التعصب عندما يتحول عنصرية وثقافة كراهية!

يُعبّر التعصّب عن رغبة في الإقصاء والإلغاء والتهميش، والحطّ من قدر الآخر، وذلك قبل أن يتحوّل إلى فعل أو سلوك، إلّا أنه يُصبح خطرًا حين ينتقل من التفكير إلى التنفيذ فيتحوّل إلى تطرّف.

تتغذّى مشاعر الكراهية لدى الأفراد أو الجماعات باستغلال الجانب الغرائزي والانتماءات الضيّقة والهويّات المغلقة التي تقوم على التعصّب بادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة تحت مسوّغات دينية أو عرقية (إثنية) أو طائفية أو مذهبية أو أيديولوجية أو عشائرية أو غير ذلك، وهذه بدورها تنمّي الشكوك وتزرع الأحقاد بين الناس، لأنها تقوم على ادعاءات التفوّق، فيُصبح “الآخر”، أي آخر خصمًا أو عدوًّا “وكلّ غريب مريب”، وبالتالي فهو لا يستحقّ ذات المكانة التي ينتمي إليها الفرد أو المجموعة.

ويقترن التطرّف بفرض الرأي بالقوّة بزعم امتلاك الحق، فيسوق حججًا ومبررات لذلك، وهكذا لا يتورّع المتطرّف من اللجوء إلى العنف لفرض رأيه. والعنف هو نتاج استيلاء التعصب والتطرّف على عقل الإنسان، وتبرير ما يقوم به حتى ولو ارتكب مجازرًا، فلا ضير في ذلك. لأن الحقيقة ستكون إلى جانبه مدّعيًا أن غايته شريفة، بغضّ النظر عن الوسيلة التي يستخدمها للوصول إلى غايته. وبالطبع لا تعصم المبادئ الدينية أو القومية أو الأيديولوجية من ارتكاب المعاصي والآثام تحت الحجج ذاتها.

وليس غريبًا حين يتمكّن التعصّب ثم التطرّف من إنسان أو مجموعة بشرية، فيستحكم فيه أو فيها كراهية للآخر، وهو ما يترجم أحيانًا أعمال عنف لا إنسانية.

حين قُتل المثقف فرج فودة، سُئل القاتل: ولماذا قتلته؟ قال: لأنه كافر، فسأله القاضي: ومن أين عرفت ذلك؟ هل قرأت ما كتبه؟ فأجابه: كلّا، لأنني لا أقرأ ولا أكتب وإنما سمعت ذلك. وهنا تكون الإشاعة أحيانًا أقوى من الحقيقة، وهو ما يُراد بثّه للهيمنة على العقول وتسخيرها

ولعلّ أكثر المجازر في التاريخ التي أُزهقت فيها ملايين الأرواح، وشنّت الحروب واندلعت النزاعات بسببها قامت على الكراهية، فالضحايا يصبحون مجرّد أرقام، ومن يلجأ إلى ذلك يجد التفسيرات والتعليلات، تارة بحجّة المظالم التاريخية وأخرى رد فعل للاستلابات من خلال الانتقام، وثالثة بسبب الفقر والبطالة ومرّة رابعة بالتفاوت الاجتماعي والطبقي، وبكلّ الأحوال الادّعاء بالتفوّق والأفضلية على الآخر، وهناك من يضيف ظلم النظام الاجتماعي، إضافة إلى عوامل نفسية شخصية وعامة، بما فيها ظلم القوى الخارجية وطغيانها، وهكذا تظهر الكراهية والانتقام والثأر كعناصر للقيام بالفعل ضدّ الآخر.

وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية هناك من يُحرّض ويُعبّئ ويُنظّر لثقافة الكراهية، حيث التخلّف يهيء مناخًا مناسبًا لها ثقافيًا وفكريًا، فتنمو فيروساتها وتتكاثر، لتنتشر ضمن أجندات سياسية تقوم على تكفير الآخر بعد تأثيمه وتجريمه وتحريمه.

حين قُتل المثقف فرج فودة، سُئل القاتل: ولماذا قتلته؟ قال: لأنه كافر، فسأله القاضي: ومن أين عرفت ذلك؟ هل قرأت ما كتبه؟ فأجابه: كلّا، لأنني لا أقرأ ولا أكتب وإنما سمعت ذلك. وهنا تكون الإشاعة أحيانًا أقوى من الحقيقة، وهو ما يُراد بثّه للهيمنة على العقول وتسخيرها، وهذا الأمر تكرر مع محاولة قتل نجيب محفوظ وجارالله عمر، وكأن التاريخ يُعيد نفسه.

وقد اطّلعت على إجابات بعض المرتكبين عن إقدامهم على الفعل الإجرامي، فأجابوا أنهم لو عادوا مرّة أخرى سيقومون بالعمل ذاته، لأن معتقداتهم الدينية أو الطائفية أو السياسية، هي التي تدفعهم لاجتثاث الفكر الآخر، وليس ذلك سوى نتيجة هيمنة ثقافة الكراهية على بعض البشر، والأمر لا يقتصر على الجهلة أو غير المتعلّمين، بل أن بعضهم تخرّج من أرقى الجامعات، لكنه تشرّب بروح الكراهية، وشُحن بالعداء للآخر، حيث تلعب بعض الأيديولوجيات دورها في ذلك من خلال روافد مختلفة، لا سيّما في مخاطبة الشباب بزعم “الموت من أجل العقيدة” و”ملاقاة الله” تحت عناوين لا علاقة لها بالجهاد في الإسلام، بل أن ما يقومون به شكل من أشكال العنف والإرهاب القائمين على التعصّب ووليده التطرّف.

إن ثقافة الكراهية، هي نتاج فكر استعلائي متعصّب، يدّعى احتكار الحق والحقيقة، بعضها يقوم على أوهام التفوّق، التي يتم ضخّها بأساليب مختلفة من خلال مناهج التعليم والإعلام والخطاب الديني بالضدّ من الآخر، سواءً بالممارسة العملية أو من خلال قوانين تمييزية تتعارض مع ثقافة السلام والتسامح والتنوّع والتعددية.

لعلّ ما حصل في رواندا في العام 1994 من جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، مدعاة للتفكّر بما تنتجه ثقافة الكراهية، حيث تعرّضت قبيلة التوتسي إلى الإبادة الجماعية، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة في العام 2003 إلى استذكار تلك الجرائم الأليمة، التي قُتل فيها 800 ألف إنسان على يد قبيلة الهوتو. ولعمري إن ذلك فصلٌ مأساوي من أحلك فصول التاريخ البشري، إذ لم يكن هناك سبب حقيقي له سوى ثقافة الكراهية.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "حزب السلاح".. والميليشيات في أمريكا!
عبد الحسين شعبان

أكاديمي، باحث ومفكر عراقي

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  المشى فوق الألغام.. كما يحدث في مسلسل «الحشّاشين»!