ماذا لو قرر حزب الله عدم المشاركة في الحكومة المقبلة؟

أن يكون حزب الله في السلطة الإجرائية (السياسية) التي أعطاها إتفاق الطائف، صلاحيات واسعة بموجب المادة 65 من الدستور اللبناني، أو لا يكون، مسألة تحتاج إلى التفكير بصوت عال.

يسود إعتقاد لدى بعض النخب السياسية في لبنان، أن عقدة إختيار رئيس الحكومة اللبنانية العتيدة، مردها رغبة فريق سياسي محلي واقليمي ودولي بإبعاد حزب الله عن الحكومة الجديدة وإضعاف دوره في المستقبل. وفي ظنِّ الفريق المناهض للحزب محليا وداعميه العرب والأميركيين بأن الفرصة الشعبية مؤاتية تماما في الوقت الراهن لتطويقه كي لا يوظف فائض القوة الذي عاد به من سوريا في إعادة تشكيل الحياة السياسية في لبنان، وربما ايضا لتمرير مشاريع أكبر في المنطقة، سياسية ـ أمنية ـ نفطية.  فماذا لو خرج الحزب فعلا من السلطة؟

يُمكن رصدُ اجابتين متناقضتين تماما على هذا السؤال. تفيد الأولى بأن ابتعاد الحزب عن السلطة، يعني تسهيل حصول لبنان على تسهيلات وقروض ومساعدات مالية من الخارج، وانتعاش الحياة الاقتصادية وتعزيز العلاقات اللبنانية مع الخليج والغرب، وفي الوقت نفسه، حرمان الحزب من غطاء سياسي توفره السلطة السياسية (الحكومة) في ما يتعلق بسلاحه ومشروعه الاستراتيجي المتعلق بالمقاومة ضد إسرائيل.

أما الإجابة الثانية، فتفيد بأن إبتعاد حزب الله عن السلطة السياسية (مجلس الوزراء)، تساوي قيادته معارضةً لبنانية أكثر فعالية وقدرة على شلّ أو تسهيل أي مشروع سياسي أو اقتصادي، بحيث يصبح قادرا على تحميل الحكومة الجديدة تبعات الهزات الاجتماعية والمالية والاقتصادية المحتملة، كما أنه يصبح أكثر قدرة على التحرك في مجاله الاستراتيجي في الصراع مع إسرائيل. زد على ذلك أن حزب الله برصيده وحلفائه في المجلس النيابي، يمكنهم أن يوفروا وحدهم أكثر من 70 صوتاً في مجلس النواب، وهذه النسبة كفيلة بإسقاط أية حكومة (64 + 1) تتجاوز الخطوط الحمراء (السلاح، الموقع الإقليمي، قضايا تمس الأمن القومي مثل الحدود والغاز إلخ).

من المفترض أن حزب الله المعروف بدقة تنظيمه وخبراته المتراكمة ورؤيته المستقبلية، قد بدأ منذ فترة غير قصيرة، لا بل قبل أشهر طويلة من الحراك الشعبي الحالي، بإعادة هيكلة أوضاعه المالية والتنظيمية والأمنية والسياسية، وذلك في ضوء تراجع الموارد المالية من إيران بسبب الحصار والعقوبات، كما إستعدادا لعودة جزء وازن من مقاتليه من سوريا.

هذا كله، على الأرجح، ما يجعل حزب الله محصناً أكثر من غيره في الحيز الجغرافي لبيئته الحاضنة في مواجهة خيار الإنهيار المالي والاقتصادي خصوصا ان تمويله (طبعا بالعملة الصعبة) لا يمر من خلال القنوات المصرفية الرسمية او الخاصة وانما بطرق مغايرة تماما وبعيدة عن المراقبة والإجراءات المصرفية التقليدية. كما أن الإجراءات الأمنية المتخذة منذ فترة طويلة تجعل الحزب أكثر قدرة على منع أي اختراقات أمنية في حال توترت الأوضاع الداخلية مستقبلاً، ذلك ان التفجيرات الإرهابية التي ضربت بيئته إبان السنوات الأولى للحرب السورية، جعلته الأقدر على وضع استراتيجية حماية صعبة الاختراق.

لاءات الحزب في هذه المرحلة الدقيقة: عدم الانجرار الى أي اشتباك أمني داخلي؛ عدم السماح بتجدد الفتنة السنية الشيعية؛ منع كل ما من شأنه اذكاء شبح الإشتابك الطائفي بين الشيعة وبين أي مكون طائفي آخر

في ضوء ذلك، يمكن تحديد بعض لاءات الحزب في هذه المرحلة الدقيقة: عدم الانجرار الى أي اشتباك أمني داخلي؛ عدم السماح بتجدد الفتنة السنية الشيعية؛ منع كل ما من شأنه اذكاء شبح الإشتابك الطائفي بين الشيعة وبين أي مكون طائفي آخر (المسيحي والدرزي)، وذلك في موازاة تحصين البيئة الشيعية على الصمود لفترة زمنية طويلة في مواجهة أية ضغوطات داخلية أم خارجية من أي نوع كانت.

هل ينسحب حزب الله من أية حكومة يمكن أن تتشكل لتسهيل انتعاش لبنان اقتصاديا، أم أنه يتصلب أكثر كلما أيقن أن المحور الاخر بقيادة أميركا يريد تعريته أمنيا وسياسيا بعد الاقتصاد والمال والعقوبات؟

ينطلق تمسك حزب الله بالبقاء في السلطة السياسية من ثلاثة إعتبارات، أولها، أنه يمثل شريحة واسعة من الناس، وهذا ما بيّنته الإنتخابات النيابية الأخيرة، وبالتالي، من حقه أن يكون جزءا من هذه السلطة (مجلس الوزراء)، وثانيها، أن فرص تأمين مطالب الناس من داخل السلطة أفضل من خارجها، وثالثها، حرصه على عدم تمرير أي قرار سياسي يطال سلاحه ودوره ضد إسرائيل.

ثمة إشارة لا بد منها بأن مشاركة حزب الله في السلطة ورفعه لواء محاربة الفساد منذ الانتخابات النيابية الأخيرة (ربيع 2018)، لم تساعدا في توفير الحماية للحزب، بل نراه اليوم في موقع المتهم أيضا كجزء لا يتجزأ من سلطة فاسدة، لا بل هناك من يريد شيطنة الحزب وجعله يقف موقف المدافع عن نفسه، فهل تكون المشاركة، في هذه الحالة، أكثر فائدة من عدم المشاركة؟

لا شك أن منع المتظاهرين اليوم (الثلثاء) مجلس النواب من الانعقاد، دقّ جرس الانذار حيال قدرة الحراك الشعبي على شل مؤسسات الدولة اللبنانية، وخصوصا المؤسسة التشريعية الأم، ورفع مستوى الضغط على “الثنائي الشيعي” وعهد الرئيس ميشال عون. يمكن القول في السياق نفسه، أن مرحلة ما قبل الجلسة التشريعية الممنوعة من الإنعقاد بقوة الشارع، لن تشبه ما بعدها، ذلك انها تأتي بعد عدد من الصدمات السياسية التي أصابت “الثنائي الشيعي”، وأبرزها استقالة الرئيس سعد الحريري وظهور هذا “الثنائي” بمظهر الضعيف الذي يستجدي عودة خصمه السياسي إلى السلطة.

إقرأ على موقع 180  نيجيريا الأكثر تنوعاً عالمياً: دولة فاشلة أم ضعيفة؟

إذا كان حزب الله قد اقتنع مؤخراً بأن التمسك بوزير الخارجية جبران باسيل يُخسّر العهد والفريق الحامي له، أكثر مما يدعمه، وتمنى على الحريري وباسيل الاتفاق بهذا الشأن، واذا كان يُدرك أن الذهاب الى مواجهة سياسية كبرى لن يفيد لبنان في المرحلة المقبلة بسبب الوضع الاقتصادي والمالي الخطير، ويدرك ان الانزلاق الى مواجهة امنية هو انتحار، فماذا يمنعه من الخروج من السلطة وإعادة تنظيم قواعده والتمدد أكثر نحو مشروع وطني جامع، والسماح بالإتيان بوزراء من خارج الحزب ولكن من فئة الحريصين على دوره واستراتيجيته وخياراته؟ هل يمكن أن يكون ذلك خيارا أفضل من البقاء في الحكومة المقبلة؟

حتى الآن لا يبدو هذا الخيار مطروحا، ذلك أنه بنظر حزب الله يعني هزيمته سياسياً في مواجهة المشروع الآخر (الأميركي ـ الإسرائيلي)، لكن هل البقاء في سلطة منبوذة، هو فعلا انتصار، خصوصا حين نرى بين المشاركين في الحراك من أقصى عكار إلى أقصى الجنوب مرورا بالجبل والعاصمة والبقاع، شرائح وطنية كثيرة من مؤيدي المقاومة؟

لعل هذا السؤال يحتاج إلى تأمل فعلي.

Print Friendly, PDF & Email
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "ميدل إيست آي": صفقات سُليماني مع طالبان سارية المفعول