الاتفاقية التي تمّت برعية روسية، في شهر تموز من العام الماضي تضمنت السماح لمن يود بالخروج إلى الشمال السوري، وتسليم الأسلحة الثقيلة، وعدم دخول قوات الجيش السوري إلى بعض المناطق (درعا البلد، بصرى الشام، طفس) بشرط أن يتم رفع العلم السوري فيها، وأن تعود المقرّات الحكومية للعمل، بجانب تسوية أوضاع من يرغب من المسلحين.
وحددت الاتفاقية فترة ستة أشهر كمدة أوليّة لتسوية أوضاع المسلحين الذين اختاروا البقاء في درعا، وعدم دخول قوات الجيش السوري إلى بعض المناطق، قبل أن تمدد الفترة مرة أخرى، وهي ما تزال سارية حتى الآن.
بشكل مطرد، بدأت المحافظة تشهد عمليات اغتيال وهجمات على مقرات أمنية وعسكرية، كما شهدت في الأيام الماضية خروج بعض المظاهرات، الأمر الذي فسّره مصدر مطلع المحافظة تحدث إلى “180” قائلاً أن ما يجري هي محاولات “تسخين وإثارة بعض البلبلة لتحقيق مكاسب سياسية”.
خلال حديثه، شرح المصدر أن اتفاقية المصالحة فرزت المسلحين إلى ثلاثة أنواع: قسم من مسلحي المحافظة انخرطوا في صفوف القوات الرديفة للجيش السوري والقوى الأمنية، وقسم آخر تخلوا عن سلاحهم وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، في حين أصرت بعض المجموعات على البقاء في المناطق بشرط عدم دخول الجيش السوري. وتابع “ما زال بعض المسلحين يرتبطون بمن غادر إلى الشمال حيث يحاولون إثارة البلبلة في المحافظة في محاولة لضرب الاستقرار فيها وإظهارها على أنها تعيش حالة فلتان أمني خدمة لأجندات معينة”، وفق تعبيره، مذكّراً بحادثة مقتل القيادي السابق في تنظيم “جبهة النصرة” إياد الطوباسي والمعروف باسم “أبو جليبيب”، وهو أيضاً أحد مؤسسي تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم “القاعدة”، والذي قتل خلال دخوله إلى درعا قادماً من إدلب مطلع العام الحالي.
كذلك، أشار المصدر إلى عمليات الاغتيال التي شهدتها درعا بالتزامن مع بدء اجتماعات اللجنة الدستورية في مدينة جنيف السويسرية في الثلاثين من شهر تشرين الأول الماضي، حيث شهدت المحافظة ست عمليات اغتيال في مناطق متفرقة خلال ساعة واحدة فقط.
تزامنت عمليات الاغتيال التي شهدتها درعا مع بدء اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف
“مكتب توثيق الشهداء في درعا” المعارض، وفي تقريره الأخير الذي نشره عبر موقعه الالكتروني في الثالث من كانونا الأول الحالي، أفاد بأنه وثّق 28 عملية ومحاولة اغتيال أدت إلى مقتل 17 شخصاً وإصابة سبعة آخرين، بينهم ستة مقاتلين في صفوف الفصائل المسلحة سابقاً ممن التحقوا بالقوات الرديفة للجيش السوري.
ووفق المكتب المعارض، فإن 12 عملية اغتيال تمت من خلال إطلاق النار بشكل مباشر، إضافة إلى عمليات اختطاف وتصفية، موضحاً أن هذه الإحصائية لا تتضمن الهجمات التي تعرضت لها حواجز القوى الأمنية وقوات الجيش السوري.
الملفت لانتباه في إحصائية المكتب المعارض أنه صنّف هذه الاغتيالات ضمن قائمة خاصة في قسم “الجنايات والجرائم” وهي قائمة منفصلة عمن يطلق عليهم لقب “شهداء”، كما لم ينسب هذه الاغتيالات إلى أية جهة.
ولا تقتصر عمليات الاغتيال على المقاتلين الذين انضموا إلى صفوف القوات الرديفة للجيش السوري، أو لعناصر قوات الأمن السوري، بل تشمل أيضاً قياديين سابقين في صفوف الفصائل المسلحة ممن لم ينخرطوا في صفوف القوات الرديفة.
“المرصد السوري لحقوق الإنسان” المعارض الذي ينشط من لندن ذكر أن ضحايا الهجمات ومحاولات الاغتيال بأشكال وأساليب عدة، خلال الفترة الممتدة من حزيران الماضي وحتى مطلع الشهر الحالي، وصل إلى أكثر من 195 شخصاً، قتل منهم 134 شخصاً.
ورأى المصدر المطلع خلال حديثه إلى “180” أنّ السبب الرئيسي لانتشار هذه الظاهرة يعود إلى انتشار السلاح، خصوصاً في المناطق التي لم يدخلها الجيش السوري، موضحاً أن القوى الأمنية تعمل ضمن إطار محدد على ضبط الأمن، مشيراً إلى أن “إنهاء هذه الظاهرة يحتاج إلى الحد من انتشار الأسلحة، فالحرب في هذه المحافظة انتهت”.
وبعيداً عن الاغتيالات ومحاولات “الاختراق” الأمنية التي تشهدها درعا، يبدو أن الحكومة الحكومة تتعامل مع ملف المنطقة الجنوبية بشكل عام، ودرعا على وجه الخصوص، طويل، بنَفسٍ طويل إذ لا تزال بنود الاتفاق سارية برغم انقضاء المدة من جهة، ولا يزال الجيش السوري خارج المناطق التي نص الاتفاق على عدم دخوله إليها من جهة أخرى.
كذلك، تم توزيع قسم من المقاتلين السابقين في صفوف المسلحين الذين انضموا إلى صفوف القوات الرديفة على الحواجز الأمنية ضمن مدنهم وقراهم، الأمر الذي من شأنه، وفق المصدر، أن يساعد على عودة الحياة الطبيعية إلى شكلها السابق خصوصاً أن “أبناء المنطقة أدرى بالتعامل مع أبناء منطقتهم”، كما يتم إخلاء سبيل الموقوفين من أبناء المحافظة بشكل متتابع ضمن مراسيم عفو رئاسية، آخرها مرسوم أصدره الرئيس السوري بشار الأسد الشهر الماضي.