أصبح نفتالي بينيت، وهو حليف سابق لبنيامين نتنياهو، رئيساً للوزراء بعد التصويت الذي نالت فيه الحكومة الإسرائيلية الجديدة ثقة 60 نائباً في مقابل معارضة 59 نائباً.
نتائج تصويت الكنيست بدت معبّرة عن حالة الاستقطاب التي تعيشها إسرائيل، والتي من شأنها أن تجعل “حكومة التغيير” معرّضة للاهتزازات، لا سيما أنها تحمل هي نفسها بذور الشقاق، باعتبارها تحالفاً متنوعاً وهشاً يتألف من ثمانية أحزاب ذات اختلافات أيديولوجية عميقة، لم يجمعها سوى رغبة مشتركة في الإطاحة بنتنياهو.
نظرياً، أنهى تصويت الكنيست دوامة كانت حتى الآمس القريب مفرغة، واستمرت عامين من الشلل السياسي أجرت خلالهما إسرائيل أربع جولات انتخابية متعثرة. ولكن، من الناحية العملية، من المبكر جداً توقع استقرار سياسي، ليس بسبب التناقضات القائمة داخل الحكومة الجديدة فحسب، بل أيضاً لأن نتنياهو لا ينوي، الخروج من الحلبة السياسية، ما يشي بأنه قد اتخذ قراره بالتشويش على الائتلاف الجديد بكل الطرق الممكنة، مستفيداً من تحالف حزبه “الليكود” مع الأحزاب الدينية، بكل ما يحمله هذا التحالف الشيطاني مقوّمات لتصعيد الوضع، على كل الجبهات، بدءاً من اللعب على التناقضات الداخلية، وصولاً إلى تصعيد الموقف في القدس المحتلة، بنفس الطريقة التي قادت بالأمس القريب إلى إشعال الحرب الأخيرة في قطاع غزة.
نتنياهو أفصح بالفعل عن خطته السياسية للفترة المقبلة قائلاً “إذا كان مقدراً لنا أن نكون في المعارضة، فسوف نفعل ذلك بظهورنا بشكل مستقيم حتى نطيح بهذه الحكومة الخطرة ونعود لقيادة البلاد”.
لكن رياح “حكومة التغيير” قد لا تأتي بما تشتهي سفينة نتنياهو وحلفائه، فرئيس الوزراء السابق بات نهجه منتهي الصلاحية، وكل مناوراته السياسية الخطيرة، والقائمة خصوصاً على مبدأ فرّق تسد وإثارة الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، ربما تصطدم بفقدانه الحصانة التي تمسّك بها حتى النفس الأخير لمواجهة قضايا الفساد التي يحاكم بسببها، والتي قد تنقله سريعاً من مقاعد المعارضة إلى السجن.
لهذا السبب، يمكن توقع تحرّك سريع من قبل نتنياهو، لتوجيه ضربة استباقية لخصومه، قبل أن يذهب إلى مصيره الدراماتيكي المتمثل في السجن، الذي سيكرّس من دون أدنى شك الضربة القاضية لمستقبله السياسي.
في هذا السياق، لا يمكن إلا الاعتراف بأنّ نتنياهو لا يزال قوياً، فهو رئيس لأكبر حزب في البرلمان، وتقف إلى جانبه الأحزاب الدينية المتشددة، التي يمكنها تدعيم موقفه بطريقة أو بأخرى. وفي المقابل، فإنّ الائتلاف الجديد هو عبارة عن خليط من الأحزاب الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تنهار إذا قرر أي من أعضائها الانسحاب.
هذا ما يمنح نتنياهو هامش مناورة واسعاً، سواء لتقويض عمل الحكومة الجديدة، تمهيداً لإسقاطها، بما يؤدي إلى الذهاب مجدداً إلى انتخابات مبكرة، أو للتوصل إلى تسوية سياسية قد تحميه من المحاكمة.
لكنّ فرص التسوية بالنسبة إلى نتنياهو ومعارضيه تبدو صعبة، إن لم تكن مستحيلة، خصوصاً أن العامل الشخصي هنا يلعب دوراً كبيراً في تأجيج العداء بين الطرفين. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن ثلاثة من أصل ثمانية أحزاب في الحكومة الجديدة يقودها حلفاء سابقون لنتنياهو يشاركونه أيديولوجيته المتشددة لكن لديهم خلافات شخصية عميقة معه.
أول هؤلاء نفتالي بينيت، الذي شغل في السابق منصب رئيس ديوان نتنياهو، الذي خصص جزءاً كبيراً من خطابه للتصويب على المخاطر الوجودية التي تسبب بها نتنياهو على دولة إسرائيل، حيث حذر من أن “الشعب اليهودي فقد وطنه مرتين في العصور التوراتية بسبب الاقتتال الداخلي المرير”، لافتاً الإنتباه إلى ان “الاستمرار على هذا النهج يعني المزيد من الانقسام السياسي، والمزيد من الجولات الانتخابية، والمزيد من الكراهية، والمزيد من المنشورات التحريضية”، في إشارة إلى الحملة التي شنها مناصرو الليكود وحلفائهم منذ لحظة تشكيل الحكومة الجديدة، والتي شملت تهديدات مباشرة بالتصفية الجسدية لقادة اليمين الذين انضووا في ما أسموه “حكومة اليساريين”. وحض بينيت في أول جلسة لحكومته على “ضبط النفس الأيديولوجي”!
فرص التسوية بالنسبة إلى نتنياهو ومعارضيه تبدو صعبة، إن لم تكن مستحيلة، خصوصاً أن العامل الشخصي هنا يلعب دوراً كبيراً في تأجيج العداء بين الطرفين
هذه الحملة التحريضية كانت ماثلة بوضوح في خطاب نتنياهو حين توجه إلى مناصريه بالقول “سأقودكم في النضال اليومي ضد هذه الحكومة اليسارية الشريرة والخطيرة من أجل إسقاطها”، مضيفاً “إن شاء الله، سيحدث ذلك أسرع بكثير مما تعتقد”.
وفي ما يعكس رغبته في فتح معركة الانتخابات المبكرة سريعاً، قدّم نتنياهو عرضاً لإنجازاته خلال توليه منصب رئيس الوزراء، بما في ذلك اتفاقيات التطبيع مع الدول عربية وحملة التطعيم الناجحة ضد فيروس كورونا.
وفي موازاة ذلك، اتهم نتنياهو بينيت بالتخلي عن ناخبي اليمين الإسرائيلي والانضمام إلى “اليساريين” الضعفاء كثمن سياسي للوصول إلى رئاسة الوزراء، كما شكك في قدرة رئيس الوزراء الجديد على مواجهة التحديات القائمة، بما في ذلك الملف النووي الإيراني.
وقبل أن يكتمل نصاب الحكومة الجديدة، كانت الحركة الإسلامية بذراعها المسماة “القائمة العربية الموحدة” برئاسة منصور عزيز، تشهد بداية إنقسام على خلفية الموقف من الإنضمام إلى حكومة يمينية، حيث إعتبره أكثر من قيادي بمثابة “خطأ كبير”.
والملفت للانتباه في هذا الإطار أن نتنياهو تجاهل أن علاقاته مع الولايات المتحدة قد تقوّضت بخروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، وأن الرئيس الحالي جو بايدن لا يستسيغ التعامل معه، وهو ما تبدّى بشكل واضح خلال الحرب الأخيرة على غزة.
الجدير بالذكر أن بايدن بادر بسرعة ملفتة للترحيب بالحكومة الإسرائيلية الجديدة، قائلاً في بيان “أتطلع إلى العمل مع رئيس الوزراء بينيت لتعزيز جميع جوانب العلاقة الوثيقة والدائمة بين بلدينا”.
وأضاف بايدن أن إدارته ملتزمة تمامًا بالعمل مع الحكومة الجديدة “لتعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين والشعوب في جميع أنحاء المنطقة الأوسع”.
وقال مكتب بينيت إنه تحدث لاحقاً عبر الهاتف مع بايدن، وشكره على تمنياته الحارة والتزامه الطويل الأمد بأمن إسرائيل.
وقال البيت الأبيض إن بايدن وبينيت اتفقا على التشاور عن كثب بشأن جميع الأمور المتعلقة بالأمن الإقليمي، بما في ذلك إيران، مضيفاً أن الرئيس الأميركي أوضح أن الإدارة الأميركية “تعتزم العمل بشكل وثيق مع الحكومة الإسرائيلية لتعزيز السلام والأمن والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين”.
خلاصة القول إن إسرائيل كرّست بالأمس نهاية حقبة وبداية أخرى. ربما يراهن نتنياهو منذ لحظة تنصيب الحكومة الجديدة على أن مكانته السياسية ما زالت قائمة، حتى وإن خرج من مقاعد الحكم إلى مقاعد المعارضة، لكن سمعته كساحر سياسي تلاشت، وهذا التلاشي سيتواصل على إيقاع مسار محاكمته، أو ربما على إيقاع متغيّرات غير محسوبة، لا سيما ان كل المؤشرات تفيد بأنه قد يواجه تحدياً كبيراً من داخل حزبه، وهو ما ينذر بأنّ كل التعاويذ الانقسامية لـ”الساحر” قد تنقلب عليه في أي وقت.
تركيبة الحكومة الإسرائيلية
وفق “يديعوت أحرونوت”، تتألف الحكومة الإسرائيلية الـ36 من 27 وزيراً وهي ثالث أكبر حكومة حتى الآن في تاريخ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
وتضم الحكومة الإسرائيلية الجديدة 10 وزراء ينتمون إلى 3 أحزاب يمينية هي “يمينا” برئاسة نفتالي بينيت، و”أمل جديد” برئاسة جدعون ساعر، و”إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان، و14 وزيراً ينتمون إلى حزبين من الوسط هما “يوجد مستقبل” برئاسة يائير لبيد، و”أزرق أبيض” برئاسة بني غانتس، و6 وزراء ينتمون إلى حزبين من اليسار الصهيوني هما “العمل” برئاسة ميراف ميخائيلي، و”ميرتس” برئاسة نيتسان هوروفيتس.
وستكون تشكيلة الحكومة الإسرائيلية على النحو التالي:
- حزب “يمينا”: نفتالي بينيت- رئيس الحكومة لمدة سنتين؛ أييلت شاكيد- وزيرة الداخلية؛ متان كهانا- وزير الشؤون الدينية.
- حزب “أمل جديد”: جدعون ساعر – وزير العدل؛ يفعات شاشا بيتون – وزيرة التربية والتعليم؛ يوعز هندل – وزير الاتصالات؛ زئيف إلكين – وزير البناء والإسكان وشؤون القدس.
- حزب “إسرائيل بيتنا”: أفيغدور ليبرمان – وزير المال؛ عوديد فورير – وزير الزراعة والمناطق القروية وتطوير النقب؛ حمد عمار – وزير في وزارة المال.
- حزب “يوجد مستقبل”: يائير لبيد – رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية؛ ميراف كوهين- وزيرة المساواة الاجتماعية؛ يوئيل رزبوزوف – وزير السياحة؛ إليعيزر شتيرن – وزير شؤون الاستخبارات؛ كارين إلهرار – وزيرة الطاقة؛ أورنا بربيباي – وزيرة الاقتصاد؛ مئير كوهين – وزير الشؤون الاجتماعية.
- حزب “أزرق أبيض”: بني غانتس- وزير الدفاع؛ بنينا تمنو شطا – وزيرة الاستيعاب والهجرة؛ حيلي تروبر- وزير الثقافة والرياضة؛ أوريت فركش هكوهين – وزيرة العلوم.
- حزب “العمل”: ميراف ميخائيلي – وزيرة المواصلات؛ عومر بارليف – وزير الأمن الداخلي؛ نحمان شاي – وزير شؤون الشتات.
- حزب “ميرتس”: نيتسان هوروفيتس – وزير الصحة؛ تمار زندبرغ – وزيرة حماية البيئة؛ عيساوي فريج – وزير التعاون الإقليمي.