“تجديد مهمة اليونيفيل يُبحث في آب/أغسطس من كل سنة، تاريخ انتهاء حرب لبنان الثانية في سنة 2006. هذه المرة جرت النقاشات في ظل الانفجار المدمر في مرفأ بيروت، ومع بداية التعبير عن التضامن مع لبنان، والثناء على جهود مساعدته، والمطالبة بإقامة حكومة قادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها: إعادة إعمار بيروت، والقيام بإصلاحات، والأزمة الاجتماعية – الاقتصادية الحادة، ومخاطر الكورونا. وكان بارزاً في هذه النقاشات عدم وجود التوترات الأمنية التي بادر إليها حزب الله على الحدود مع إسرائيل، وكذلك عدم التطرق إلى انتشاره ونشاطاته العسكرية المحظورة في الجنوب اللبناني. بصورة رمزية وليست المرة الأولى، لم يُذكر حزب الله في قرار التمديد.
في الجزء التصريحي من القرار جرى التعبير عن دعم السيادة اللبنانية وتطبيق القرار 1701، والتعبير عن “قلق عميق” إزاء عدم إحراز تقدم نحو وقف إطلاق نار ثابت، واستمرار الخروقات “في الجو والبر”.
القرار يعبّر عن القلق من أن اليونيفيل لا يزال ممنوعاً من الدخول إلى مواقع الأنفاق في لبنان، ويدعو السلطات اللبنانية إلى الإسراع في إنهاء تحقيقها في الموضوع. ويصر مجلس الأمن على أن أي تخويف لن يمنع اليونيفيل من القيام بمهماتها، وكرر مطالبته بضمان أمن القوات وحرية تنقلها، و”إدانته الشديدة” للهجمات على دورياتها في بلدات مجدل زون وبرعشيت وبليدا.
عملياتياً، قرر مجلس الأمن تمديد مهمة اليونيفيل سنة من دون تغيير؛ وطلب جدولاً زمنياً ومعالم طريق بشأن التقدم في انتشار الجيش اللبناني في الجنوب اللبناني، وفي مياهه الإقليمية، كما يطالب بتقديم مبادىء خطة لتطبيق توصيات تقرير الأمين العام بشأن اليونيفيل المقدم في الأول من حزيران/يونيو، في غضون 60 يوماً؛ ويثني على آلية الحوار الثلاثي بين الجيش الإسرائيلي واليونيفيل والجيش اللبناني، ويدعو إلى تعزيزها؛ وكرر مطالبته الدولة اللبنانية بالإسراع في إنجاز تحقيقها في الاعتداءات على قوات اليونيفيل وإحالة المعتدين على المحاكمة… وفي الختام قُرّر تقليص عديد قوات اليونيفيل من 15.000 إلى 13.000 – خطوة لا أهمية لها عملياً ـ ليس فقط لأن حجم القوات اليوم هو أقل من 10.000 جندي، بل لأن العدد لم يصل منذ سنة 2006 إلى 13.000.
في نظرة عامة أضيفت إلى القرار عدة بنود يمكن أن تحسن عمليات اليونيفيل على الأرض والتقارير إلى مجلس الأمن، لكن تطبيقها مرتبط كما في الماضي بإصرار جهات دولية في لبنان وفي نيويورك على الوقوف ضد الضغوطات المعروفة، والوصول إلى مواقع ممنوع الدخول إليها، ورفع تقارير مفصلة بسرعة عن العقبات التي يضعها لبنان أمام القيام بذلك. كذلك يواصل القرار تجميل الواقع، مثل الإشادة “بالبيئة الاستراتيجية الجديدة في الجنوب اللبناني” التي أنشأتها اليونيفيل مع الجيش اللبناني (بينما في الواقع الوضع الأمني هناك اليوم هو أكثر خطورة بكثير مما كان عليه عند انتهاء الحرب في سنة 2006)، ويثني على “الاستمرار في التقدم في ترسيم الخط الأزرق”، وهي عملية عالقة منذ سنة 2016.
الانفجار في المرفأ والأزمة الاقتصادية هما وليدا النظام السياسي الفاسد في لبنان الذي دافعت فرنسا عن “استقراره” حتى الآن، والتي تحاول الآن إدخال إصلاحات عليه. عدم منع التصعيد الذي تبرز مؤشراته في الجنوب اللبناني يعكس تفضيل” استقرار” وهمي على معالجة مشكلات أساسية
لكن العيوب الأساسية للقرار ليست في هوامشه بل في جوهره. القرار 1701 (2006) جرت بلورته خلال الحرب، والغرض منه قبل كل شيء منع حرب جديدة، و اعتبار الوجود العسكري لحزب الله سبباً لنشوب هذه الحرب، وبناء على ذلك، نص القرار 1701 على ضرورة نزع السلاح غير الحكومي من المنطقة كوسيلة أساسية لمنع وقوع حرب إضافية. الخلل الأساسي في القرار 1701 منذ البداية كان في الأسلوب والمضمون: اليونيفيل تساعد حكومة لبنان وجيشه على فرض سيادتهما على أرضهما بطلب منهما. منذ سنة 2006 سيطر حزب الله على المنظومة السياسية في لبنان، وفرض الحكومات التي يريدها، وزاد قوته العسكرية وكثف انتشاره في الجنوب اللبناني. الحكومة اللبنانية هي رهينة أو شريكة، وهي لا تطبق القرار 1701 فقط، بل تساعد فعلياً في الدفع قدماً بأهداف حزب الله في انتهاك القرار، وتعمل على إخفائها.
انفجار المرفأ حوّل الانتباه إلى بيروت، ولكن في الظروف الحالية يجب عدم تجاهل الوضع المتفاقم في الجنوب اللبناني، والذي يتناقص تناقضاً كبيراً مع الإحساس بعدم الإلحاح في مجلس الأمن. منذ مقتل ناشط من حزب الله في هجوم قام به سلاح الجو في سوريا في 21 تموز/يوليو، سُجلت ثلاث محاولات هجوم لحزب الله على الجيش الإسرائيلي، بينها هجوم قناصة جرى إحباطه في مزارع شبعا، هجوم فاشل بالقرب من شتولا، وإطلاق نار على قوات الجيش الإسرائيلي قبل يومين من موعد تجديد مهمة اليونيفيل. حتى الآن ردود الجيش الإسرائيلي مضبوطة جداً، وتشمل تقليص أهداف مكشوفة أمام لبنان، رسائل تهدئة وردع، نيران تمويه، وعرقلة وإضاءة، ومؤخراً ضرب مباشر لمواقع مراقبة تابعة لحزب الله. يستمر نصر الله في التصريح أنه سيحاول قتل جندي عسكري وترسيخ معادلة الردع القائلة “العين بالعين”، رداً على مصابين من أعضائه في لبنان وسوريا، وإسرائيل من جهتها تواصل هجماتها على سوريا. معقولية التصعيد في الفترة القريبة تبقى مرتفعة. خلال كل فترة التوترات التي شملت بالتأكيد نشاطاً مكثفاً لحزب الله على طول الخط الأزرق لم تسجل اليونيفيل أي شي قبل الهجمات وخلالها أو بعدها، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي أعلن أن إطلاق النار الأخير جرى بالقرب من مواقع تابعة لقوات الأمم المتحدة. إذا كانت اليونيفيل لا ترى شيئاً في ذروة فترة التوترات فإنها طبعاً لا تقدر على منع وقوع هجمات، وكل ما يمكن أن تفعله نقل رسائل بين الطرفين، والتبليغ عن ردود إسرائيل، والتأسف لأن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أدلة كافية.
بلورة صيغة القرار جرت بين الولايات المتحدة التي طالبت بتحسينات وتغييرات، وبين فرنسا التي تبنت عموماً استمرار التفويض من دون تغيير، وللدولتين أجندة أوسع بكثير من مهمة اليونيفيل. الانفجار في بيروت عمّق صورة لبنان كضحية لكارثة ويحتاج إلى مساعدة، واستقالة الحكومة حررتها من أن تكون عنواناً لمطالب حقيقية. تحاول فرنسا الدفع قدماً بخطوات واسعة في لبنان، كما يمكن أن نفهم من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، أن تحركاته وخططه في الموضوع ولقاءاته بأفراد من حزب الله فرضت جدول الأعمال هذا على مسائل اليونيفيل والأمن في الجنوب.
في نهاية الأمر، الانفجار في المرفأ والأزمة الاقتصادية هما وليدا النظام السياسي الفاسد في لبنان الذي دافعت فرنسا عن “استقراره” حتى الآن، والتي تحاول الآن إدخال إصلاحات عليه. عدم منع التصعيد الذي تبرز مؤشراته في الجنوب اللبناني يعكس تفضيل” استقرار” وهمي على معالجة مشكلات أساسية.
في القرار 2539 لا يوجد رد على الثغرات الخطرة في القرار 1701، وفي عمل اليونيفيل، كل ما هنالك إمكان حدوث تحسين لاحقاً. من أجل تطبيقه يتعين على إسرائيل الضغط بصورة مستمرة وعاجلة على اليونيفيل كي تتمكن من الوصول إلى كل الأماكن على طول الخط الأزرق، بما في ذلك مواقع الأنفاق، وإلى تلك التي تجري فيها عمليات عملانية لحزب الله قبل حدوث الهجوم المقبل. كما يتعين عليها تشجيع هذه القوات على التبليغ بسرعة عمّا تكتشفه، وعن الحوادث والاعتداءات، والدفع قدماً ببناء قدراتها بما يتلاءم مع تقرير الأمين العام العائد إلى شهر حزيران/يونيو. إسرائيل من جهتها تستطيع أن تقوم أكثر بالكشف عن عمليات حزب الله وهجماته أمام الدول الأعضاء في مجلس الأمن علناً، وبذلك تثبت خطورتها الكبيرة.
على الصعيد السياسي، يجب على إسرائيل تعميق علاقاتها بفرنسا والولايات المتحدة من أجل دمج نواح أمنية بمبادراتهما السياسية في بيروت. كلام وزير الخارجية (الإسرائيلي) غابي أشكنازي يكشف الوضع كما هو عليه: “الحوادث الأمنية على طول الحدود الشمالية… أكدت أكثر من أي شيء آخر الحاجة إلى قوات يونيفيل قوية وفعالة”، لكن في نهاية الأمر “ضمان أمن دولة إسرائيل يكون بواسطة قوتها الأمنية والسياسية”.
نقلاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية: