يشبّه البعض ما يجري بأحداث 1968 والسنوات التي تلتها. كانت الاحتجاجات ضد تورّط الولايات المتحدة في فيتنام مستعرة. كانت لدى المحتجين مواقف معارضة للانخراط في الحرب؛ عارضهم اليمين المتطرّف. انقسم المجتمع حول قضايا قومية. اعتُبر الثوار خونة لوطنهم. اضطر بعضهم لمغادرة البلاد. الآن في الولايات المتحدة القضية داخلية بالكامل؛ اغتيال زنجي افتراءً عليه. الفيديو الذي صوّر عملية الخنق انتشر وانتشرت الاحتجاجات في الولايات المتحدة وحول العالم. فعل الخنق ناتج عن حقد عنصري. لم ينزعج ترامب من الفاعل. انزعج من مظاهرات الاحتجاج على العنصرية. استعان بالدين. ذهب الى الكنيسة ورفع الكتاب المقدّس. مشكوك في قانونية ودستورية هذا الأمر. الأكيد أن الرجل محشور. الحشرة تعانيها طبقة في بلد بلغ عدد العاطلين فيه عن العمل (الرقم المعلن) ما يقارب 50 مليون بشري. عنف عملية الخنق يقابله عنف رد فعل السلطة. اعتبرت الشرطة (البوليس) غير كافية لقمع المحتجين؛ أنزلوا الحرس الوطني، وهو ما يشبه الجيش التابع للولايات، وتحدثوا عن إنزال الجيش. علت أصوات الاحتجاج من سياسيين وجنرالات متقاعدين. المفاجئ عدد الجنرالات المتقاعدين الكبير الذين تحدثوا بصوت عالٍ. أحد الرؤساء السابقين، جيمي كارتر، اعتبر السكوت نوعاً من العنف. بالطبع أهل السلطة اتهموا اليسار المتطرّف والفوضويين بالثورة. المعلوم أن وجود هؤلاء في الولايات المتحدة ليس بالكثرة التي جعلت وزير العدل (المدعي العام الفيدرالي) يتهمهم بافتعال ثورة وأعمال تخريب. الأرجح أن أعمال الاحتجاج فورية تلقائية، وتعبّر عن عمق أزمة النظام. طفح الكيل عند الفقراء.
المعروف أن اتساع الفجوة في المداخيل بين الطبقات العاملة والمدراء قد بلغ قدراً كبيراً. كان العاملون بأجر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي يتلقون ما يفوق الأجر لدى المدراء وملاكي الأسهم بحوالي بضعة عشرات من الأضعاف. الفرق في المداخيل الآن، في نهاية عصر النيوليبرالية، هو مئات الآلاف من الأضعاف. برغم أزمة 2008 والمبالغ الهائلة التي دفعتها السلطة للشركات الكبرى، ما زالت الهوة تتسع. معنى ذلك أن وقاحة الطبقة العليا خاصة لدى 1% ممن يملكون ثروات تضاهي ما يملكه 50% من السكان، هي وحدها كافية لإشعال ثورة. جاء خنق جورج فلويد ليكون بمثابة “عود الثقاب” الذي يولع الحرش، كما غنت صباح منذ عقود.
شارك عدد كبير من البيض في حركات الاحتجاج. صرّح الرئيس الأسبق جيمي كارتر أن السكوت عما حدث هو من أعمال العنف. تتالت تصريحات عدد من الجنرالات المتقاعدين. أحدهم الجنرال المتقاعد ماتيس، وقد كان وزيرا للدفاع في بداية عهد ترامب. قال أن سياسة ترامب تقسّم المجتمع. وزير الدفاع الحالي خالف ترامب بخصوص انزال الجيش من أجل القمع. هناك انقسام لدى النخب وتمرد لدى بعض الفئات الحاكمة. العنصرية المدان بها ترامب ومؤيدوه، لا يوافق عليها قسم كبير من “الاستابلشمنت” والفئات الشعبية من البيض. انقسام حول الحريات والحق بالتظاهر وحرية التعبير عن الرأي.
حتى ولو عاد الاستقرار، فإن أعداداً كبيرة من ملايين العاطلين عن العمل سيبقون خارج العمل وخارج سوق الاستهلاك. معنى ذلك أن الطلب على منتجات رأس المال ستكون منخفضة، وستكون فترة الكساد طويلة وينتج عنها هبوط الأسعار وانكماش اقتصادي كبير
لا علاقة للبورصات وأسواق الأسهم والأوراق المالية بالاقتصاد الفعلي. يجد الكثير من أرباب المال في الوضع الحالي فرصاً للاستثمار، أي لشراء أسهم في شركات متعثرة، وهي كثيرة وبأسعار متدنية على أمل أن ترتفع بعد عودة الاستقرار الأمني والوبائي. أرباب المال لا يدعون الفرصة تفوتهم. دورة المال منفصلة تماماً عن الدورة الاقتصادية الفعلية. هؤلاء يريدون عودة الاستقرار والعودة الى الأحوال الطبيعية بعد الوباء. هم يراهنون على ذلك. يراهنون وكأن النظام العالمي لم تتقطّع أوصاله. طبعاً لا يرى هؤلاء أن الكثيرين ممن فقدوا وظائفهم لن يستطيعوا العودة الى عملهم. حتى ولو عاد الاستقرار، فإن أعداداً كبيرة من ملايين العاطلين عن العمل سيبقون خارج العمل وخارج سوق الاستهلاك. معنى ذلك أن الطلب على منتجات رأس المال ستكون منخفضة، وستكون فترة الكساد طويلة وينتج عنها هبوط الأسعار وانكماش اقتصادي كبير.
مع الوصول الى طريق مسدود لا بد من ايقاظ عنصرية كامنة (ضد السود) أو اصطناع عنصرية جديدة (المهاجرون والجدار في الولايات المتحدة). لا بدّ من إقناع الطبقات الفقيرة بأن الوافدين الجدد ينافسونهم لنيل وظائفهم. لا بدّ من الحديث بتواتر لإقناع الناس بأن الولايات المتحدة استثنائية، وبأن الشعب الأميركي خير شعوب الأرض وأذكاها وأفضلها. لا بدّ من إقناع كل أميركي يمكن إقناعه بأن الولايات المتحدة أعظم أوطان الأرض. لا بدّ من كل ذلك، ولو تطلّب الأمر قتل واحد أو أكثر من الجماعات المستهدفة، أو لو اضطر الرئيس الأميركي الى التهريج في مقر العبادة ورفع الكتاب المقدّس بما لا يتفق مع الدستور والأعراف. الطريق مسدود. يقف الرئيس مكانه، يرقص ويهرّج لدرجة أن “الاستابلشمنت” الأميركية صارت خجولة بوجوده.
لا بدّ من إلقاء اللوم فيما يخص الأزمات والمشاكل على مصدر خارجي. الصين موضوع قابل. يوقّع ترامب معها اتفاقية اليوم، ويمزقها غداً. هي تغش في البضاعة التي تصدرها، وتنتهك الاتفاقيات. وهي مصدر وباء الكورونا. مبالغات ترامب تبلغ حد الهبل أو الجنون. لا تقنع أحداً، حتى الطبقة التي يمثّلها. طبقة وصلت الى طريق مسدود وعليه أن يجد حلاً لما تعاني منه. لا يستطيع أن يفعل ذلك. قدراته العقلية أقل من المطلوب لتحمّل العبء وأخذ المسؤولية. يتهمه أحد كتّاب “النيويورك تايمز” بأنه يقود الولايات المتحدة الى حرب أهلية ثقافية.
منذ أن تمكنت النيوليبرالية في أواخر السبعينات، مع ريغان وتاتشر، وهي تبشّر بايديولوجيا تحرر الرأسمالية من كل الضوابط التي تفرضها الدولة، وتخفف الضرائب على الطبقة العليا، على أساس أن ذلك وإن أدى الى تركّز الثروات في الأعلى، لكنه سيقود الى المزيد من الاستثمارات والى تسرّب الثروات من الأعلى الى الأدنى. إلا أن ذلك لم يتحقق. إذ ازدادت الثروات تركزاً عند الأعلى طبقياً، والأجور لم ترتفع، وازدادت الطبقات الدنيا فقراً. هذا في أغنى بلدان الأرض، فكيف في البلدان الأخرى، المتقدمة والمتخلفة على السواء؟ عندما اتهم وزير العدل اليسار المتطرّف والفوضويين بإثارة القلاقل بعد اغتيال جورج فلويد، كان يعبّر عن خوف طبقي، خوف من تحالف الفقراء البيض، خاصة الشباب منهم، مع السود. هؤلاء لا يجمعهم رفض العنصرية وحسب، انما يجمعهم أيضاً المصالح الطبقية. النيوليبرالية أمام طريق مسدود، إذ كدّست ثروات لا تدري ما تفعل بها، أما الطبقات الفقيرة، بالأحرى الطبقات التي لا تملك شيئاَ، والتي يتم تسريحها بعشرات الملايين، ولا تدري أين تجد مصدراً للرزق، فهي في وضع ميؤوس منه. النظام السياسي أنقذ الشركات الكبيرة خلال الأزمة المالية لعام 2008، والآن يوزّع فتات المساعدات على المعوزين، لكنه لا يعرف كيف يساعد الشركات التي تعمل في الاقتصاد الإنتاجي والتي بدأت تغلق أبوابها أو تزمع على ذلك. سيزداد عدد العاطلين عن العمل ويزداد عدد الفقراء، وليس من ينقذهم. سياسة النظام كما يبدو هي التخلّص منهم. يعرفون ذلك، ولهذا هم يثورون أو يثيرون القلاقل. فقد النظام البوصلة، أصابه الهلع. الرئيس يريد استخدام الجيش، ليس فقط الحرس الوطني ولا البوليس فقط. رئيس منتخب ديمقراطياً (في الحقيقة)، لم يحرز في انتخابه أكثرية شعبية بل أكثرية مندوبي الولايات) يحاول ممارسة حكم عسكري. يذكرنا الأمر بهتلر وموسوليني. انتخاب ديمقراطي والتحوّل الى حكم فاشي أو نازي. عندما قال الرئيس ترامب منذ أيام “أنا رئيسكم لحفظ النظام والقانون” كان كلامه يقود بهذا الاتجاه. مشكلة البشرية أن حكام الدول الكثيرة السكان (الصين، الهند، البرازيل) هم من هذه الطينة. هم فنانون في القمع واستخدام العنف ضد الفقراء. أكثر من واحد منهم يتبجّح بأنه قاتل. مسكينة أوروبا. لا ندري ماذا تفعل وهي مضطرة لمشاركة هؤلاء جميعا في مؤتمرات العشرين والثمانية ومؤتمر دافوس. دفعت أوروبا واليابان ثمن الفاشية والنازية حربين عالميتين على أرضها وأرض العالم، ولا تريد تكرار التجربة.
لم يعد الأمر صراعاً بين دول كبرى حول المصالح والنفوذ. هو صراع بين النظام الرأسمالي وجماهير الناس. العنصرية احدى أسلحة أي نظام فاشي. أصدرت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة، والأستاذة الجامعية منذ بضعة سنوات كتاباً بعنوان “تحذير” من صعود الفاشية.
لا ننسى أن هذا الشعب انتخب زنجياً للرئاسة في عام 2008. كانت الأزمة المالية في بدايتها. الآن الأزمة اقتصادية والزنوج أكثر تأثراً بها ونسبة المسرحين من العمل أكبر بكثير من نسبتهم لعدد السكان
يدعي الفاشيون عامة أن شعبهم مصدر الحضارة والرقي والتقدم والشعوب الأخرى بربرية. تدعي النيوليبرالية أن الرأسمال الذي لديها مصدر الاستثمارات، أي مصدر معيشة الفقراء والبروليتاريا، وكل من يعمل لديهم عملاً مأجوراً دون أية ملكية لوسائل العمل. كل منهما، الرأسمالية والشعب المختار، يصنّف نفسه في مرتبة الإله كمصدر للبشرية وإعادة خلقها. لا بدّ للرأسمالية النيوليبرالية من الوصول الى العنصرية. بنية فكرية واحدة. يصير القبض على آلاف وربما ملايين المحتجين ووضعهم في السجن عملاً مألوفاً. تتهمهم السلطات بإثارة أعمال شغب. وهل تركوا خياراً لمن يفتقد الى الرغيف غير الاحتجاج وما يرافقه من أعمال شغب؟
خيار مأساوي بين فتح الاقتصاد وترك مليارات البشر لمصيرهم مع الوباء أو الحجر المنزلي. وهذا بدوره يقود الى تدهور الاقتصاد أكثر فأكثر. تتجه السلطات حول العالم أكثر فأكثر نحو فتح الاقتصاد وتخفيف الاجراءات برغم تحذيرات العلماء من إمكانية موجة ثانية من الوباء تكون أكثر شدة من الأولى. الحجة الوحيدة لفتح الاقتصاد، برغم خطر الجائحة أن تتجدد، هي وهن الفيروس. بعد أن شبهوا المواجهة بالحرب، يتكلون على وهن العدو لا على قواهم الذاتية. يبدو أن الأرواح البشرية لا تساوي شيئاً، أو تساوي القليل، بنظر السلطات الرأسمالية.
البرجوازية الكبرى معتادة على الخيارات المأساوية. عبر التاريخ يشنون الحروب لخدمة مصالحهم ويرسلون أبناء الفقراء للحرب. وكل ذلك باسم القضية والحفاظ على الأمة. عظمة الأمة أهم من أرواح البشر. تتمثل عظمة الأمة في الحرب وفي الاقتصاد. يمكن الاستغناء عن الناس وأرواحهم، لكن لا يمكن الاستغناء عن الاقتصاد إذ هو مصدر ثرواتهم.
لا يولد الإنسان عنصريا بالسليقة. تربيته وتعليمه يزرعان فيه العنصرية. كل فرد يعيش في جماعة تسيطر عليها الجماعة. يتعلم أن يتصرّف بما تمليه الجماعة. ينظر الى من حوله. يرى فيهم أولاً الجماعة التي هو فيها. إذا ارتكب فعلاً تكون الجماعة بما أملته عليه هي السبب. ربما يحمّل الناظر إليه الجماعة مسؤولية الفعل. إذا كان ما هو مشترك في الجماعة هو السواد. يعتبر كونه أسود اللون هو سبب الفعل والجريمة. إذا كان هناك من جريمة. بحكم موقعهم في أدنى السلم الاجتماعي يعتبر البيض وخاصة أهل النظام أنهم يستحقون هذا الموقع. هو الموقع اللائق بالسود بسبب قلة ذكائهم وقلة سعيهم اللذين يعودان الى جينات تنم عن بشرتهم. هم في نظر البيض، خاصة أصحاب نظرية تفوّق البيض، دونيون ويستحقون ذلك، وهم بطبيعتهم مجرمون ومهربون ومحبو عنف. ولا يفهمون أو يطيعون القانون إلا بالعنف. يصبح العنف ضدهم مبرراً.
هم بالطبع في أدنى السلم الاجتماعي. جيء بهم الى الولايات المتحدة كعبيد لا يملكون شيئاً، بل يملكهم الغير. في حين كان الآخرون يعطون الأرض والمساعدات، هم كانوا يعملون لدى الأسياد دون مقابل. في حين انطلق الآخرون من تملّك الأرض التي أعطتهم أياها الدولة، هم انطلقوا من تحت الصفر. لا أرض ولا حتى الحرية ليكونوا عمالاً بأجر يومي. خلال 500 سنة في الولايات المتحدة، وبرغم الحرب الأهلية “لتحرير العبيد” كانوا دائماً ينطلقون مما تحت الصفر، وكانوا هم الفريق الأكثر تعرضاً لعنف السلطة، إضافة الى الفقر والعوز.
يواجه النظام الرأسمالي أزمات اقتصادية ومالية ودورية ناتجة عن تناقضاته الداخلية. لكنه في الغالب يحمّل الغير مسؤولية الأزمة. وهذا ما يكون سبب الحروب عندما يحمّل النظام دولاً أجنبية أسباب الأزمة، وقد فعل ترامب ذلك بخصوص المهاجرين. الأعداء الداخليون هم الزنوج لأنهم “الآخر” المختلف. تنزلق طبقات البيض الدنيا مع هذا التبرير. “يقنعهم” زعماء البيض أن فقرهم، بما أنهم قريبون في السلم الاجتماعي من السود، سببه هؤلاء الذين ينافسونهم. يشتد العداء للسود ويشتد الشك بنواياهم، ويشتد العنف ضدهم. هذا لا يمنع أن كثيراً من البيض يتعاطفون مع السود. لكن النظام لا يتعاطف معهم. النظام بحاجة دائمة الى ايديولوجيا ضد فئات اجتماعية خارجية أو داخلية، وفي الحالة الأخيرة ضد السود على وجه الخصوص. المهاجرون العرب الذين يصلون الى أميركا حديثاً ينظرون الى الزنوج بسلبية ويصرون على تسميتهم بالعبيد السود، برغم كونهم أحراراً، ويتهمونهم بحب البطالة والتلاعب على نظام الرعاية الاجتماعية ويستفيدون مما ينالونه من مساعدة للعاطلين عن العمل، ولذلك يفترضون أن السود يفتعلون البطالة.
تفاقمت الأزمة واشتد العداء لدى النظام الرأسمالي النيوليبرالي في الولايات المتحدة ضد الزنوج. العنصرية ضدهم لم تختف في أية مرحلة. لا ننسى أن هذا الشعب انتخب زنجياً للرئاسة في عام 2008. كانت الأزمة المالية في بدايتها. الآن الأزمة اقتصادية والزنوج أكثر تأثراً بها ونسبة المسرحين من العمل أكبر بكثير من نسبتهم لعدد السكان. والعاطلون عن العمل ينظر إليهم دائماً بريب وشك وتنتظر الشرطة منهم أعمال عنف فيبادرونهم بالعنف والسجن وشتى صفوف التعذيب. أكثر من واحد بالمئة من السكان مسجونون، بعضهم لجرائم لم يرتكبوها.
بسبب الضغوط الاجتماعية ضد العنصرية، وبسبب نضال السود من أجل حقوقهم، حاول النظام خلال العقود الماضية طمس العنصرية، وربما إزالتها عن طريق إزالة التمييز العنصري بالقوة، وإعطاء الزنوج الأفضلية في الجامعات وفي نيل الوظائف، إلا أن العنصرية بقيت كامنة عند كثير من البيض. هي تعيد الظهور في الأزمات. النظام يعمل على إظهارها لدى فقراء البيض ويستخدمها ضد السود. فليقاتل بعضهم بعضاً وتبقى سوق الأسهم في أمان، وربما في ازدياد. لا علاقة للبورصة بالاقتصاد لكنها مكان التبادل الذي تستعمله الطبقات العليا (من البيض) لاقتطاع الثروات واكتنازها.
عندما يرفع ترامب شعار أميركا أولاً فإنه يعني البيض أولاً. يدغدغ مشاعر فقراء البيض. ولا يتوانى في الوقت نفسه عن اتهام الصين بانها سبب وباء الكورونا، ويتهم أوروبا بالقارة العجوز، ويصفها بالعجز المزمن، فكيف يبقى معها وهو القوي من بلد استثنائي في حلف الناتو.
لا تتعلّق العنصرية بالجينات البيولوجية. وليس مصدر الفقر هو الوراثة: السبب دائماً هو النظام الرأسمالي الذي يستخدم التحليلات الجينية لاتهام الغير. هل يا ترى أوروبا قارة عجوز لأن جينات أهلها أصابها الوهن؟ ربما اعتقد ترامب وأتباعه ذلك. ربما صحّ اعتبار العنصرية جينة ثقافية – سياسية، تخبو وتظهر حسب الاعتبارات السياسية، وهذه يحركها أرباب النظام.
العنصرية سلاح اجتماعي احتياطي تحركه الطبقة العليا عند الحاجة. تحتاجه في الأزمات.