مع تخطي عدد المصابين بفيروس كوفيد 19 أو (كورونا الجديد) عتبة الـ 330 ألف إصابة حول العالم، تبدو البشرية في سباق مع الزمن لوقف عداد الموت جراء هذا الوباء، الذي حصد حتى اليوم أرواح نحو 14.500 شخص.
بالأمس، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتغريدة بشر فيها الأميركيين بالتوصل الى علاج يساعد في الشفاء من فيروس كوفيد 19. وقال ترامب في تغريدته: “تناول مادتي هيدروكسي كلوروكين (دواء لعلاج مرض الملاريا) وأزيثروميسين (مضاد حيوي) معاً، يحمل فرصة حقيقية ليكون أحد أكبر مغيري قواعد اللعبة في تاريخ الطب”. أضاف: “لقد قامت إدارة الغذاء والدواء الأميركية بتحريك الجبال، ونتمنى أن تتم إتاحة هذين الدواءين للإستخدام فوراً”.
سرعان ما إنهالت التعليقات على ترامب، وبعضها صدر عن كبار العلماء والأطباء في الولايات المتحدة، لدحض إعلانه بوصفه “غير دقيق”. بينما كانت فرنسا تضج قبل إعلان ترامب، بخبر توصل دراسة فرنسية إلى النتيجة نفسها.
البروفسور ديديه راؤولت، مدير المعهد الجامعي المتوسطي لمكافحة الامراض المعدية في مدينة مرسيليا الفرنسية، هو من تولى قيادة هذه الدراسة، وتوصل إلى نتائجها. شملت الدراسة 24 شخصاً مصاباً بالفيروس، وقد أظهروا جميعاً تجاوباً تاماً، فتم شفاؤهم خلال 6 أيام من بدء ظهور علامات المرض عليهم. وأعلن راؤولت أن العلاج قلص مدة المرض، وأوقف المضاعفات الناتجة عنه.
تقول الدكتورة نسرين ناصرالدين، الأخصائية اللبنانية في الصيدلة وعلم السموم، إن ما جرى في فرنسا، وقبلها في الصين، حيث أجريت دراسة شملت عشرات الحالات، لا يتعدى الدراسات الأولية، “لكنها غير كافية بحد ذاتها لإعتمادها كعلاج”. وتوضح ناصر الدين لموقع 180 بوست، أن نتائج الدراسة الفرنسية التي أجراها البروفسور راوولت تبدو مشجعة، لكن يجب أن نكون حذرين، بإنتظار إجراء دراسة موسعة أكثر، لمعرفة كافة جوانب العلاج وتداعياته. وتشير إلى دراسة أوروبية واسعة تحمل إسم “ديسكوفري” إنطلق العمل عليها، وهي تشمل 3200 شخص، بينهم 800 من فرنسا، ستسغرق نحو 6 أسابيع قبل صدور نتائجها.
وبرغم تعرضه للكثير من الانتقادات في فرنسا على إعتبار أن العينة التي إعتمدها شملت فقط مرضى يعانون من عوارض خفيفة، فإن دراسة راؤولت ستصبح جزءاً من الدراسة الاوروبية الموسعة، لإستخراج الخلاصات النهائية، قبل تأكيد ما إذا كان العلاج المطروح فعالاً لمرضى كوفيد 19، ولأي شريحة منهم (ذوي الاصابات الخفيفة، أو المتوسطة أو الحالات الصعبة). في هذا السياق، تحذّر ناصرالدين من تعميم نتائج دراسات غير نهائية وحاسمة حتى الآن، أو اللجوء الى إستعمال الدواء المقترح كيفما كان. وتشدد على أن “هيدروكسي كلوروكين” الذي عادة ما كان يستعمل لعلاج مرض الملاريا، والذي يبدو واعداً من بين الأدوية المطروحة، قد يسبب آثاراً جانبية إذا أسيء إستعماله، خاصة لجهة عدم إنتظام دقات القلب. كما أنه قد يسبب أضراراً إذا إستخدم مع أدوية أخرى، من دون إشراف طبي. وبالتالي فإن اللجوء إليه، يجب أن يقتصر على الأطباء الأخصائيين في المستشفيات، وفق بروتوكول تعتمده السلطات الصحية المعنية.
مختبرات الدول المعنية في سباق مع الزمن. وتهدف الدراسات أولاً إلى تحديد العلاجات الأكثر فعالية. ولا تقتصر التحاليل المخبرية، على “هيدروكسي كلوروكين”. ثمة أدوية أخرى يُعمل على درس فعاليتها في محاربة كوفيد 19، مثل “رمدزيفير” و”ليبونافير/ريتونافير”، و”أنترفيران ألفا”، و”توسيليزوماب”. وفي إنتظار صدور نتائج الدراسات، فإن الناس مدعوون إلى عدم الإقبال على شراء العلاج المقترح (“هيدروكسي كلوروكين” + “أزيثروميسين”) وتخزينه، وهو ما يضعنا أمام أزمة إنقطاعه من الأسواق، فيما الكثير من المرضى، خاصة من يعانون من أمراض الروماتيزم، يحتاجونه لعلاج أمراضهم.
الإعلان عن نجاح جزئي، في هذه الدولة أو تلك، يجب الاّ يعني النوم على حرير الشفاء الفوري، أو المضمون. بل المطلوب الإبقاء على تدابير الحماية المتخذة، وأهمها الحجر الطوعي، وهذه مسؤولية فردية وجماعية، طالما أن العلاج لم يُعمم رسمياً، وطالماً أن عداد الإصابات والوفيات يعمل من دون توقف.