“تأخر الرد الأميركي على وباء الكورونا حتى المؤتمر الصحافي الذي عُقد في 16 آذار/مارس، والذي قدّر خلاله الرئيس دونالد ترامب الوضع قائلاً إن “هذا سيء. هذا سيء”. انتقال الرئيس الأميركي إلى موقف أكثر سوداوية، بحسب التقارير، جاء بعد اطّلاعه على معطيات تتعلق بالضرر الذي سبّبه تفشي الوباء للاقتصاد الصيني خلال الربع الأول من سنة 2020. حتى لو كان هناك عدم يقين بشأن حجم العدوى في الولايات المتحدة والنهج الذي ستتبناه لمعالجة الوباء، سيكون لتداعياتهما تأثير، سواء على الساحة المحلية أم على المستوى الدولي.
للولايات المتحدة العديد من المزايا في المواجهة مع فيروس الكورونا مقارنة بجزء من الدول الأُخرى التي تنهار تحت وطأة الفيروس. أولاً، هي قوية جداً تقريباً بكل معيار – اقتصاد متطور هو الأكبر في العالم، قائدة في الاختراعات التكنولوجية، كميات هائلة من الموارد الموجودة بتصرفها، وقدرة مثبتة في التغلب على تحديات معقدة. ثانياً، السكان من الفئة العمرية الـ65، الأكثر عرضة للخطر، هم قليلو العدد في الولايات المتحدة (16%) مقارنة بإيطاليا (24%) وإسبانيا (19%).
مع ذلك، تواجه واشنطن تحديات، منها: فقدان العدد الكافي من معدات الفحص والمستلزمات الوقائية جرّاء الرد المتأخر والعقبات البيروقراطية، إعطاء مسؤوليات كبيرة لسلطات الولايات وللسلطات المحلية، بدلاً من مقاربة فيدرالية ملائمة، ورسائل مختلطة من أطراف رسمية تتعلق بـ”التباعد الاجتماعي”، هدفها إبطاء تفشي المرض. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من كون المنظومة الصحية الأميركية قادرة على تقديم بعض العلاجات الأكثر تقدماً في العالم، فإنها أيضاً معروفة بأنها المنظومة “الأكثر غلاءً والأقل نجاعة في العالم”، بينما ليس لدى عشرات الملايين من الأميركيين ضمان صحي ولا يقدرون على الحصول على خدمات طبية بتكلفة معقولة.
يُعتبر الوضع الاقتصادي أحد المؤشرات الأساسية لفرص إعادة انتخاب ترامب من جديد، من هنا التقدير بأن الوجهة الحالية السيئة ستضر بأوراق الرئيس الحالي
ترامب قلق.. إقتصادياً
الأزمة الصحية المستمرة في الولايات المتحدة تُترجم بوضع اقتصادي شديد التأرجح، ويشمل أيضاً خسائر هي الأكبر في سوق الأسهم منذ سنة 1987. الرئيس ترامب، المرشح للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 استناداً إلى حملة تعتمد على النجاح الاقتصادي، لديه حافز قوي للموازنة بين: 1- اتخاذ تدابير حذرة تقلص الأزمة الصحية، وبين 2- بذل جهد لعدم خنق النشاطات الاقتصادية إلى ما هو أبعد من ضروري. حتى الآن يبدو أن السياسة هي “ركود مبتدع” نتيجة تباطؤ النشاطات الاقتصادية لتقليص تفشي الكورونا، مع الدمج بحوافز اقتصادية مهمة تهدف إلى تخفيف وطأة الضربة.
لكن يبدو أن قلق الرئيس ترامب من الأزمة الاقتصادية يمنعه من تغيير الاستراتيجيا. في نهاية آذار/مارس، بدأ بترديد مواقف معلّقين محافظين مختلفين بأنه “يجب ألّا يكون العلاج أسوأ من المشكلة”. هذه الملاحظات وأشباهها يمكن تفسيرها كأنها تُنبىء بدعوة ستصدر، على ما يبدو، قريباً عن الإدارة الأميركية بشأن إلغاء جزء على الأقل من تعليمات التباعد الاجتماعي، للسماح لأجزاء من الاقتصاد المغلقة بأن تُفتح من جديد. حتى لو دعا ترامب إلى القيام بذلك، فإن مجموعة من حكام الولايات ورؤساء البلديات سيستمرون في فرض أوامر الإغلاق.
حدث يدمج بين أزمة صحية واقتصادية قبيل الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، من المتوقع أن يكون له تأثير في فرص ترامب في إعادة انتخابه مجدداً، مع أنه من الصعب معرفة كيفية تأثير ذلك. يُعتبر الوضع الاقتصادي أحد المؤشرات الأساسية لفرص إعادة انتخاب ترامب من جديد، من هنا التقدير بأن الوجهة الحالية السيئة ستضر بأوراق الرئيس الحالي. لكن أكثر من 55% من الأميركيين أعربوا عن تأييدهم لطريقة معالجة ترامب لوباء الكورونا – وهذه النسبة أعلى بكثير من نسبة التأييد العام الذي يحظى به، ويدل على أن الأميركيين يمكن أن يلتفوا حول رئيسهم في زمن الأزمة.
حتى لو فاز جو بايدن، في انتخابات العام 2020، من المتوقع أن تكون الولايات المتحدة غارقة في السنوات المقبلة في عملية المواجهة والتعافي من تأثيرات فيروس كورونا، بدلاً من السياسة الخارجية
من المنطقي الافتراض أن الحملات للانتخابات الرئاسية في سنة 2020، وكذلك إجراءات الاقتراع، سيجريان بصورة مختلفة قليلاً عن الماضي. المؤتمرات الانتخابية الكبيرة هي الآن خطر على صحة الجمهور، لذلك قرر الجمهوريون والديمقراطيون التخلي عن هذه العناصر التقيلدية في موسم الانتخابات. كذلك إذا لم يتم القضاء على فيروس الكورونا حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2020، فإن حدوث تصويت جسدي في يوم الانتخابات يمكن أن يكون استعادة للأخطاء التي ارتكبتها طهران، والتي أدت في نهاية الأمر إلى كارثة صحية تعانيها الآن. لكن جهود التحضير لشروط الاقتراع يمكن أن تكون معقدة، لأن كل ولاية لديها إجراءات تصويت خاصة بها: جزء منها يسمح بالتصويت بواسطة البريد والتصويت المسبق بصورة واسعة، وغيرها تسمح بذلك بمقدار ضئيل فقط، وبعضها الآخر يمنعه بتاتاً.
على الصعيد الدولي، تداعيات الأزمة يمكن أن تقوي عدة اتجاهات موجودة الآن، من بينها:
أولاً، وتّرت الولايات المتحدة أكثر علاقاتها مع حلفائها ما وراء الاطلسي. هي لم تنجح ليس في تنسيق توجهاتها مع حلفائها في أوروبا وحسب، بل وأيضاً أعلنت خطوات أثرت فيهم مباشرة، من بينها منع الرحلات من القارة الأوروبية إلى الولايات المتحدة، وذلك من دون أي اعلام مسبق أو مشاورات. في نظرة إلى الأمام، حتى لو فاز شخص لديه سياسة خارجية تقليدية، مثل (الديموقراطي) جو بايدن، في انتخابات العام 2020، من المتوقع أن تكون الولايات المتحدة غارقة في السنوات المقبلة في عملية المواجهة والتعافي من تأثيرات فيروس كورونا، بدلاً من السياسة الخارجية.
ثانياً، في ضوء الفوضى العارمة في سلاسل التوريد العالمية التي تسبب بها الفيروس، من المنطقي الافتراض أن شركات كثيرة ستبدأ بإعطاء أهمية أكبر لنقاط الضعف في التجارة الدولية، وستحاول التخفيف من تعرّضها للأذى. تراجُع العولمة والتجارة الحرة كان واضحاً في الخطاب السياسي في الانتخابات الرئاسية في سنة 2016، عندما تنصّل المرشحان للشراكة مع ما وراء الأطلسي. الآن القطاع الخاص، وهو المحرك الأساسي للعولمة، يمكن أن يحذو حذوهما قريباً.
ثالثاً، يبدو أن الصين التي أدت دوراً مزدوجاً في إشعال الفيروس وإطفائه، من المحتمل أن تخرج رابحة. منذ التفشي، صدّرت بيجين مستلزمات طبية عاجلة إلى إيطاليا وصربيا وإيران؛ هذه العمليات ترافقت مع حملة سياسية – إعلامية صينية، تشيد بأعمال الصين وتدين ترامب “كعديم المسؤولية والقدرة”. وبينما بقيت الولايات المتحدة تركز على مسائلها الداخلية، استغلت الصين الفرصة لتقديم نفسها كدولة راشدة مسؤولة عن شؤون العالم.
الفراغ الناشىء نتيجة تقلص التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، يمكن أن يملأه لاعبون لديهم أجندة معادية لمصالح إسرائيل
الانعكاسات التي ستترتب على تركيز اهتمام الولايات المتحدة على شؤونها الداخلية والركود المتوقع، يمكن أن تكون مهمة جداً بالنسبة إلى إسرائيل وذلك للأسباب الآتية:
أولاً، في مثل هذا السيناريو يجب أن نأخذ بالاعتبار حدوث تقليص كبير في مساعدات واشنطن الخارجية، ويمكن ألّا تنجو منها إسرائيل، كما جرى في التقليصات السابقة التي قامت بها إدارة ترامب.
ثانياً، لأن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل ومصدّر استثمارات مباشرة من الخارج، سيكون للركود الاقتصادي في الولايات المتحدة انعكاسات سلبية على اقتصاد إسرائيل.
ثالثاً، إذا أردنا أن نتعلم من الماضي، فإن الفراغ الناشىء نتيجة تقلص التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، يمكن أن يملأه لاعبون لديهم أجندة معادية لمصالح إسرائيل”.