حين امتنع الغرب عن بيع اليورانيوم المخصب بدرجة عشرين في المئة لمفاعل طهران العلمي، لعب مفاعل فردو دور المصباح السحري و أنجز المهمة الصعبة بعد نجاحه في إنتاج الوقود المخصب بنسبة عشرين في المئة، والذي يتم استخدامه في مفاعل طهران من أجل إنتاج أدوية الأمراض المستعصية (الأدوية النووية). هو إنجاز أدخل الغرب في صدمة بعدما أدرك أن البرنامج النووي الإيراني القادر على تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة ويمكن أن يرفع بسهولة نسبة التخصيب إلى درجات أعلى بكثير.
التعهدات التي قطعتها ايران على نفسها في الإتفاق النووي عام 2015، قطعت على “ملكة جمال البرنامج النووي الايراني” رقصتها الراقية.
لكي تثبت سلمية برنامجها النووي قطعتايران على نفسها تعهدات تثبت لمجموعة 5+1 عدم وجود ميول عسكرية في برنامجها النووي، وبالتالي جمدت تخصيب اليورانيوم في مفاعل فردو.
الآن وبعد خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي وفرضها عقوبات أحادية الجانب وغير قانونية على طهران، وعدم التزام الدول الأوروبية بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في الإتفاق النووي، أعادت ملكة جمال البرنامج النووي الايراني تزيين رأسها بالتاج الذهبي الذي نحّته جانباً بعد الإتفاق النووي.
هذه المرة لم تعلن تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة بل بدأت تعزف سمفونية تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى خمسة في المئة.
ايران، وبقرار أصدره رئيس الجمهوية فيها، أعلنت الخطوة الرابعة على صعيد خفض التزاماتها النووية، وتحت إشراف مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدأت تضخ غاز (UF6) في 1044 جهاز طرد مركزي موجود في موقع فردو اعتباراً من يوم الخميس الماضي.
وفي حين ينص الإتفاق النووي على عدم ضخ الغاز في أجهزة الطرد المركزي في موقع فردو، وأن تقتصر أنشطة أجهزة الطرد المركزي في هذا الموقع على الأبحاث العلمية فقط، فإنّ الرئيس روحاني يدرك حالة القلق والإضطراب التي يشعر بها الغرب، والولايات المتحدة خاصة، بعد استئناف ضخ الغاز في أجهزة الطرد المركزي في موقع فردو القريب من عاصمة القرار الفقهي والمذهبي في ايران، وهو أرسل بذلك رسالة واضحة لهذه الدول مفادها أن ايران سوف توقف ضخ الغاز في مفاعل فردو فور التزام هذه الدول بتعهداتها وإلغاء العقوبات التي فرضت على طهران.
يدرك روحاني حالة القلق التي يشعر بها الغرب، والولايات المتحدة خاصة، بعد استئناف ضخ الغاز في أجهزة الطرد المركزي في فردو
الرئيس الايراني قال إن ايران سوف تلتزم بجميع تعهداتها ولكن بشرط أن تلتزم الدول الأخرى وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا بتعهداتها كاملة، وإلا فإن طهران ستواصل برنامج خفض التزامتها النووية بشكل تدريجي، وتعلن عن الخطوات المقبلة في الموعد المقرر.
الخطوة الايرانية تأتي في وقت أكدت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في آخر تقرير لها في تشرين الأول/اكتوبر الماضي عدم تخصيب اليورانيوم في موقع فردو، وأن أجهزة الطرد المركزي ايرانية الصنع باسم IR1 كانت تدور من دون ضخ الغاز فيها.
الآن يدرك الغرب جيداً أنه برغم تجميد أنشطة التخصيب في فردو لمدة أربعة أعوام، إلا ان ملكة البرنامج النووي الايراني ما زالت تتمتع بكامل رشاقتها وصفاتها الفتانة، وبمجرد فتح أبوابها ستكون محط أنظار العالم، ولهذا السبب تحديداً شاهدنا كيف أن موضوع استئناف عملية تخصيب اليورانيوم في موقع فردو شغل جميع الخبراء في المجال النووي وتصدر عناوين الشاشات و وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة.
مضى أحد عشر عاماً على تشييد موقع فردو النووي ليكون بديلاً لمفاعل نطنز في حالة الطوارئ، ولكن هنالك فارقاً بسيطاً وهو أن مفاعل نطنز تم تشييده بأيادي العلماء الايرانيين، ولكن استناداً إلى علوم الهندسة المعكوسة في مجال إنتاج “سانترفيوجات” من الجيل الأول والتي تحمل الاسم التجاري(P-1)، فيما موقع فردو هو منظومة من المعامل النووية وهي من إنتاج العلماء الايرانيين وتم تشييدها لتكون مركزاً لتخصيب اليورانيوم الايراني، وإنطلاقاً من هذا يمكن أن نتوقع أنه وفي حال استمرار ايران في برنامج خفض التزاماتها النووية بشكل تدريجي أن تقوم منظمة الطاقة الذرية في ايران باستبدال أجهزة الطرد المركزي الموجودة في موقع فردو بأجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً من طراز IR-6 و IR-8 وبالتالي تكون خطوة ايرانية جادة نحو تسريع عملية تخصيب اليورانيوم.
بعض الايرانيين من التيار المحافظ المعتدل والمتشدد، كانوا ينتقدون الرئيس روحاني والحكومة بسبب الموافقة على تجميد أنشطة التخصيب في مفاعل فردو حتى أنهم كانوا يصفون الأمر بأن موقع فردو أصبح أشبه بملعب كرة قدم بعد توقيع الإتفاق النووي وبات عديم الفائدة بالنسبة إلى برنامج ايران النووي السلمي. بعض الخبراء والمحللين الأجانب أيضاً كانوا يتفقون مع وجهة النظر هذه، إلا أن استعادة واستئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة خمس درجات في موقع فردو بهذه السرعة أظهر عدم واقعية هذه الانتقادات، وأثبتت أن ايران بما تملكه من قدرات علمية وصناعية رفيعة المستوى في المجال النووي يمكنها أن تفاجئ العالم برقصة ساحرة لملكة جمال برنامجها النووي في أي وقت تشاء.
أثبتت ايران أن بإمكانها مفاجأة العالم برقصة ساحرة لملكة جمال برنامجها النووي في أي وقت تشاء.
هذه الإمكانيات العلمية والصناعية المتطورة التي تمتلكها ايران في موقع فردو دفعت الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي إلى الإصرار على تعطيل وإزالة موقع فردو بالكامل قبل مفاوضات الإتفاق النووي عام 2015، إلا أن المسؤولين الايرانيين لم يرضخوا لهذا الطلب الغربي وحافظوا على موقع فردو في إطار استمرار دوران أجهزة الطرد المركزي المستخدمة فيه من دون ضخ الغاز فيها، والآن العالم كله يدرك صحة إدعاء المنظمة الايرانية للطاقة الذرية بأن ايران يمكنها العودة إلى ما قبل الإتفاق النووي في غضون أربعة أيام فقط.
الآن يدرك الجميع أن ايران يمكنها أن تتبنى في خطوتها الخامسة على صعيد خفض التزاماتها النووية برنامج تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة في مفاعل فردو، ولكن السؤال الأساسي: بعد استعادة ايران ملكة جمال برنامجها النووي، هل تنجح طهران بالضغط على الدول الأوروبية لكي تلتزم بتعهداتها في الإتفاق النووي أم أن استخدام طهران لورقة فردو سوف يؤدي إلى نتائج وردود فعل غير متوقعة من قبل الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة؟
يمكن لإيران العودة إلى ما قبل الإتفاق النووي في غضون أربعة أيام فقط
ايران ما زالت حتى الآن تنفذ جميع خطواتها في إطار الرد بالمثل على عدم التزام الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتعهداتها في الإتفاق النووي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكي تجنب نفسها اتهامات التوجه لعسكرة برنامجها النووي ولكي تثب للعالم أن برنامجها النووي لا يتعارض مع الإتفاق النووي وهو برنامج سلمي ولا يحمل أي أبعاد عسكرية.
خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي وفرضها عقوبات أحادية على طهران، وعدم التزام الدول الأوروبية بتعهداتها في الإتفاق النووي وعدم قدرة روسيا والصين على إقناع الأطراف المعنية بضرورة التزام الجميع بتعهداتهم وضرورة أن تكون ايران شريكة بالمكاسب الإقتصادية للإتفاق النووي والرد الايراني المتمثل بتقليص التزامتها النووية، كل هذه المؤشرات تنذر بأن الإتفاق النووي 2015 دخل في طريق الإنهيار، والآثار السلبية لإنهيار الإتفاق النووي ستظهر بوضوح خلال الأشهر المقبلة من خلال العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط.
ومن دون أدنى شك فإن الإتحاد الأوروبي سيكون أول المتضررين الدوليين من هذه التطورات الأمنية الجديدة إلا إذا حصلت معجزة أعادت ايران و الولايات المتحدة من جديد إلى طاولة مفاوضات 5+1 في الأسابيع المقبلة.