وجّه وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي دعوة رسمية إلى نظيره اللبناني يوسف رجّي لزيارة طهران، بهدف «التشاور حول تطوّر العلاقات الثنائية ومناقشة التطورات الإقليمية والدولية». إلا أن الوزير اللبناني، وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام، ردّ باعتذاره عن قبول الدعوة في الوقت الراهن، لاعتباره أن الظروف الحالية غير مؤاتية، من دون أن يعني ذلك رفضًا للنقاش، مقترحًا عقد لقاء في دولة ثالثة. وأعرب رجّي عن «كامل استعداده لإرساء عهد جديد من العلاقات البنّاءة بين لبنان وإيران، شريطة أن تكون قائمة حصرًا على الاحترام المتبادل والمطلق لاستقلال وسيادة كل بلد، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة كانت». وختم رسالته إلى نظيره الإيراني بالقول: «ستظلون دائمًا، معالي الوزير، مرحّبًا بكم لزيارة لبنان».
وبرغم عدم الارتياح الإيراني لكسر عُرف دبلوماسي اعتُمد بين البلدين لفترة طويلة، يتمثل في تلبية الدعوات الرسمية، رحّب الوزير عرقجي بدعوة الوزير رجّي لزيارة بيروت، معربًا في الوقت ذاته عن استغرابه طرح عقد اللقاء في دولة محايدة، ومؤكدًا أن الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية كاملة لا تحتاج إلى دولة ثالثة للقاء.
فهل يشكّل عدم تلبية وزير الخارجية والمغتربين اللبناني دعوة نظيره الإيراني مخالفةً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي أُقِرّت عام 1961 ودخلت حيّز التنفيذ عام 1964، والتي تُعدّ من أهم الاتفاقيات المنظمة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وتهدف إلى ضمان حسن سير هذه العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والسيادة؟
من الناحية القانونية، يُعدّ توجيه دعوة رسمية بين وزراء الخارجية أمرًا طبيعيًا، غير أن قبولها ليس إلزاميًا، ولا يُعتبر رفضها أو تأجيلها خرقًا للاتفاقية أو إجراءً عدائيًا. كما أن اقتراح عقد لقاء في دولة ثالثة يُعدّ أحد الأساليب الدبلوماسية المعتمدة بين الدول لإدارة الخلافات أو التباينات في ما بينها، ولا يتعارض مع اتفاقية فيينا.
بناءً عليه، فإن الإشكالية المثارة لا تكمن في الجانب القانوني أو الدبلوماسي، بل في البعد السياسي، باعتبارها مؤشرًا على وجود أزمة في العلاقة بين البلدين.
فموقف وزير الخارجية اللبناني لا يبدو موقفًا فرديًا اتخذه الوزير وفق انتمائه الحزبي أو ضمن صلاحياته الدستورية في إطار إدارة وزارته، بل يبدو أنه يعكس توجهًا عامًا، في ظل صمت كلٍّ من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وعدم طرح الموضوع في مجلس الوزراء، برغم اعتراض قوى سياسية لبنانية ممثَّلة في الحكومة على موقف وزير الخارجية.
وهنا يبرز السؤال الذي يتبادر إلى أذهان كثيرين: هل يُعدّ هذا التصرف بداية لرسم توجه إقليمي جديد للبنان، يتناغم مع ما ورد في البيان الوزاري لحكومة «الإصلاح والإنقاذ» برئاسة الدكتور نواف سلام، الذي اعتبر أن نهوض الدولة «يتطلب اعتماد سياسة خارجية تعمل على تحييد لبنان عن صراعات المحاور، بما يسهم في استعادة موقعه الدولي ورصيده العربي»؟
إذا كان الأمر كذلك، فإن تطبيق ما ورد في البيان الوزاري يفترض ألا يقتصر على إيران وحدها، بل أن يشمل أيضًا دولًا أخرى لا تراعي في تعاملها مع لبنان الأسباب نفسها التي استند إليها الوزير رجّي لعدم تلبية دعوة نظيره الإيراني، ولا سيما لجهة «الاحترام المتبادل والمطلق لاستقلال وسيادة كل بلد، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة كانت».
ولا شك في أن تصرّف الوزير رجّي يشكّل مؤشرًا يعكس أزمة عميقة تمرّ بها العلاقات السياسية بين البلدين، في ظل التحولات الكبيرة، والتحالفات الجديدة، والتغيرات التي تشهدها موازين القوى في المنطقة، ولا سيما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي وصلت إلى حدّ تعمّد إبقاء قرار اعتماد سفير إيران الجديد في بيروت محمد رضا رؤوف سيباني معلّقًا، برغم تقديمه نسخة عن أوراق اعتماده إلى وزارة الخارجية والمغتربين.
