أسئلة مشروعة حول الإسناد اللبناني لغزة 

نحن في خضم حرب حقيقية ولو كان حزب الله يُصرّ على إدراجها في خانة مساندة غزة ومؤخراً أضاف إليها عنوان "الدفاع عن لبنان وشعبه". ما يجري منذ حوالي العشرة أيام على أرض لبنان يشي بما تُضمره إسرائيل للبنان منذ الدقيقة الأولى لانتهاء حرب تموز/يوليو 2006، وهو ما كان يجعلها تعتقد لسنوات طويلة أن جبهة غزة ثانوية.. وأن الحرب الأساس هي تلك التي لا بد منها في ما تُسمى "الجبهة الشمالية".

كيف يقتنع العديد من اللبنانيين والعرب واليهود والعالم بأن إسرائيل دولة باتت محكومة بفرضية الهزيمة كغيرها من الكيانات الهجينة في الحروب؟ ما هي تداعيات حرب “طوفان الأقصى” على إسرائيل وعلى لبنان والعالم؟ ما هي الأبعاد الموضوعية والدينية في هذا الصراع الذي شكّل محطة أساسية ونبعاً جديداً للدروس والعبر؟

ما هو حجم هذه الهزّة التي أصابت المجتمع الإسرائيلي الذي لم يُمس منذ إنشائه فوق أرض فلسطين المحتلة بطبق من ورد لكنه بدا مؤخّراً وكأنه غراب يلامس برأسه قبّة السماء يمتلك أقوى الأسلحة التدميرية والتكنولوجية وأفتكها وأكثرها “ذكاءً” يُسقطها من منقاره، كما هو معتاد في الحروب العربية الإسرائيلية الخاطفة، بينما بدت قوائمه متعثرة خائرة أمام المقاومين في أرض غزة والجنوب اللبناني؟

هل ما زالت مقولة الحرب الجوية راجحة في الحسابات العسكرية الإسرائيلية الشائعة والمعروفة تقليدياً وهل يُمكن أن نجد فجأة خيار الحرب البرية يفرض نفسه على أرض الواقع وماذا ستكون تداعياته؟

ما هو مستقبل الجندي الإسرائيلي الرقمي أو الـ Numérique المزوّد بأدق أنواع الأسلحة ووسائل الإتّصال العالية والتكنولوجيا المتطورة في فعاليتها؟

ما هو هذا سر التخبط السياسي والعسكري والمخابراتي الإسرائيلي وسائل الإعلام العالمية الإسرائيلية والحليفة لإسرائيل قبل المعادية منها والتي تورث تداعيات على مستوى الخلافات السياسية داخل حكومة العدو وإعادة التشكيلات العسكرية وما هو أبعد من ذلك بكثير؟

ما هي حقيقة ما حصل من استهداف للمدنيين من خلال تفجيري “البيجر” و”اللاسلكي” ومن إعتداءات إسرائيلية جوية على الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت أكثر من مرة في غضون أقل من شهرين وتهجير معظم سكان الجنوب والبقاع الشمالي والضاحية الجنوبية؟

هل كل ما حصل يستهدف حزب الله حصراً ولا يستهدف لبنان، وإذا كان الأمر كذلك، كيف نُفسّر بالتالي التهديد الإسرائيلي بإعادة لبنان إلى العصر الحجري؟ ما هي أسرار هذا الصمود العسكري بعد الخرق الاسرائيلي العميق للبنية العسكرية للمقاومة الاسلامية في لبنان؟

بدت هذه الحرب، منذ بدايتها، كأنها “حرب عالمية” أو ذات أبعاد دولية شُنّت وتُشن ربّما على المقاومة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن والعراق كمقدمات صغرى لمشروع شرق أوسطي جديد متقدم في الأفق تصاحبه وتمهّد له تهديدات وضغوطات دموية جنباً إلى جنب مع تصريحات التطبيع

ثم ما قيمة إسرائيل وجيشها لولا الأساطيل الأميركية التي صارت في رحلات ذهاب وإياب دائمة حماية لإسرائيل في مواجهة حماس وحدها وحزب الله وإيران وحدها، وماذا عن أسطورة الجيش الذي لا يُقهر والذي كان يُراد له أن يحل محل الجيوش الأميركية في معادلة حماية الأنظمة العربية المتصالحة مع إسرائيل؟

في هذا السياق، ألا يحق للباحث التساؤل عن أسباب هذا الاهتمام العالمي حماية لإسرائيل بعدما سقطت في دائرة الخطر، وهو تساؤل يستمدّ مشروعيته من تصريحات الإدارة الأميركية العلنية بضرورة هذه الحماية؟ والسبب الثاني الذي يحول دون الإستنتاجات القاطعة هو أن هذه الحرب الشرسة لم تصل بعد إلى نهايات حاسمة مفهومة من شأنها أن ترسم لنا ملامح مستقبل الصراع وتداعياته وأسبابه؛ لهذا بدت هذه الحرب، منذ بدايتها، كأنها “حرب عالمية” أو ذات أبعاد دولية شُنّت وتُشن ربّما على المقاومة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن والعراق كمقدمات صغرى لمشروع شرق أوسطي جديد متقدم في الأفق تصاحبه وتمهّد له تهديدات وضغوطات دموية جنباً إلى جنب مع تصريحات التطبيع ونواياه وكلها أمور بالغة التعقيد لا يمكن التيقن من صحتها ومراميها.

هذه الأسئلة التي تتضمن بعضاً من إجاباتها في استفهاماتها وآلاف الأسئلة الأخرى العسكرية والتقنية والعلمية والنفسية مطروحة الآن وستطرح الى أمد بعيد في الكثير من الدوائر المعنية وغير المعنية بهذا الصراع. ويخطىء من يتصوّر أن عاقلاً يستطيع الإجابة في عجالة صحافية أو بحثية على أسئلة متشعبة من هذا النوع.

قد يتعثّر بالمعنى العلمي أيضاً من يتسرّع حاملاً قواميسه العسكرية والمعادلات الحسابية التي يتعلمها العسكريون في المعاهد العسكرية وكليات الأركان ليفهم أو يفسّر بواسطتها دوافع المقاومة في لبنان لاطلاق جبهة الاسناد لغزة انطلاقاً من واجبها القومي والديني والسياسي والاخلاقي في مسار الصراع العربي الإسرائيلي المحفوف بالهزائم العربية المتتالية التي أعقبت حروب 1948 و1956 و1967 و1973.

ما قيمة إسرائيل وجيشها لولا الأساطيل الأميركية التي صارت في رحلات ذهاب وإياب دائمة حماية لإسرائيل في مواجهة حماس وحدها وحزب الله وإيران وحدها

وسواء اختلف اللبنانيون أو تباينت مواقفهم حول نتائج هذه الحرب التي أنهت عامها الأول وتوشك على دخول عامها الثاني، فإنّ ما حصل مرتكزاً الى التحرير الذي حقّقه حزب الله على العدو في العام 2000 وإفشال أهداف “حرب لبنان الثانية” في العام 2006 يجعل كلّ استنتاج في هذا المجال محفوفاً بانتفاء الموضوعية والصدقية؛ فالكل بحاجة الى زمن هادىء لحسن قراءة هذه الأحداث، ومن المبكر جدّاً إذاً الكتابة في الدروس والعبر العسكرية والسياسية والنفسية وغيرها التي يمكن استخلاصها من حرب ما زالت نيرانها مشتعلة بين إسرائيل وساحات المقاومة والتي يُطرح معها مستقبل الكيان الإسرائيلي. وتلك مسألة بات يسهل تلمسها ببساطة كلية في هذا التقاطر أو التزاحم السياسي والعسكري الاميركي والغربي الهائل نحو لبنان والجنوب اللبناني تحت مظلّة تعديل القرار الدولي 1701.

إقرأ على موقع 180  أيها الجائع: بالإنتفاضة تنتصر.. بالتوسل تنكسر

يمكن القول بأن حسابات الأرض هي غير حسابات الفضاء. هذه الأرض ستبقى أغلى وأكثر أماناَ وعزَة لمسلمي ومسيحيي الشرق وسكان هذه البقعة من العالم. وإسرائيل هي المثال؛ إذ لا يمكن لهذا الكيان مهما عتا وتجبر أن يقيم تغييراً من فوق. وهل تدمير البيوت والدساكر والمدن والجسور والطرقات وقتل الأطفال والشيوخ والنساء والشباب يُؤسّس سوى لترسيخ المقاومة؟

بين حتمية الشهادة واستحالة الاستسلام، تكرُ الأسئلة التي تُقلق الإنسانية في كل زمان ومكان وكلها تتمحور حول الحقيقة بأن الوجه الآخر لكل حياة هو الموت لكن الوجه الأنقى لكل موت هو الإنتصار المُعمّم بإشاعة ثقافة الدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات.. ولو تطلب الأمر تضحيات كبرى وهذا زمن التضحيات التي لا بد منها.

Print Friendly, PDF & Email
هشام الأعور

أكاديمي وكاتب سياسي لبناني

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  عندما يحتضر إعلام لبنان على فراش عادل مالك!