الانفجار الصامت بين عون وسلام لماذا وإلى أين؟

كل ما حصل في الأيام القليلة الماضية يشير إلى أن العلاقة بين رئاستي الجمهورية والحكومة في لبنان ليست بخير، وأن الخلاف إذا استمر بينهما يُهدّد بأزمة سياسية عميقة لا سيما داخل السلطة التنفيذية، أي مؤسسة مجلس الوزراء.

عندما أدرك رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن رئاسة الجمهورية صارت بمتناول اليد، أوعز لكل فريقه بخوض مناقشات عميقة مع فريق رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي جوهرها إعطاء دفعة سريعة للعهد منذ اليوم الأول، عبر إعداد رزمة مشاريع قوانين تُحوّل المجلس النيابي إلى خلية عمل مواكبة للسلطة التنفيذية.

أما وأن هناك من نصب كميناً لميقاتي، فقد صار لزاما على عون أن يتعايش مع رئيس الحكومة نواف سلام، الآتي حديثاً إلى نادي رؤساء الحكومات. مع الوقت تبين أن هناك توجهين متعارضين بين جوزاف عون ونوّاف سلام. من تعيين كريم سعيد حاكماً للمصرف المركزي إلى حصرية السلاح. ومن الواضح أن رئاسة الجمهورية تفضل خوض حوار هادىء مع المقاومة بشأن سلاحها واستراتيجية للدفاع والأمن الوطنيين، وذلك على عكس منطق نواف سلام الذي يريد الاستفادة من كل عوامل الضغط الخارجية من أجل تنفيذ قرار نزع السلاح حتى لو كان الثمن التصادم المسلح بين الجيش والمقاومة.

وما شهدناه من انفجار صامت لعلاقة الرئاستين الأولى والثالثة في الأيام القليلة الماضية هو نتيجة وليس سبباً. فقد قرر رئيس الحكومة استباق مناسبة إضاءة صخرة الروشة بصورة الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، باصدار تعميم يمنع فيه استخدام الأماكن العامة من دون نيل ترخيص من السلطات المعنية وطلب من الأجهزة الأمنية والعسكرية تنفيذ مضمون التعميم، فما كان من حزب الله الا ان طلب من محافظ بيروت السماح عبر احدى جمعياته المرخصة اقامة الاحتفال، فاشترط الأخير وبتوجيه من سلام أمرين؛ أن لا يشارك أكثر من 500 مواطن في الاحتفال وأن لا تضاء صخرة الروشة بصورة الشهيدين. وهنا لا يحتاج المرء إلى كثير تفكير ليتبين له أن سلام أراد من خلال ذلك أحد أمرين: إما حشر حزب الله واظهاره ضعيفاً أمام جمهوره أو دفعه للتصادم مع القوى الأمنية والعسكرية الرسمية.

اقيم الاحتفال وحضره بحسب تقديرات الاجهزة الأمنية الرسمية عشرات آلاف المواطنين وأضيئت خلاله صخرة الروشة، بصور الشهيدين خلافاً لتعميم سلام، وعملت الأجهزة الأمنية والعسكرية على حفاظ أمن المشاركين في الاحتفال من دون اي صدام مع الناس. ومع اختتام الاحتفال شكر رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا قائد الجيش العماد رودولف هيكل والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبدالله على مساهمتهما في انجاح الفعالية.

غضب سلام واعتكف في منزله وألغى كل مواعيده في السرايا الحكومية في اليوم الذي تلاه، لكن اتصالات ديبلوماسية دفعته إلى الغاء اعتكافه والاستعاضة عن اجتماع مجلس الوزراء باجتماع وزاري تشاوري واصدار بيان شديد اللهجة ضد قيادتي الجيش والأمن الداخلي لعدم تنفيذهما تعليماته.

في هذه الأثناء، كان الرئيس عون يتابع من نيويورك مع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومع الوزراء المختصين تفاصيل ما يجري في بيروت إلى أن أصدر سلام بيانه في انتقاد قادة الاجهزة الأمنية والعسكرية، فكان رد وزير الدفاع ميشال منسى، المصنف ضمن فريق رئاسة الجمهورية، من دون أن يُسمي رئيس الحكومة قائلاً “إن مهمة الجيش درء الفتنة ومنع انزلاق الوضع إلى مهاوي التصادم وردع المتطاولين على السلم الأهلي وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية. إن للجيش رئيساً يرعاه وقائداً يسهر عليه وشعباً يحبه ويرى فيه الأمل الباقي بعد الله ولبنان”.

مجدداً غضب سلام من البيان فكان الإجتماع الوزاري الموسع في منزله بحضور وزيري الداخلية والدفاع، لكن مبرراتهما لم تقنعه، فكان مصراً على أن تتولى النيابة العامة ملاحقة المخالفين وتوقيفهم، وصولاً إلى سحب العلم والخبر من الجمعية التي دعت إلى الفعالية. وما أن عاد الرئيس عون إلى بيروت حتى استدعى قائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى القصر الجمهوري وقلده وسام الوشاح الأكبر، وهذا وسام عادة ما يمنح لرؤساء الجمهوريات أو لكبار المسؤولين عند انتهاء مهامهم وليس في بداية عملهم، وهذا ما رفع نسبة الغليان في العلاقة بين سلام وعون. أمام هذه المشهدية تدخل “الاطفائي” رئيس مجلس النواب نبيه بري وعمل على تبريد الأجواء، ما مهد الطريق لزيارة سلام إلى القصر الجمهوري ولقاء عون، ليخرج بعد اللقاء متجهماً ورافضاً الإدلاء بأي تصريح.

هذه المشكلة بين عون وسلام لم تكن سوى تعبيراً متجدداً عن أزمة ثقة بينهما، برغم الرعاية الأميركية السعودية للعهد والسلطة السياسية مجتمعين، وكانت بلغت ذروتها في جلسة الخامس من سبتمبر/أيلول الماضي عندما قرّر الوزراء الشيعة مقاطعة اجتماع الحكومة المخصص لتحديد روزنامة زمنية لقرار حصر السلاح في كل لبنان بيد القوى العسكرية والأمنية اللبنانية المتخذ في جلستي الخامس والسابع من آب/أغسطس الماضيين.

غير أن قائد الجيش وبالتنسيق مع رئاسة الجمهورية تقدم بالخطة المطلوبة (خمس مراحل) لكنه طالب بغطاء سياسي كامل لتنفيذها من دون أن يتسبب ذلك بأي صدام مع الناس. وكان قد سبق هذا الاجتماع خطاب عالي النبرة من الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قال فيه إن المقاومة جاهزة لخوض “قتال كربلائي” دفاعاً عن سلاحها في ظل وجود الاحتلال “الإسرائيلي” على الأراضي اللبنانية، وتبعه خطاب أكثر هدوءاً ولكن بالمضمون نفسه لرئيس مجلس النواب نبيه بري في مهرجان إحياء الذكرى السنوية لاخفاء الإمام السيد موسى الصدر.

إقرأ على موقع 180  الهجرة من إسرائيل.. موسم القلق الوجودي المفتوح!

وكما كان متوقعاً، أقرت الحكومة خطة نزع السلاح من دون إلزام الجيش بمهل صارمة تاركة لقائده أن يطلع مجلس الوزراء شهرياً على نتائج تنفيذ القرار، وهنا مكمن الخلاف الجوهري بين عون وسلام، وهذا الخلاف يرتبط إلى حد كبير ليس فقط بالصلاحيات التي يتمتع بها الموقع الذي يحتله كل منهما كما يرتبط أيضاً بمدة وجود كل منهما في موقعه بحسب الدستور اللبناني. ولاية رئيس الجمهورية هي ست سنوات وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة فيما قيادة الجيش تخضع بموجب الدستور لسلطة الحكومة مجتمعة (وهنا يكمن التضارب في الصلاحيات) وولاية رئيس الحكومة غير محددة بزمن وهي مرتبطة بالتوازنات السياسية الداخلية إذ تسقط الحكومة اذا سحب مجلس النواب ثقته بها بالأغلبية النيابية، او باستقالة أو وفاة رئيسها، أو باستقالة ثلث أعضائها زائداً واحد أو عند اجراء انتخابات نيابية أو رئاسية جديدة.

ومن المعروف أن عون لم يكمل بعد سنته الأولى في رئاسة الجمهورية وما يزال أمامه أكثر من خمس سنوات حتى انتهاء ولايته لكن سلام من حيث المبدأ، وفي أحسن احواله، لن يكون رئيساً للحكومة أبعد من شهر مايو/أيار المقبل، موعد اجراء الانتخابات النيابية، إلا إذا تم تمديد ولاية مجلس النواب لسنة أو أكثر وعندها سيتمدد تلقائياً عمر الحكومة السلامية.. من هذه الزاوية، ولا سيما في ضوء احتمال إجراء الإنتخابات، تدفع قوى خارجية وداخلية رئيس الحكومة لخوض مواجهة كسر عظم مع حزب الله، وسبق ان دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الحكومة لتنفيذ قرار سحب السلاح بالقوة، ومثله فعل رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل. أما الرئيس عون فإنه يرى أن لا مصلحة في هكذا مواجهة لأنها ستكون مواجهة ليس مع حزب بل مع مكون طائفي وازن لبنانياً.

ولا يجوز أن نغفل أن العماد عون يُدرك كقائد سابق للجيش اللبناني، وبصفته من قرية في جنوب لبنان (العيشية) أن سلاح المقاومة هو ورقة القوة الوحيدة التي يملكها لبنان في مفاوضاته غير المباشرة مع “إسرائيل” بشأن تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل اليه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وامتنعت “إسرائيل” عن تنفيذ أي بند من بنوده، ويعرف عون أيضاً أن الضمانات الدولية لا تكفي ولا تشكل ورقة قوة فكيف اذا تنصلت الولايات المتحدة من دورها كضامن للاتفاق بحسب ما أعلن مبعوثها توم برّاك مؤخراً؟

هل يمضي سلام في مواقفه الصدامية مع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومع المكون الشيعي في البلاد وممثليه في الحكومة والمجلس النيابي وإذا مضى ألا يحوّلَهُ ذلك إلى دونكيشوت يحارب طواحين الهواء ويعطل بيده دوره كرئيس للحكومة برغم الدعم الخارجي الذي يتلقاه ولا سيما من السعودية؟

Print Friendly, PDF & Email
سلطان سليمان

صحافي لبناني؛ كان يُوقّع مقالاته باسم "ماهر أبي نادر" لضرورات عمله

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180   7 أكتوبر.. "بارادوكس" الشرق الأوسط!