ترافق مقال يوسف العتيبة مع مقطع فيديو له نشرته صحيفة “ذا ناشونال” الإماراتية الصادرة بالإنكليزية، أوضح فيه السفير سبب كتابته المقال فقال: “نريد الحديث مباشرة إلى الإسرائيليين، والرسالة كانت أن كل التقدم الذي شاهدتموه في الانطباعات تجاه إسرائيل وتحول الناس لأن يكونوا أكثر تقبلاً وأقل عدائية حيالها.. كل ذلك قد يتم تقويضه بقرار الضم”.
تابع العتيبة مؤكداً: “كل ما شاهدتموه من تقدم وانفتاح قابل لأن يقوّض بخطوة بسيطة، أريد أن أتأكد من أن الناس فهموا كيف نرى الفرصة والمخاطر المترتبة أيضا، هناك فرصة بالتأكيد محتملة خلال السنوات المقبلة ليتحول الانطباع تجاه إسرائيل. ولكن الضم قد يشكل انتكاسة لكل هذه الأمور، وخصوصا بالنسبة للإسرائيليين الراغبين باقامة علاقات مع الدول العربية التي لا تزال مقاطعة لإسرائيل”.
يمكن لما سبق أن يعني أن هدف الإمارات من مقالة سفيرها يقتصر على تقديم عناصر الإغواء للجمهور الإسرائيلي، بعدما استهلكت اسرائيل الرسمية كل الطعوم العربية المقدمة لها ثم تعاملت مع السنانير بأسلوب غير لائق.
أيضاً بوسع وصف العتيبة لمقالته بأنها رسالة إلى الجمهور الإسرائيلي، من فوق رؤوس حكامه، أن يثير تساؤلات حول التهميش الحاصل، في السياق نفسه، للجماهير العربية المفترض وجودها.. عندما يتوسل السفير توظيف الضغط المتاح للإسرائيليين أن يمارسوه على حكومتهم بهدف ثنيها عن ضم الأراضي الفلسطينية، فهو يستبطن مشروعية وبداهة انعدام القدرة لدى المواطن العربي على كبح جماح التطبيع الذي تمارسه بعض حكوماته مع اسرائيل دونما مبرر يسوغ ذلك.
مقالة العتيبي تنطوي على قدر مستعص على التفسير من عتب المحبين: “كنا ننظر إلى اسرائيل بوصفها فرصة”.. وتطرح مفارقة تداني السخرية كذلك إذ تحيل إلى خيبة أمل يصعب تبرير دوافعها: هل يعقل أن تقدم اسرائيل على عمل بهذه القسوة؟
المقال هو أقل مؤشرات الدفء في العلاقات الحميمة التي تربط بين الإمارات ودول خليجية من جهة، وبين إسرائيل من جهة أخرى
يقول مطلعون إن المقالة كانت تحاول شق طريقها إلى واحدة من كبريات الصحف الأميركية مثل “الواشنطن بوست” أو النيويورك تايمز”، لكن أراء خبيرة نصحت بمخاطبة الإسرائيليين عبرصحافتهم المحلية، وبلغتهم العبرية المباشرة.. يشاع أيضاً أن العتيبة بمقالته المباغتة اراد تقديم الدعم لصديقه جارد كوشنير في مواجهة عمه ترامب الذي ينافس المتطرفين الإسرائيليين في سعيهم لإنهاء الملف الفلسطيني دون أي اعتراف بأي مكان، أو مكانة، أو حتى وجود، للفلسطينيين.
ساد الظن بداية أن صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأميركي دونالدأمأ ترامب تمثل مكسباً لإسرائيل من حيث هي تمنحها السيادة على غورالأردن، وعلى الكتل الإستيطانية في الضفة الغربية، إضافة إلى 19 مستعمرة في قلب “الدولة الفلسطينية” المرتقبة التي لا تعترف بها اسرائيل حتى اللحظة، لكن تطورات الموقف دفعت البعض في اسرائيل ذاتها للتحذير من مخاطر جمة ستترتب على النتائج: ترامب لا يعيش أفضل أحواله السياسية بعد مضاعفات الكورونا واضطرابات الشارع الأميركي، وليس من المنطقي توقع الدعم منه لأي خطوة اسرائيلية تضفي توتراً على المنطقة.. الدول العربية “الصديقة لإسرائيل” تعاني صعوبات معيشية تجعل شعوبها متحفزة لمواجهة الأنظمة فيها، وتضيق عليها سبل التقارب مع العدو الذي لم يكتسب صفة “الفرصة التاريخية” بعد. الملك الأردني عبدالله الثاني سيكون على رأس لائحة المتضررين من قرار الضم لأنه سيؤدي إلى رفع وصاية الأردن على المقدسات الدينية، كما سيجعل المملكة الهاشمية عرضة لتدفق غزير للنازحين الفلسطينيين، وهو ما وضعه الصحافي الإسرائيلي يوني بن مناحيم في خانة العقاب الذي تلحقه إسرائيل بالأردن جراء إصرار ملكه على عدم الإستجابة لطلبها بتمديد فترة استئجارها لمنطقتي الباقورة والغمر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. كما ستغدو المبادرة العربية للسلام التي طرحها العاهل الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز أقرب إلى الذكرى المؤلمة. أيضاً اسرائيل نفسها بعد الكورونا تعيش أزمة اقتصادية مرشحة للتفاقم ما يجعلها بغنى عن مواجهة اضطرابات أمنية ستنجم حتماً عن قرار الضم المرتقب.
وفي هذا السياق يبدو معبراً تحذير الصحافي تل ليف رام في مقال له في صحيفة “معاريف” من أن قرار الضم سيؤدي تلقائياً إلى تأزيم الأمور في قطاع غزة، ناقلاً عن جهاز الأمن الإسرائيلي تقديره أنه لن يكون بوسع منظمة “حماس” التغاضي عن عملية ضم اسرائيل لأراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية وغور الأردن دون أن تقوم برد فعل عسكري.
في مقالة له في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يستنتج الصحافي الاسرائيلي غيورا آيلند أنه سيكون امراً جيداً إذا تمكن نتنياهو من ايجاد ذريعة لتأجيل البدء في عملية الضم المقررة بدءاً من الأول من تموز/يوليو القادم.
من جهته، الكاتب تسفي برئيل رأى في مقالة له في صحيفة “هآرتس” أن مقال العتيبي يعبر عن خط أحمر يرسمه ولي عهد أبوظبي، رجل الإمارات القوي، محمد بن زايد حيال قضية الضم. يرى برئيل أن الإمارات، والدول العربية المعتدلة خلفها، تتوق إلى ذلك اليوم الذي يترسخ فيه تحالفها مع اسرائيل لمواجهة النفوذ الإيراني والراديكالية الإسلامية، لكنها ترى أن عملية الضم لن تساعد على تقريب تلك اللحظة المرتجاة والمشتهاة.
مقالة برئيل تنفي ما زعمته تقييمات اسرائيلية عن ترحيب خليجي بقرار الضم.. لكنها تؤكد أن ذلك ليس نابعاً من التزام الأنظمة العربية المعتدلة بالقضية الفلسطينية، بل هو يعكس خشية من تصاعد موقف شعبي مناكف لتلك الأنظمة يتكئ على التردي الحاصل للظرف المعيشي.
بدوره، الكاتب في جريدة “اسرائيل اليوم” ايال زيسر يرى أن رسالة العتيبة التي يصفها بالعاطفية يمكن فهمها كجزء من عملية دعائية كبيرة موجهة للجمهور في اسرائيل بهدف اقناعه بأن ضم الأراضي الفلسطينية سيضر بعلاقات اسرائيل مع جيرانها، وبالنسيج، الذي يصفه بالهش، للعلاقات السرية بين اسرائيل وبعض الدول العربية.
يذكّر زيسر أن العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربية شهدت تقدماً لافتاً في العقد الماضي، معيداً الفضل في ذلك إلى الحزم الذي تظهره الدولة العبرية تجاه ايران، وإلى شبكة علاقاتها الوثيقة مع ادارة ترامب، ما أقنع الدول العربية بأن توثيق العلاقة مع اسرائيل سيخدم مصالحها.
يرى زيسر أن التحذير الذي يطلقه العتيبة من المس بالعلاقات القائمة بين اسرائيل ودول الخليج لا يسعه أن يلغي السقف الزجاجي الذي يحيطها به الخليجيون، مشيراً إلى صعوبة اختراق الواقع الحالي باتجاه صلات طبيعية قبل التوصل إلى سلام مع كل الأطراف، بل حتى مع ادراك ذلك السلام.
يبني الكاتب على هذا التحليل ليستنتج أن النتيجة ستكون متشابهة بالضم أو بدونه، في الحالتين ستبقى الدول الخليجية على تواصلها السري مع اسرائيل، لن تقترب منها في حال تراجعت عن قرارها، ولن تبتعد عنها إذا أقدمت عليه.
ايال زيسر يدعو اسرائيل إلى الإقدام على الخطوة موضع النقاش، لكنه ينصحها باعتماد أسلوب الحركة الصهيونية القائم على مبدأ الخطوة تلو الأخرى، ذلك أنه من الخطأ، برأيه، الإفتراض أن هذا الإجراء، أو سواه، من شأنه تغيير الواقع الراهن إيجاباً نحو اختراق سلمي، أو سلباً نحو مواجهة تصل إلى حد الحرب.