن محور فيلادلفيا، أو عدد الأسرى الإسرائيليين الذين سيتم الإفراج عنهم.
بعد تقديم الاقتراح الأميركي، سيمرّ أسبوع على الأقل، قبل أن تردّ “حماس”، وحينها فقط، في النصف الثاني من شهر أيلول/سبتمبر، سيكون من الممكن معرفة ما إذا كان هناك صفقة أم لا. وإذا لم يتم الاتفاق على صفقة، فسيتعين على إسرائيل اتخاذ قرارات صعبة وإعادة النظر في حساباتها فيما يتعلق بالقتال في غزة، وعلى الحدود الشمالية. وكذلك قد يُطلب من الجيش الإسرائيلي القتال بشدة في ثلاث جبهات: غزة، والشمال، والضفة الغربية، إلّا إذا نجح الأميركيون في بدء مفاوضات بشأن تهدئة في الشمال، من دون وقف إطلاق النار في غزة. أو بدلاً من ذلك، إقناع نتنياهو بالتراجع عن موقفه من مسألة محور فيلادلفيا.
في هذه الأثناء، أعادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) نشر قواتها البحرية والجوية في منطقة الخليج العربي وخليج عُمان، بحيث أصبحت الآن تشكل تهديداً حقيقياً، ولا سيما لإيران. والهدف الأميركي من ذلك هو منع أيّ تدخّل إيراني محتمل من خلال ضربة انتقامية ضد إسرائيل، من شأنها أن تعرقل المفاوضات بشأن إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة. وتقوم حاملة الطائرات “روزفلت” بدوريات مع مدمرتين صاروخيتين في مضيق هرمز، وتُجري حاملة الطائرات “لينكولن” دوريات مع ثلاث مدمرات في مضيق باب المندب.
هناك غياب للقطعات البحرية الأميركية في قلب البحر الأحمر، حيث توجد مدمرة فرنسية فقط، وأُخرى إيطالية. وفي البحر الأحمر، توجد قوة برمائية من مشاة البحرية الأميركية، كانت ابتعدت عن شواطئ لبنان، وهي الآن في تركيا، إلى جانب غواصتين صاروخيتين لا يُعرف أين موقعهما، وبعد الهجوم الاستباقي الإسرائيلي الأسبوع الماضي، سحب الأميركيون قواتهم البحرية، بعيداً عن السواحل اللبنانية لأن التهديد لبيروت لم يعد ضرورياً. فالمهمة الآن هي ردع إيران.
أصبحت المفاوضات الآن في مقدمة أولويات إدارة بايدن – هاريس، قبيل الانتخابات الأميركية، والإدارة الأميركية على استعداد لتحمّل مخاطر تشكّل فراغ عسكري في بحر الصين الجنوبي، وتايوان، والفلبين، لضمان ألّا تعرقل طهران وأذرعتها المفاوضات. يبدو الآن أن الأميركيين سيواصلون هذه المفاوضات بكل قوتهم، حتى إذا لم يوافق أحد الطرفين، أو كلاهما، على مقترح الوساطة.
على هذا النحو، تراهن إدارة بايدن الآن، وبكل ما تملك، على الشرق الأوسط، وقد نرى اقتراحاً جديداً للوساطة في الأسابيع المقبلة. وسيكون لهذا الأمر تأثير حاسم في نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة، ولهذا السبب، لا تنوي الإدارة الديمقراطية التراجع عن موقفها”.
(*) بحسب المواقف السابقة للطرفين، وهو شرط جديد لم يتم طرحه سابقاً في المفاوضات. (المصدر: ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية).