تقييم معهد الأمن القومي
أولاً، توقف الكثير من المحللين عند “التقييم الإستراتيجي” الذي أصدره “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، وسلمه رئيس المعهد الجنرال المتقاعد عاموس يدلين إلى رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين ريفلين، الإثنين الماضي، وتضمن الآتي:
اغتيال قاسم سليماني “من شأنه أن يؤدي إلى تغيير استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط من السابق لأوانه تقييم انعكاساته الآن، لكنه يلزم إسرائيل الاستعداد لكافة السيناريوهات، ابتداء من تصعيد محدود وانتهاء بصراع واسع النطاق بين إيران والولايات المتحدة”.
خطر تدهور الموقف “إلى معركة عسكرية في الجبهة الشمالية (مع لبنان) ازداد كثيراً، وقد يسفر عن الانجرار إلى حرب جديدة في لبنان في إثر هجوم إيراني محتمل ضد أهداف إسرائيلية”.
وبرغم أن البرنامج النووي الإيراني يأتي في المكان الثاني ضمن قائمة التهديدات التي أشار إليها معهد الأمن القومي، إلا أنه وضعه في خانة “التهديد الأخطر لوجود إسرائيل”، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن احتمال إنتاج قنبلة نووية من طرف إيران في سنة 2020 “ضعيف من الناحية الفعلية، إلّا إن الخطورة المحتملة لهذا التهديد بالنسبة إلى المستقبل هي الأعلى”.
التهديد الثالث هو في الجبة الجنوبية “وإذا لم تتوصل إسرائيل و”حماس” إلى تفاهمات بشأن وقف إطلاق النار وتطبيقها فإن احتمالات المواجهة الواسعة في قطاع غزة ستزداد”.
إسرائيل عرفت مسبقاً
ثانياً، كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية نقلا عن “مصادر سياسية رفيعة المستوى في القدس” أن المحادثة الهاتفية التي جرت يوم السبت الماضي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “هي الثالثة بينهما”، خلال الأسبوع الفائت، فيما كشفت محطة التلفزة الإسرائيلية (12) أن بومبيو أطلع نتنياهو مسبقاً على الخطط الأميركية لاغتيال سليماني. ونقلت عن “مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى” أنه من غير المرجح أن ترد إيران بضرب إسرائيل، لكن في الوقت عينه عزز الجيش الإسرائيلي استعداده في منطقتي الحدود الشمالية والجنوبية تحسباً لاحتمال رد تلقائي من طرف المنظمات المدعومة من إيران مثل حزب الله في لبنان أو “حماس” والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
شوفال: أن نرى عملية انتقامية إيرانية هنا أو هناك ضد ممثليات أميركية متعددة، وضد حلفاء الولايات المتحدة، بينهم إسرائيل، في الأساس من جانب وكلائها، لكن الوضع السياسي اللبناني، والتهديد الفعلي برد إسرائيلي كثيف، يمكنهما أن يقلصا، وحتى يلغيا، حرية عمليات حزب الله
زلمان شوفال: حزب الله مُقيّد
ثالثاً، كتب الديبلوماسي الإسرائيلي وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق زلمان شوفال مقالة في “معاريف” إعتبر فيها أن أهمية الاغتيال المركّز لقاسم سليماني “أكبر بكثير من حقيقة إزالته من أرض الواقع. لكن من السابق لأوانه القول ما إذا كان يجب اعتبار ذلك تغييراً في قواعد السياسة التي انتهجها الرئيس ترامب في السنوات الأخيرة مقارنة بخطة الرئيس أوباما للانسحاب من الشرق الأوسط”.
وعرض لعدد من المؤشرات التي إعتبر أنها شجعت الإيرانيين على إعتماد سياسة عدائية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وهي الآتية:
– الانسحاب الجزئي لجنود أميركيين من سوريا، وما بدا كأنه تخلّ عن الحلفاء الأكراد،
– عدم الرد على الهجوم على منشآت النفط السعودية، وعلى ناقلات النفط في الخليج الفارسي، وعدم الرد على إسقاط المسيّرة الأميركية، “كل ذلك شجع طهران على الاستمرار في العدائية المتزايدة ضد الأميركيين”،
– المناورة البحرية المشتركة لإيران وروسيا والصين قبل نحو أسبوعين في خليج عُمان، “كان هدفها التلميح إلى أن النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وربما في العالم كله، آخذ في الخمود – هدف يخدم مصالح هذه الدول الثلاث خارج النطاق الشرق – الأوسطي. هذا بالإضافة إلى سعي روسياـ على الرغم من ضعفها الأساسي، لتصوير نفسها كقوة عالمية عظمى، وتحوُّلها في السنوات الأخيرة إلى لاعبة مهمة في المنطقة”.
في المقابل، “كانت عملية الاغتيال وقبلها الهجوم على قواعد تابعة لميليشيات شيعية حليفة لإيران في العراق وسوريا، وإرسال مزيد من الجنود الأميركيين إلى العراق، هدفها إطلاع الإيرانيين على خطأ تقديرهم الاستراتيجي. بالإضافة إلى ذلك، سمحت العملية لدول الخليج العربية، الحليفة التقليدية لأميركا، برفع رأسها في مرحلة كانت تشعر بالقلق إزاء تصميم وفعالية جدار الدفاع الأميركي”.
وشدد شوفال على وجوب “عدم التسرع إلى الاستنتاج أنه من الآن فصاعداً ستضيف إدارة دونالد ترامب إلى سياسة العقوبات بعداً عسكرياً دائماً ضد استفزازات طهران، لأن الرئيس (ترامب) لا يزال مصراً على عدم الوقوع في حرب إضافية شاملة في الشرق الأوسط. لكن القيادة الإيرانية أيضاً ستضطر إلى الاعتراف بأن استراتيجيتها فشلت على الرغم من كل كلام المباهاة، وأن مواجهة عسكرية حقيقية مع الولايات المتحدة لا حظوظ لها بتاتاً بالنسبة إليها.
وتوقع زلمان شوفال “أن نرى عملية انتقامية إيرانية هنا أو هناك ضد ممثليات أميركية متعددة، وضد حلفاء الولايات المتحدة، بينهم إسرائيل، في الأساس من جانب وكلائها، لكن الوضع السياسي اللبناني، والتهديد الفعلي برد إسرائيلي كثيف، يمكنهما أن يقلصا، وحتى يلغيا، حرية عمليات حزب الله في الوقت الحالي”. وختم “الكلمة الأخيرة لم تُقَل بعد، لا من جانب الأميركيين ولا من جانب الإيرانيين”..
برئيل:الخوف من انتقام إيراني لمقتل سليماني يصبح ثانوياً. المطلوب الآن عملية وساطة دولية سريعة وحكيمة وحازمة تلجم التدهور. ثمة شك في أن هناك الآن مَن هو قادر ومستعد للقيام بهذه المهمة
تسفي برئيل: مطلوب وساطة دولية
رابعاً، كتب المحلل السياسي في “هآرتس” تسفي برئيل تحليلا قال فيه الآتي:
“إذا قررت إيران المسّ بأهداف أميركية وموالية لأميركا، فهي ليست بحاجة إلى التخطيط لأهداف بعيدة، ففي أفغانستان توجد أهداف أميركية كافية موقتاً. ويوجد مثلها في شمال سوريا أيضاً. لكن إيران لا تزال مكبلة بالمعضلة عينها التي لازمتها منذ انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرضت عليها جرعة مؤلمة من العقوبات: ما هي حدود الرد الفعال الذي يستطيع أن يُحدث منعطفاً في السياسة الأميركية، لكن لا يحوّل إيران إلى هدف شرعي للحرب. هذه المعضلة أضاف إليها اغتيال سليماني اعتباراً خاصاً، الانتقام للإهانة التي لحقت بكرامتها (…).
الهجوم على منشآت النفط السعودية في منتصف أيلول/سبتمبر، كان اختباراً مهماً لاستراتيجية هجومية موضعية، لأن حجم الهجوم والضرر الذي يسببه طرح علامات استفهام أولى بشأن استعداد الولايات المتحدة للقيام بمهاجمة إيران بنفسها بسبب هجومها على دولة حليفة لها.
اجتازت إيران الاختبار بنجاح. يومها سارع ترامب إلى التوضيح أن السعودية هي التي يجب أن تقرر كيف سترد ومتى، وأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبها في مقابل المال طبعاً. أعلنت السعودية أنها تعارض حرباً على إيران، وبذلك رسمت حدود التعاون الائتلافي المعادي لإيران. لكن أرباح إيران لم تحررها من المشكلة الأساسية، وكل هذه الهجمات لم تنجح في إحداث تغيير في سياسة الولايات المتحدة حيالها. أيضاً سياسة “تقليص الالتزامات بالاتفاق النووي” التي تعني خروجاً مدروساً ومخطَّطاً له من الاتفاق النووي بهدف تسريع الحوار الدولي ورفع العقوبات، لم تثمر النتيجة المرجوة بالنسبة إلى إيران (…).
هذا الأسبوع وصلت إيران إلى نهاية مسار خرق الاتفاق النووي عندما أعلنت أنها تعتبر نفسها غير ملزمة بأي قيد فرضه عليها الاتفاق، سواء بالنسبة إلى كميات تخصيب اليورانيوم، أو بالنسبة إلى نوعيته، وأنها من الآن فصاعداً ستخصب اليوارنيوم بحسب “حاجاتها التقنية”. تجدر الإشارة إلى أن إيران تحاذر حتى الآن أيضاً من تقديم ذريعة لحرب ضدها.
مرة أُخرى تدرس إيران سياسات الاحتواء التي تتبعها الولايات المتحدة ودول أوروبا. هي تعرف جيداً حدود “ما يمكن أن تتحمله” والخطر المتعلق بخرقه، لكن المقصود هنا ليس “اختباراً للتحمل” تقوم به إيران للدول الغربية وإسرائيل، بل هي تصدرها وكأن ليس لديها استراتيجيا فاعلة تستطيع إعادة سريان مفعول الاتفاق النووي، أو بدلاً من ذلك معاقبة إيران عسكرياً. بعد أن استنفدت الولايات المتحدة سلاح العقوبات، وعلى الرغم من الضربات الاقتصادية، فإنها لم تنجح في تدمير الاقتصاد الإيراني، وليس هناك ما يؤكد أن خياراً عسكرياً يمكن أن يؤتي ثماره، في ضوء سياسة ترامب عدم الغوص عميقاً في صحاري الشرق الأوسط.
قد تكون إيران دفعت إلى الحائط الاقتصادي، لكن الغرب أيضاً موجود في قفص سياسي وهامش رده ضيق إذا لم يجد قناة عقلانية للتحاور مع إيران. لقد غرّد الرئيس ترامب في الأمس عبر تلميحات كبيرة إلى أن إيران لن يكون لديها سلاح نووي أبداً. هذه التغريدة تشبه بدقة تعهُّد الرئيس أوباما. لكن كيف سيتعامل ترامب مع مراحل خرق الاتفاق الذي انسحب هو نفسه منه؟ هل تخصيب اليوارنيوم على درجة 20% سيعتبره تجاوزاً للحدود على طريق التوصل إلى سلاح نووي؟ هل سيحتاج، مثل أوباما، إلى المساومة مع بنيامين نتنياهو؟ ومتى ستصبح لدى إيران قدرة على صنع قنبلة؟ ترامب لم يقع في هذا الفخ، من الأسهل التهديد بقصف مراكز ثقافية إيرانية، رداً على المسّ بمدنيين وجنود أميركيين، كما فعل في الأمس، من رسم خطة طريق مخطَّط لها تنقذ المنطقة والعالم من التهديد الذي تسبب به بعد انسحابه من الاتفاق النووي.
إلى أن يتوجب عليه التعامل مع هذا الموضوع، تلقى ترامب صفعة إضافية عندما وافق البرلمان العراقي على اقتراح قانون يطلب من الحكومة طرد كل القوات الأجنبية من العراق. القانون أُقر بأغلبية كبيرة، لكن من دون أصوات النواب السنة والأكراد الذين تغيبوا عن الجلسة، وهو بحاجة الآن إلى موافقة الحكومة، لكن ترامب سارع إلى التهديد بأنه سيفرض عقوبات قاسية على العراق، ستبدو العقوبات على إيران باهتة مقارنة بها. وإذا افترضنا أن القانون سيمر في الحكومة والعقوبات ستُفرض على العراق، ماذا ستحقق الولايات المتحدة؟ نشوء وضع تأخذ فيه سيطرتها في الشرق الأوسط بالتبدد، والقطيعة مع العراق ستحوله إلى دولة واقعة تحت الوصاية الإيرانية بالكامل، ويشكل هذا تهديداً لحلفاء الولايات المتحدة وبينهم إسرائيل.
في مواجهة تصعيد كلامي غير مسبوق، والتهديدات الاستراتيجية التي يؤججها، فإن الخوف من انتقام إيراني لمقتل سليماني يصبح ثانوياً. المطلوب الآن عملية وساطة دولية سريعة وحكيمة وحازمة تلجم التدهور. ثمة شك في أن هناك الآن مَن هو قادر ومستعد للقيام بهذه المهمة”.
النصوص نقلا عن “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”:https://www.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view