من أفغانستان إلى فيينا.. أي شرق أوسط ننتظر؟

يعتقد المفكر السياسي الأمريكي فرانسيس فوكوياما أن الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان قد لا يُمثل نهاية العصر الأمريكي ولكن التحدي الذي يواجه المكانة العالمية للولايات المتحدة بشكل أكبر هو الإستقطاب السياسي في الداخل الأمريكي.

لا أريد الذهاب إلی ما ذهب إليه فوكوياما من شرح مفرط للإستقطاب السياسي في داخل الولايات المتحدة وتداعياته علی الهيمنة الأمريكية في هذه المنطقة أو تلك؛ لكن الأكيد ـ كما يعتقد فوكوياما ـ أن الولايات المتحدة في العام 2021، ليست كما كانت في زمن الحرب الباردة حيث كان هناك إجماع قوي من النخبة الأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينيات الماضية وحتی أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين علی ضرورة الحفاظ علی موقع قيادي متقدم في السياسة العالمية. ولكن الحروب الطاحنة – يضيف فوكوياما ـ التي لا نهاية لها في أفغانستان والعراق، أدت إلی تعكير صفو الأمريكيين؛ وهذا لا ينطبق فقط على الأماكن الصعبة مثل الشرق الأوسط؛ إنما على “التدخل الدولي” للولايات المتحدة بشكل عام.

قليلون هم الذين يعتقدون أن الإصطفاف السياسي الحاد داخل الولايات المتحدة لا يؤثر علی مجمل التطورات الدولية خصوصاً في المناطق الرخوة والمتحركة، ومنها منطقة الشرق الاوسط. صحيح أن السياسة الخارجية في الولايات المتحدة لا تعتمد علی البيت الأبيض وحده؛ لكن الصحيح أيضاً أن هذه السياسة تتأثر بالأجواء العامة في قلب مصادر القرار المتعددة التي لا يشعر المفكرون في الشأن السياسي الأمريكي بأنها حالياً في حالة تجانس وتفكير في إتجاه واحد وإنما في إتجاهات متعددة. وكما يقول فوكوياما “هذا الإستقطاب أثّر علی السياسة الخارجية الأمريكية بشكل مباشر”. ويخلص المفكر السياسي الأمريكي إلی أنه “ليس من المرجح أن تستعيد الولايات المتحدة مكانتها المهيمنة السابقة ولا ينبغي لها أن تطمح إلی ذلك”.

ثمة إنطباع عام في منطقة الشرق الأوسط أن المفاوضات النووية ستصل في نهاية المطاف إلی تفاهم من نوع معين بسبب حاجة الإدارة الأمريكية للإتفاق مع إيران وحاجة الأخيرة إلى إتفاق يضمن إزالة العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب علی إيران

في مثل هذه الأجواء التي تبلورت أكثر في مرحلة ما بعد تفشي فيروس كورونا، قبل حوالي السنتين، يبدو أن الشرق الأوسط ليس بعيداً عن تأثيرات وتداعيات هذه المرحلة وإن بإتجاه آخر وبشكل آخر.

هناك حدثان مهمان شهدتهما المنطقة وما زالت واقعة تحت تأثيرهما؛ أولهما الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، وثانيهما المفاوضات النووية التي تخص إيران. التركيز علی هذين الحدثين لا يعني إغفال بقية الملفات الساخنة في المنطقة؛ لكن هما يمتلكان من القوة والتأثير ما يؤهلهما ترك تأثير كبير على مسار التطورات الإقليمية.

لا أعتقد أن التطورات الأفغانية قد إنتهت. يجب علينا الإنتظار لأن الكثير من الأسئلة ما زالت من دون أجوبة؛ خصوصاً في ما يتعلق بالإرهاب والتشدد وتشكيل الحكومة الأفغانية التي تستطيع كسب الإعتراف الدولي؛ والأجوبة علی ذلك في الوقت الراهن يكتنفها الكثير من الغموض ربطاً بالأهداف الحقيقية من وراء سيناريو الإنسحاب الأمريكي بالطريقة التي تم فيها من أفغانستان وعلى مرأى أنظار العالم بأسره.

أما المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة الغربية فهي ما زالت تراوح مكانها علی الرغم من استئنافها في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في جولتها السابعة، لكن جلسات هذه الجولة بدت عاجزة عن وضع هذه المفاوضات علی سكتها الصحيحة بسبب رغبة الحكومة الإيرانية الجديدة في إعادة صياغة “مسودة القرار” الذي توصلت إليها الجولة الخامسة من المفاوضات قبل شهر يونيو/حزيران الماضي.

ثمة إنطباع عام في منطقة الشرق الأوسط أن المفاوضات النووية ستصل في نهاية المطاف إلی تفاهم من نوع معين بسبب حاجة الإدارة الأمريكية للإتفاق مع إيران وحاجة الأخيرة إلى إتفاق يضمن إزالة العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب علی إيران بعد إنسحابه من الإتفاق النووي عام 2018.

إذا تيقنا أن أمن هذه المنطقة هو وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة عندها ندرك أن الجميع كان خاسراً خلال فترة التأزيم والحروب والتوترات

هذه القراءة تستدعي رصد ما يجري من تطورات متسارعة في العديد من عواصم المنطقة. هل أن قادة الشرق الأوسط يعتقدون أن المنطقة ستشهد إعادة إحياء الإتفاق النووي وعودة الولايات المتحدة إلى طاولة 5+1؟ هل أن سوريا ستعود إلى الجامعة العربية في العام المقبل؟ هل العلاقات الدبلوماسية ستستأنف بين السعودية وإيران وبين الإمارات وإيران؟ هل الحرب في اليمن ستتوقف؟ هل أن الحكومة العراقية الجديدة ستتشكل بعد التئام البرلمان الجديد؟ وهل أن الإنتخابات البرلمانية اللبنانية ستجري في موعدها تمهيداً لتشكيل حكومة قادرة علی معالجة قضايا لبنان الإقتصادية وإجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري في خريف العام 2022؟

من يقول نعم بهذه العجالة سيكون متفائلاً كثيراً؛ لكنه ليس مخطئاً ولم يذهب بعيداً لأن الجميع بات مقتنعاً أن التوتر والتأزيم والحروب والقطيعة وقطع العلاقات لا يمكن أن يحل مشاكل هذه المنطقة وشعوبها، بل علی العكس من ذلك. هذه العوامل كُلّها أثّرت وتؤثر سلباً علی أمن المنطقة وإستقرارها، وإذا تيقنا أن أمن هذه المنطقة هو وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة عندها ندرك أن الجميع كان خاسراً خلال فترة التأزيم والحروب والتوترات.

إقرأ على موقع 180  سيرة خطف شاب لا "جماعة" له.. ولكن

[email protected]

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  "مصيدة توكيديدس" أو "الحرب الحتمية" عالمياً!