إنتهت المرحلة الاولى من عودة المغتربين اللبنانيين والتي إستمرت، بحسب الآلية التي اقرتها حكومة حسان دياب من 5 نيسان/أبريل حتى 13 نيسان/أبريل، وبلغ عدد اللبنانيين العائدين 2732 شخصاً، بينهم العشرات من مزدوجي الجنسية، وبلغ عدد الطائرات التجارية حوالي 20 طائرة (أقلت 2376 شخصا)، أما الطائرات الخاصة، فقد وصل عددها إلى 53 رحلة خاصة أقلت 356 شخصاً (بينها 18 رحلة خاصة فقط يوم الإثنين في 13 نيسان/ابريل)، قدمت من قبرص، السنغال، نيجيريا، ليبيريا، السنغال، بوركينا فاسو، الكاميرون، سلطنة عمان، الامارات، السعودية، الجزائر وتركيا.
اما العائدون على متن طيران الشرق الاوسط، فقد جاءوا من البلدان الآتية:
أوروبا: 833 لبنانياً، يتوزعون كالآتي: لندن: 267 شخصاً؛ باريس 252 شخصاً؛ مدريد 113 شخصاً؛ فرانكفورت 79 شخصاً؛ روما 122 شخصا.
أفريقيا: 769 لبنانياً، يتوزعون كالآتي: نيجيريا 128 شخصاً؛ ساحل العاج 115 شخصا؛ الكونغو 127 شخصاً؛ الغابون 133 شخصاً؛ أنغولا 145 شخصاً؛ غانا 121 شخصاً.
اسطنبول: 122 شخصاً.
العالم العربي: 652 لبنانياً، يتوزعون كالآتي: السعودية 201 شخص؛ الإمارات 204 أشخاص؛ قطر 124 شخصاً؛ الكويت 123 شخصا.
ووفق أرقام وزارة الصحة العامة، تبين وجود 28 حالة إيجابية قدمت على متن الرحلات التجارية توزعت كالآتي: 13 حالة لندن؛ 7 حالات إسبانيا؛4 حالات باريس، حالتان تركيا؛ حالة واحدة قطر؛ حالة واحدة الإمارات. وتم تسجيل 5 حالات إيجابية على متن الرحلات الخاصة.
وإذا أخذنا إجمالي العائدين، يتبين أن نسبة المصابين هي 1.2 %، حوالي 45% منهم أتوا من لندن.
ومن بين العائدين، أجرى 175 شخصا فحص الـ PCR قبل قدومهم، بينهم 126 في لندن و48 في نيجيريا وواحد في الإمارات.
وإذا أخذنا الرقم الإجمالي لمن سجلوا اسماءهم في السفارات والقنصليات اللبنانية، تبين أن المرحلة الأولى قد شملت 10% من طالبي العودة.
ما هي الخلاصات التي يمكن إستنتاجها في ضوء المرحلة الأولى؟
أولاً، تعاملت الحكومة اللبنانية مع قضية المغتربين للمرة الأولى، ليس بصفتهم مجرد صندوق إنتخابي، تتذكرهم الحكومات المتعاقبة فقط في المواسم الإنتخابية، وهذا الأمر يجعل الحكومة في مصاف كل الحكومات التي تحترم نفسها وتتعامل مع اللبنانيين في الخارج سواسية كاللبنانيين في وطنهم. لا ينفي ذلك القول إن الحكومة تأخرت في تنظيم هذه العودة، وهذا الأمر سببه إنقسام الموقف الحكومي ـ السياسي من قضية إجلاء اللبنانيين، وحسناً أنها فعلت ذلك بقوة دفع سياسية لم يكن خافيا فيها دور رئيس مجلس النواب.
عدم وجود معايير صارمة أدى إلى بروز ظواهر سلبية منها طلب سفارات وقناصل من بعض اللبنانيين دفع مبالغ وصلت في إحدى السفارات في أفريقيا إلى ثلاثة آلاف دولار عن كل إسم، وذلك مقابل تقديمه على غيره في السفر إلى لبنان
ثانياً، إن مجرد ثقة اللبنانيين بأن لبنان بلد آمن صحياً، وربما أكثر من أعرق البلدان في العالم، سواء في أوروبا أو الخليج وحتى في الولايات المتحدة وكندا، بالنظر إلى عدد الإصابات والوفيات، هو دليل على مدى ثقة اللبنانيين أولاً بأنفسهم وثانيا بحكومتهم، وتحديدا بوزارة الصحة، التي تعاملت مع أزمة وباء كورونا بحرفية وجدية ومتابعة مستمرين. وهذه الشهادة التي يعتز بها كل لبناني، برغم الأوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان إقتصاديا ومالياً وإجتماعياً، لا تنفي أن جزءاً من هذه الحصانة كان مستمداً من التكافل الإجتماعي ودور الإعلام، الأمر الذي بدد الصورة النمطية عن غياب مؤسسات الدولة اللبنانية، تاريخياً، في هكذا أزمات.
ثالثاً، لم يخرج اللبنانيون وتحديداً إدارتهم السياسية (الحكومة) من الإعتبار الطائفي، وهو كان في صلب إثارة هذا الملف من قبل بعض الأحزاب والمراجع، حتى أن الأمور إتخذت طابع المزايدة الفاضحة، بدليل أنه جرى توزيع الرحلات الجوية على طريقة 6 و6 مكرر. طائرة من الخليج للمسلمين السنة وثانية من أوروبا للمسيحيين وثالثة من أفريقيا للشيعة، علما أن واقع الحال لم يكن كذلك، بل كانت معظم الرحلات مختلطة بالمعنى الطائفي والمذهبي.
رابعاً، لم تشمل المرحلة الاولى دولاً يتواجد فيها عدد لا بأس به من الطلاب اللبنانيين الذين وجهوا سلسلة مناشدات للدولة اللبنانية لإجلائهم مثل روسيا، اوكرانيا، بيلاروسيا، رومانيا (أوروبا الشرقية) وأيضا في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وكندا.
خامساً، يمكن القول في ضوء المرحلة الأولى، إن نسبة المصابين مقبولة (28 حالة)، ولو أن المطلوب انتظار فترة الحجر (14 يوما) للحكم على النتيجة النهائية، قبل أن تنطلق المرحلة الثانية في نهاية هذا الشهر.
سادساً، إن الثغرة الأبرز التي شابت المرحلة الأولى من العودة تتعلق بفقدان المعايير الموحدة التي تجعل هذا الإسم يتقدم على ما عداه، بدليل أن الآلاف من المسجلين في خانة كبار السن أو الأمراض المزمنة لم تشملهم المرحلة الأولى، وهذا عيب فاضح يفترض ألا يتم تجاوزه في المرحلة الثانية. يمكن القول إن عدم وجود معايير صارمة أدى إلى بروز ظواهر سلبية نكتفي بتعداد الآتي منها: طلب سفارات وقناصل من بعض اللبنانيين دفع مبالغ وصلت في إحدى السفارات في أفريقيا إلى ثلاثة آلاف دولار عن كل إسم، وذلك مقابل تقديمه على غيره في السفر إلى لبنان؛ طغيان الإعتبارات الشخصية على ما عداها من معايير العودة، كالعلاقة مع السفير أو القائم بالأعمال أو القنصل في بلد معين، العلاقة مع أركان الجالية، العلاقة مع وزارة الخارجية أو مراجع لبنانية، العلاقة مع بعض المؤسسات النافذة محلياً إلخ؛ كل ذلك أدى إلى جعل معظم حالات العودة في المرحلة الأولى محصورة بالمحظيين بالنفوذ أو المال أو العلاقات، وعلى طريقة “ناس بسمنة.. وناس بزيت”.
سابعاً، لا بد من نقاش الآلية نفسها، قبيل بدء المرحلة الثانية، فإذا تسنى للحكومة على مدى شهر وبأقصى طاقتها إعادة أكثر من ألفين من أصل عشرين ألفا سجلوا أسماءهم، فهذا يعني أن هذه العملية، بأرقامها الحالية، القابلة للزيادة وليس للنقصان، ستستغرق ما بين ثمانية إلى عشرة أشهر، أي حتى مطلع العام 2021، وهذا الأمر يمكن أن يجعل أوضاع بعض الجاليات اللبنانية في الخارج تزداد صعوبة، خصوصا في الدول الأفريقية.
ثامناً، يسجل لكل من وزارة الصحة ووزارة الخارجية ومؤسسة الأمن العام اللبناني والطيران المدني وأمن المطار وشركة طيران الشرق الأوسط، أنهم شكلوا فريق عمل واحد، بحيث تم توزيع الأدوار بشكل متقن. وبينما كانت المعايير مفقودة في تحديد أولويات من تشملهم عملية الإجلاء، كانت المعايير صارمة على إختيار فرق الإخلاء وتحضير الطائرات وتجهيزها والتعقيم وتسجيل الأسماء والإستمارات والتدقيق بجوازات السفر وعمليات الصعود إلى الطائرات والنزول منها والفحوصات.. وصولا إلى الحجر الصحي ومتابعة كل العائدين وفق إستمارات أرسلت إلى المحافظات والقائمقاميات والبلديات، من أجل تفادي أية ثغرة تنعكس سلبا على المراحل التالية للعودة، وهذه الآليات التي إعتمدت لا تتطابق وآليات الدول المتقدمة، بل تفوقت على بعضها، بشهادة اللبنانيين العائدين من أوروبا.
تاسعاً، يمكن الإستفادة تقنياً من بعض “التطبيقات” (applications) في المرحلة الثانية، سواء بتعبئة الإستمارات قبيل السفر إلى لبنان أو برصد العائدين في الحجر الصحي حتى لا تحصل “فاولات”، كما حصل في المرحلة الأولى (نموذج فرار بعض الأشخاص من أماكن الحجز وبعضهم من أبناء الميسورين جداً ممن رفضوا الإقامة في فنادق لا تليق بمقاماتهم).
عاشراً، يسجل لوزارة الصحة وللوزير حمد حسن شخصيا وكل فريقه من مستشارين وموظفين ومتطوعين أنهم قاموا بجهد جبار في فترة قياسية، وهذه التجربة تدل على أن لبنان يزخر بالكفاءات، لكن المهم توفر الإرادة والقرار والمتابعة.
حادي عشر، يمكن التأسيس على المرحلة الأولى، بإعادة النظر ببعض الإجراءات أو التشدد في إجراءات أخرى. مثلاً، نموذج فحص الـ PCR الذي أجراه بعض اللبنانيين في لندن تبين أنه يفتقد للمعايير وهذا ما أظهرته الفحوصات في مطار بيروت، ما يستدعي التدقيق أو تحديد المختبرات لا سيما إذا إتخذت وزارة الصحة قراراً يقضي بإلزامية فحص الـ PCR، قبل السفر إلى لبنان، من ضمن المرحلة الثانية، فضلا عن التشدد في إجراء الفحوصات في لبنان وفي الإلتزام بفترة الحجر الصحي.