“في ظل الحصار والعقوبات الأميركية، كيف تأمل إيران في القضاء على جائحة فيروس كورونا، علماً انها البلد الثالث الأكثر تضرراً عالمياً، بمعدل وفاة يصل إلى 3.5%، أي ما يفوق المعدل الطبيعي حول العالم وهو 2%؟
ما كان واضحًا قبل أزمة الفيروسات التاجية يبدو الآن أكثر وضوحاً. تهدف سياسة “الضغط القصوى” التي تمارسها الولايات المتحدة إلى خلق أزمة اقتصادية غير مسبوقة في إيران، وهي سياسةٌ تؤثر بطبيعة الحال على قطاع الصحة في إيران، إذ أنّه ونتيجة لهذه العقوبات، خسرت الحكومة الإيرانية ما لا يقلّ عن 40% من إيرادات الميزانية. في الواقع، يشكل النفط في إيران ما بين 40 و50% من ايرادات الخزينة. لكن، ونتيجة للحظر النفطي الأميركي، فقدت البلاد كل صادراتها النفطية تقريبًا، وهذا ما دفع الحكومة الإيرانية إلى أن توجه مواردها في سبيل تمويل نفقاتها الحالية وضمان تأمين الرواتب للموظفين في القطاع العام. أما الإنفاق الاستثماري، فقد توقّف بطبيعة الحال. في هذا الإطار، يمكن القول أن النظام الصحي الإيراني يعاني فعلاً.
علاوة على ذلك، ثمة مشكلة قائمة بسبب العقوبات ومتعلقة بالقدرة الشرائية، حيث وصلت نسبة التضخم في البلاد إلى 40%. لقد انهارت القوة الشرائية للسكان، ويعيش جزء كبير من السكان اليوم تحت خط الفقر.
وحتى لو لم يكن من المفترض أن تؤثر العقوبات الأميركية على القطاع الصحي بشكل مباشر، فإن المصارف الأجنبية التي تخشى أن تتأثر بهذه العقوبات، ترفض معالجة هذا النوع من العمليات، وبالتالي فإنَّ العديد من المعاملات المتعلقة بالقطاع الصحي تُعلّق. ولهذا، تواجه إيران صعوبات في استيراد اللوازم الصحية والأدوية، ما أدى إلى نقصها. وبسبب انخفاض الإيرادات الحكومية ونقص الأدوية، يواجه نظام الرعاية الصحية أزمة حقيقية. لذا، هو ليس في أفضل وضع لمكافحة وباء الفيروس التاجي. الحكومة الإيرانية تحاول مساعدة السكان المتضررين اقتصاديًا من الأزمة، ولكن، كما قلنا للتو، لم يبق لدى الحكومة الإيرانية أية أموال تقريبًا. وبالتالي لا يمكنها تنفيذ سياسات التحفيز، أو حتى تمويل المساعدات للقطاعات الاقتصادية المتأثرة بأزمة الفيروس التاجي.
على عكس الأوروبيين، فإن الصين هي الدولة الوحيدة التي استمرت في شراء النفط الإيراني. كما أنها موقعة على الاتفاق النووي، ما اوحى بأن الصين حليف استراتيجي لايران
في ظل هذه الأزمة الصحية والاقتصادية الحالية، ما هو الدور الذي تلعبه الصين في إيران، ولا سيما في مواجهة العقوبات الأميركية التي تزداد حدّة أكثر من أي وقت مضى؟
فاقم هذه الأزمة التوترات. لقد كانت الصين قبل هذه الأزمة واحدة من الحلفاء الاقتصاديين والاستراتيجيين القلائل لإيران، على عكس الأوروبيين، فإن الصين هي الدولة الوحيدة التي استمرت في شراء النفط الإيراني. كما أنها موقعة على الاتفاق النووي، ما اوحى بأن الصين حليف استراتيجي لايران.
وكانت الصين قد طلبت رسمياً من الولايات المتحدة رفع العقوبات، نظراً للأزمة الصحية الإيرانية، كما طالبت بتقديم المساعدة الطبية لإيران. الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران تم تعزيزها في هذه الأزمة.
عند قراءة التصريحات الأخيرة لمايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، يترسّخ لدى المرء انطباع أنه مع أزمة الفيروس التاجي هذه، لم تقتصر التوترات على العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران فقط، بل باتت الولايات المتحدة تواجه الحلف الصيني ـ الإيراني. قد تكون أزمة الفيروس التاجي في إيران مرتبطة مباشرةً بالصين، على اعتبار أنها شريكٌ اقتصاديٌّ مهم، بحيث تم الحفاظ على الرحلات اليومية بين البلدين، ما قد يكون سببا في إدخال الفيروس إلى إيران.
هل السلطات الإيرانية شفافة مع السكان المدنيين في ما يتعلق بالفيروس التاجي؟ ما هي التحديات الكامنة وراء إبقاء مدينة قم المقدسة مدينة مفتوحة برغم الأزمة الصحية؟
تأتي أزمة الفيروس التاجي في وقت توجد فيه أزمة ثقة بين السلطات والسكان. إن أزمة الثقة هذه ناتجة بشكل ملحوظ عن حوادث مختلفة جرت خلال الأشهر القليلة الماضية. في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، انطلقت احتجاجات كان سببها ارتفاع أسعار البنزين. ثم تجددت في كانون الثاني/يناير 2020، بعد تحطم الطائرة الأوكرانية التي أُسقطت عن طريق الخطأ.
هناك بين “الراديكاليين”، وفي دوائر معينة من السلطة، شعور بأنهم في وضع قريب من الحرب مع الولايات المتحدة. في مثل هذا السياق، فإن الشفافية تكون ضعيفة بالنسبة إليهم
في بداية أزمة الفيروس التاجي، اعترى جزء كبير من السكان شعور بأن السلطات الإيرانية كانت تحاول التقليل من خطورة الوباء، من خلال عدم اطلاعهم على كافة المعلومات التي يمتلكونها. لكن احذر من هكذا نوع من النقد. عندما تنظر إلى ما يحدث في الولايات المتحدة اليوم، لا يعود بإمكانك القول أن الحكومة الإيرانية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتعامل بشكل سيء مع الأزمة. في إيران، هناك بين “الراديكاليين”، وفي دوائر معينة من السلطة، شعور بأنهم في وضع قريب من الحرب مع الولايات المتحدة. في مثل هذا السياق، فإن الشفافية تكون ضعيفة بالنسبة إليهم. ولكن في الأيام القليلة الماضية، يبدو أن السلطات الإيرانية تغير الخطوط وتحاول التواصل أكثر.
بدأ الوباء في مدينة قم، ويمكن للمرء أن يتساءل لماذا لم تضع الحكومة الإيرانية حجرًا صحيًا على الفور بغية عزل المدينة عن بقية البلاد. هناك إجابتان على هذا.
أولاً، قم هي المدينة الدينية الرئيسية في إيران، ونحن نعلم أن القوة الإيرانية مقسمة هيكليًا بين حكومة “ديمقراطية” وحكومة “دينية” تنبع من سلطات المرشد علي خامنئي. لذلك كان من الصعب على الدولة الإيرانية في ظل هذه الظروف عزل مدينة قم.
ثانيًا، لا تملك الدولة ببساطة وسائل عزل المدينة، أي أنها لا تملك القدرة على تعويض القطاعات المتضررة اقتصاديًا وماليًا. لذلك لا تريد السلطات أو لا يمكنها فرض حجر صحي.
ومع ذلك، ونظرًا لخطورة الوضع (وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، إيران هي الدولة الثالثة في العالم الأكثر تأثرًا بالفيروس)، ترتفع أصوات في إيران تتوق إلى رد فعل حكومي أقوى. تم إرسال رسالة إلى رئيس الجمهورية حسن روحاني من قبل خمسة وزراء صحة سابقين والعديد من الأطباء، حيث طلب روحاني من السلطات تقييد السفر إلى إيران. يجب أن تعلم أن هذه هي حاليًا احتفالات العام الجديد في إيران (يبدأ العام الجديد في 20 آذار/مارس)، وبشكل تقليدي في هذه العطلة، يتم لم شمل العائلات ويذهب العديد من الإيرانيين في رحلات. ويمكن لهذا أن يسهّل من عملية تفشي الفيروس”.
(*) ترجمت النص من الفرنسية إلى العربية: ملاك عبدالله