لم يزر الوزير العُماني يوسف بن علوي العاصمة الإيرانية لنقل أية رسائل او للتوسط بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي التي باتت خلافاتها مستحكمة مع الإيرانيين، بل ذهب الى هناك مستطلعاً ومحاولاً سبر أغوار ما يفكر به اهل الحل والربط في ايران تجاه الاوضاع في منطقة الخليج، ومن ثم عرض ذلك على القمة الخليجية التي تعقد سنويا.
ولكن زيارة وزير الخارجية العماني هذه السنة الى طهران إكتسبت أهمية إستثنائية بسبب توقيتها الذي أتى غداة زيارته إلى العاصمة الأميركية وما يحكى عن دور تلعبه سلطنة عُمان في هذه المرحلة على خط تهدئة الموقف في منطقة الخليج.
وزادت أهمية الزيارة العُمانية إلى إيران، بسبب التطورات السياسية الاخيرة بين الرياض وطهران وما يلوح في الافق من رغبة متبادلة و”حذرة” في فتح قنوات حوار بين العاصمتين، فالرياض تبحث عن مخرج لتورطها في حرب اليمن من جهة، وإيران تبحث عن مخرج للحصار الاقتصادي الذي ينهك شعبها وإقتصادها من جهة أخرى.
يعني ذلك ان الطرفين السعودي والايراني متعبان من الظروف التي يعيشها البلدان بسبب “صراعهما” الذي تفاقم خلال السنوات الخمس الماضية، فالرياض تعبت من حرب اليمن التي تستنزفها عسكريا وماديا وحتى سياسيا من دون ان يبدو في الافق انها يمكن ان تحقق انتصارا عسكريا حاسما (كما كانت تتوقع حين بدأت الحرب)، وايران، في المقابل، تعبت من الحصار الاقتصادي المفروض عليها والذي ينهكها فعلا برغم “مكابرتها”… وفي اي صراع او حرب حين تتعب اطرافها، يبدأ كل طرف بالبحث عن مخارج سياسية تحفظ له ماء الوجه.
من الواضح أن الرياض لا يمكن ان تقبل بفك تحالفها السياسي والعسكري “الاستراتيجي” مع الولايات المتحدة الأميركية
والملاحظ ان طهران تريد مخرجا يحقق مكاسب سياسية واقليمية لها في المنطقة وهذا لا يمكن ان يتم الا من خلال الآتي:
اولاً، الحد من نفوذ وتواجد الولايات المتحدة، ومن هنا، إنطلقت المبادرة الايرانية التي جاءت بعنوان “خطة هرمز للسلام”، وهي المبادرة التي تقول طهران ان هدفها هو “تاسيس علاقات ودية واطلاق عمل جماعي لتامين امدادات الطاقة وضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز عن طريق اقامة تحالف يضم كلا من ايران والسعودية وسلطنة عمان والبحرين والكويت وقطر والامارات (لاحظ ان المقترح الايراني لا يذكر هنا اسم مجلس التعاون الخليجي) والعراق وفتح الباب امام انضمام اليمن الى هذا التحالف بعد انتهاء الحرب اليمنية”.
ثانياً، احتواء دول المنطقة وخاصة منظومة مجلس التعاون الخليجي. والملاحظ ان المبادرة الايرانية عرضت انعقاد قمة تجمعها ودول الخليج الاخرى بهدف دراسة وتنفيذ اقتراح خطة هرمز للسلام.
وكانت مصادر إيرانية قالت لموقع 180 إن الرئيس الإيراني حسن روحاني أبلغ بن علوي أن إيران “على استعداد لحضور قمة في الرياض إذا تم تقديم الضوء الأخضر من السعودية ومجلس التعاون الخليجي”.
هذا ما تريده إيران، لكن ماذا تريد السعودية؟
أولاً، من الواضح أن الرياض لا يمكن ان تقبل بفك تحالفها السياسي والعسكري “الاستراتيجي” مع الولايات المتحدة الأميركية، برغم أنه يكلّفها غاليا، وهي ترى ان هذا التحالف هو ضمانتها الأساس في مواجهة التهديدات الايرانية.
ثانياً، لا يمكن ان تقبل الرياض وباقي دول مجلس التعاون بإقامة منظومة تضم إيران ومجلس التعاون الخليجي، فهي لم تضم العراق ولا اليمن إلى مجلس التعاون، فكيف يمكنها أن تقبل بإنضمام ايران؟ هذه المنظومة هي بمثابة نادٍ تقتصر عضويته على اعضائه الستة، علما أن النظام الاساسي لمجلس التعاون ينص على انه لا تقبل عضوية اية دولة في المجلس الا بموافقة جميع الأعضاء الستة.
ترى الرياض أنه إذا كانت ايران جادة في سعيها لاقامة علاقات تعاون مع السعودية ودول الخليج الاخرى، فان المنطلق لذلك، يكون بالمساعدة على وقف حرب اليمن
ثالثاً، ثمة شعور لدى الاوساط السعودية بان ايران – وبرغم ازمتها الإقتصادية – تتصرف بمنطق “المنتصر”، وهذا أمر “لا يبعث على الارتياح ولا يدل على وجود حسن نوايا عند الايرانيين”.
رابعاً، ترى السعودية ان الاولوية حالياً يجب ان تُعطى للتوصل الى تسوية تنهي حرب اليمن في إطار حل سياسي شامل.
خامساً، طالما أن طهران دعمت وما تزال تدعم الحوثيين وجعلتهم يصمدون برغم ما تعرضوا له من نكسات عسكرية، فإن مسؤوليتها كبيرة في السعي لإنهاء حرب اليمن. وترى الرياض أنه إذا كانت ايران جادة في سعيها لاقامة علاقات تعاون مع السعودية ودول الخليج الاخرى، فان المنطلق لذلك، يكون بالمساعدة على وقف حرب اليمن وايجاد تسوية سياسية تضمن اعادة الحكومة الشرعية الى صنعاء بمشاركة الحوثيين، أما البحث في اية مقترحات اخرى مثل مبادرة امن هرمز الايرانية، أو عقد قمة مشتركة، فمن المبكر البحث فيها، ولا بديل عن مساعدة إيران في تسوية حرب اليمن، وهي المدخل لأي تطبيع للعلاقات، من وجهة نظر السعوديين.
هل استطاع الوزير العماني يوسف بن علوي اقناع طهران بذلك، أم أنه إكتفى بعرض وجهة النظر السعودية وحصل على الجواب الذي سيعرض على القمة الخليجية الثلاثاء المقبل؟
من جهة أخرى، هل ستبعث هذه القمة الحياة والنشاط مجددا في مجلس التعاون الخليجي، خصوصا في ظل ما يبدو من انفراج في الازمة بين الدول الخليجية الثلاث وقطر؟
حتى الان يبدو اننا أمام مجرد هدنة اعلامية بين طرفي الازمة وان تخللتها بعض المناوشات بين قطر والامارات، وهذه الهدنة طلبها امير الكويت الشيخ صباح الاحمد المعني بالوساطة بين الطرفين والحريص على بقاء مجلس التعاون الخليجي، ولو شكليا.
فهل ستنهي قمة الرياض الازمة الحادة بين قطر ودول الخليج الثلاث، وعفى الله عما مضى؟
ثمة شك كبير في ذلك ونامل ان تكون شكوكنا في غير موضعها.
(*) متخصص في الشؤون الخليجية