من يُشاهد بعض لبنانيّي جبران في تفاعلهم الطربي مع تلك الحِكم/النصائح والتي تقارب حد التوبيخ، يعتقد أن هؤلاء سارعوا لإنقاذ الأمة (أي وطنهم) من الويلات، وبادروا إلى حمْل المعاول ـ وهم في حال من الطرب ونشوة الاستماع – وأخذوا على عاتقهم فِلاحة الأرض، وريِّها، وتشذيب الهالك منها، وسقي العاطش من ترابها. كما أن من يُشاهدهم في هذي الحال، يفترض أن هؤلاء في عجقة مشغل ينسجون الملابس من حرير دود القز وقد يحيون شرانقه بعد رميم بات في متاحف القرن ما قبل الماضي، ويخيطون من ألوانها فساتين الأحلام.
كما يتخيّل للمتابع/المُشاهد أن بطون أكف هؤلاء قد تشقّقت من جر الخيوط وغزلها وصبغها وتخييطها زيّاً فولكلورياً يحتل المرتبة الثانية في ثقافة الشعب اللبناني بعد العَلَمْ رايتنا المرفوعة فوق الرؤوس.
لا نخال أن جبران في تحذيراته لـ”الأمة” في ما قد يصيبها من ويلات في حال أكلت مما لا تزرع، ولبست مما لا تنسج، أن “تأنيباته” حقّقت أُكُلها لأنه على يقين في دنيا الآخرة أن شيئاً من هذا القبيل لم تبلغه ثقافة بعض شرائح المجتمع اللبناني المُتشبثة بثقافة الاستهلاك والاستيراد و”التشاوف”، وانتظار المساعدات والهبات والتبرعات ولو على حساب – ولطالما كانت على حساب – الكرامة والسيادة الوطنيتين، وأيضاً في احتقار العمل اليدوي بممارسة عنصرية حادة أحياناً، لا بل أنه سيكون مُتألماً من واحدة من تحذيراته المدمرة والتي اعتنقها الشعب اللبناني وتتعلق بالأمة “التي كثرت فيها طوائفها وقلّ فيها الدين”.
نعم، لقد بتنا – وسابقاً كنا – في قلب تناقضات مَعيشِنا. نفخر بجبران، ونطرب لفيروز، ونمارس عكس ما أنذرونا به.. نلعن الظلام ولا نقيم الحد على الظَلمة وظُلمة قاطعي الكهرباء. نقطع الطريق على مصالحنا لأن مصالح “لهم” تتضارب مع مصالح “لنا”!. نرفع المِخرز لنفقأ البُهتان والتزوير فيُصِيبُنا العمى، ودليلنا إلى الجهل خرائط من دَنَسْ العصبيات القاتلة للبصيرة ورُشد العقل، ومثلها في أحكام مسبقة التنميط والتصنيف و”الفوقية”! فالزراعة “لهم”، والسياحة “لنا”، والليرة واحدة لا تُميّز في انهيارها.. إلى أن وصل عدم الاكتراث من “تنطُّح البعض” للهزء بالدعوة إلى أن نزرع ونأكل وننسج من عرق جباهنا لأنه “بالكبيس في طائفية”!
بالإذن من برغل زياد الرحباني وزجليات “لبنان الأخضر”!.