هذه محاولة من أجل إبراز نقاط التوافق والتعارض بين مرشحي الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، على مسافة حوالي الشهرين من موعد الإنتخابات:
أولاً، تشير إستطلاعات الرأي حتى الآن الى فوز جو بايدن ونائبته كومالا هارس بفارق كبير (12%) اذا اجريت الانتخابات خلال شهر، وذلك مقارنة بفارق (4%) لمصلحة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016.
ثانياً، قدم الديموقراطيون برنامج عمل مرشحيهم للرئاسة ومجلسي الشيوخ والنواب وهو مؤلف من عشرات الصفحات. في المقابل، رفض الجمهوريون التقيد ببرنامج، عكس ما كانوا يفعلونه في مؤتمراتهم السابقة، وباتوا يكتفون بما يقوله مرشحهم للرئاسة دونالد ترامب.
ثالثاً، حاول كل من الحزبين في مؤتمره توجيه نداء الى قاعدته. الجمهوريون يناشدون القاعدة التي انتخبت ترامب عام 2016 ان تعيد انتخابه، والديموقراطيون يناشدون القاعدة التي انتخبت باراك اوباما عامي 2008 و2012 ان تنتخب جو بايدن. بكلام آخر، بينما يحاول ترامب إستنهاض الناخب الابيض، يحاول بايدن استنهاض المكونات الاخرى، وبينها الاميركيون الافارقة واللاتينيون.
رابعاً، حضرت إلى جانب جو بايدن قيادة الحزب الديموقراطي كلها ومن ضمنها الرؤساء جيمي كارتر وبيل كلينتون وباراك اوباما، بالاضافة الى عدد كبير من القادة الجمهوريين مثل كولين باول الذي إعتبر ان ترامب سرق حزبهم وجعله طائفته الخاصة. في المقابل، لم يحضر من قادة الجمهوريين سوى الذين يوالون ترامب وغاب الرئيس السابق جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني والسناتور ميت رومني وغيرهم من القيادات والشيوخ والنواب الجمهوريين، الحاليين والسابقين.
خامساً، بنى المشاركون من الحزبين خطاباتهم على الخوف: الديموقراطيون شددوا على ان اعادة انتخاب ترامب تعني انتهاء قيادة اميركا الدولية وتهدد بتصاعد الخلافات مع حلفائهم وخصومهم، وبالتالي قد يقود ترامب الأمة الأميركية الى حرب كونية جديدة. أما الجمهوريون، فقد تبنوا نظريات اليمين في ان الحلفاء والخصوم يبتزون اميركا، وان نهج جو بايدن وكومالا هارس اشتراكي، لا بل شيوعي.
سادساً، بينما يعتبر الديموقراطيون ان تظاهرات “بلاك لايف ماترز” او “حياة الاسود مهمة” هي من صميم حقوق كل مواطن/مواطنة، وضرورية من اجل الامن والطمأنينة في كل الولايات المتحدة، يرى الجمهوريون ان تلك التظاهرات ارهابية وتهدد الامن وتولّد حالة من عدم الاستقرار.
سابعاً، كيفية التعامل مع وباء الكورونا او كوفيد 19. يدّعي ترامب والمتكلمون في المؤتمر انه لولا سياسته الحكيمة لقضى الوباء على مليوني اميركي، وقد توفي لغاية اليوم حوالي 185 الف مواطن. بالمقابل، يشدد الديموقراطيون على ان اصابات الوباء والوفيات في اميركا من جراء الكورونا تشكل 25% من العدد الاجمالي لضحايا ووفيات العالم باجمعه، بينما عدد سكان الولايات المتحدة هو (5%) من عدد سكان الكرة الارضية. لذلك، فإن اول عمل سيقوم به “الرئيس بايدن” هو تقديم سياسة حكيمة لمحاربة الوباء والاعتماد على الاطباء والعلماء بدلا من الاعتماد على “الحدس”، كما يفعل ترامب حالياً.
بينما يخوض ترامب الانتخابات وكأنه في المعارضة ومصمم على انقاذ البلاد من الطبقة الحاكمة وابعاد اميركا عن الاشتراكية والشيوعية، يشدد بايدن على ان ترامب فشل في ادارة سياسة البلاد، داخلياً وخارجياً، خلال اربع سنوات من حكمه
ثامناً، ليس هناك ناخبون اقترعوا قبل اربع سنوات لهيلاري كلينتون وسيقترعون في الانتخابات المقبلة لترامب. بالمقابل، كثيرون ممن إقترعوا لترامب عام 2016، سيقترعون لجو بايدن في هذه الدورة. كذلك، وبينما هناك تجمعات جمهورية تتبرع وستنتخب بايدن من اجل استعادة حزبها من شخصانية ترامب، ليست هناك ظواهر ديموقراطية انحازت الى ترامب.
تاسعاً، بينما يخوض ترامب الانتخابات وكأنه في المعارضة ومصمم على انقاذ البلاد من الطبقة الحاكمة وابعاد اميركا عن الاشتراكية والشيوعية، يشدد بايدن على ان ترامب فشل في ادارة سياسة البلاد، داخلياً وخارجياً، خلال اربع سنوات من حكمه، وسيقضي على شبكات الامان الاجتماعية التي تدعم الطبقات الاقتصادية المتوسطة والفقيرة، كما انه سيهدّم النظام العالمي القائم الذي صنعه رؤساء اميركيون، جمهوريون وديموقراطيون.
عاشراً، برغم ان ما حققه ترامب لاسرائيل كبير جداً خلال ولايته الأولى، الا ان الاكثرية الساحقة من الاميركيين اليهود تنتمي الى الحزب الديموقراطي وستقترع لبايدن ومرشحي الحزب الديموقراطي من شيوخ ونواب. كذلك، تقلق سياسة ترامب “العنصرية” اليهود، خاصة وان عدداً منهم قتلوا في معابدهم على يد “النازيين” الأميركيين في السنوات الاربع الماضية. بالرغم من ذلك، ستبقى سياسة ترامب الى يمين حزب “الليكود” الاسرائيلي لانها تهدف الى ارضاء الانجيليين الأميركيين الذين يعتقدون ان تجميع اليهود في اسرائيل يسرّع في قيامة المسيح.
حادي عشر، “حماية” ترامب لدول الخليج تقتصر على بيعها السلاح الاميركي، وليس على حماية ايّ منها في حال وقوع اعتداء (خارجي) عليها. كذلك، يرتاح ترامب الى “دكتاتورية” الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ولن يعاقبه بسبب صداقته لإيران وروسيا. بالنسبة الى ايران، سينتظر ترامب قبولها بالتفاوض وبالشروط التي وضعها وبالتنسيق مع اسرائيل ودول الخليج.
سيعمل بايدن مع الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب كما لم يفعل الرؤساء الذين سبقوه، وتحديداً دونالد ترامب وباراك اوباما. لن يكون ذلك سهلاً، فالخلاف بين الأميركيين وصل الى القعر خلال ولاية ترامب
ثاني عشر، سيعود جو بايدن الى حل الدولتين في فلسطين التاريخية التي اقترحها جورج بوش الابن عام 2002، ومن ثم سيكون هناك خلاف في وجهات النظر مع حكومة بنيامين نتنياهو، لكنها لن تؤدي الى خلاف كبير كما حصل خلال ولايتي الرئيس اوباما. تأييد اكثرية ناخبي الطائفة اليهودية للديموقراطيين تبقي واشنطن الحليف الاقوى لتل ابيب من دون منافس.
ثالث عشر، ربما سيعود بايدن الى سياسة الحماية الفعلية لدول الخليج التي اتبعها كل الرؤساء الاميركيين لغاية نهاية ولاية جورج بوش الابن في الشهر الاول من العام 2009. وبالنسبة الى تركيا، لا يستسيغ الديموقراطيون الرئيس التركي ولا صداقته لروسيا وايران، وربما، قرروا بالتنسيق مع الاوروبيين، رسم سياسة جديدة في التعامل معه.
رابع عشر، لن يعود بايدن الى اتفاق 2015 النووي مع إيران فوراً بعد انتخابه رئيساً. لكن ربما اوقف زيادة العقوبات، اذا بدأت المفاوضات بين ايران ودول (5+1). لكن المفاوض الاميركي سيتأثر بالمواقف الاسرائيلية والخليجية، وذلك تبايناً مع موقف إدارة الرئيس اوباما. يُرجح ان تبحث المفاوضات ايضا مسألة الصواريخ البالستية التي تصنعها ايران وتصدرها، بالاضافة الى المدة الزمنية للاتفاق.
خامس عشر، في السياسة الخارجية، سيعود بايدن الى احياء التعاون بين الدول من خلال المنظمات الدولية التي يفتخر ان صانعيها هم اسلافه. كما انه سيعيد الانتماء الى المنظمات والمعاهدات الدولية والإقليمية التي انسحب منها ترامب. وبالنسبة للشرق الاوسط، مع ان كثيرين يعتقدون ان بايدن سيعود باميركا الى سياسة اوباما، الا ان التنسيق المستجد بين اسرائيل ودول الخليج سيحمله الى تشاور مكثف مع دول هذا المحور.
باختصار، سيحاول بايدن، إن انتخب رئيسا ان يجمع الاميركيين للوصول الى حلول للمشاكل الداخلية التي تواجهها اميركا. سيعمل مع الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب كما لم يفعل الرؤساء الذين سبقوه، وتحديداً دونالد ترامب وباراك اوباما. لن يكون ذلك سهلاً، فالخلاف بين الأميركيين وصل الى القعر خلال ولاية ترامب. كما سيحاول رسم سياسة خارجية، تحظى بدعم من الحزبين في الكونغرس وجوهرها صداقة الحلفاء ومحاورة الخصوم.