“قتلت القنابل السعودية مدنيين في اليمن، ودخل نشطاء سعوديون إلى السجن، وقام عملاء سعوديون بتقطيع أوصال الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي في اسطنبول. لم يهز أي من ذلك التزام دونالد ترامب تجاه المملكة كشريك موثوق به ضد إيران ومشترٍ مهم للأسلحة الأميركية.
الآن تستعد السعودية للتعامل مع رئيس أميركي جديد تعهد بإنهاء الدعم لحرب اليمن، ومعاقبة انتهاكات حقوق الإنسان، ومعاملة المملكة العربية السعودية مثل “المنبوذة”.
قال الرئيس المنتخب جو بايدن لمجلس العلاقات الخارجية العام الماضي عندما سئل عن السعودية: “لقد حان الوقت لاستعادة الشعور بالتوازن والإخلاص لقيمنا في علاقاتنا في الشرق الأوسط”، مضيفاً “سنوضح أن أميركا لن تتخلى مرة أخرى عن مبادئها لمجرد شراء النفط أو بيع الأسلحة”.
الاختلاف في النبرة صارخ، وقد يضطر الأمير محمد بن سلمان إلى قبول حقيقة أنه ما لم يغير نهجه، فمن غير المرجح أن يكون موضع ترحيب في البيت الأبيض كما كان الحال في عهد السيد ترامب.
لا يتوقع الخبراء الأميركيون انفصالا عن السعودية، لكن الضغط الذي يمكن أن تمارسه إدارة بايدن قد يدفع الرياض إلى تهدئة سلوكها المتهور.
تقول تمارا كوفمان ويتس، وهي زميلة بارزة في مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد “بروكينغز”، إن “هناك الكثير من الأسباب لاستمرار هذه العلاقة – نظراً لكونها تمثل قيمة كبيرة لكلا الجانبين – لكنها ببساطة لا يمكن أن تستمر بالطريقة التي كانت عليها خلال السنوات الأربع الماضية”، مضيفة “لقد كانت هناك سلسلة من انتهاكات القواعد بين الحكومات الصديقة، وهو انتهاك للمعايير”.
يقلل المسؤولون السعوديون من أهمية العلاقات الاستثنائية بين السيد ترامب والمملكة، ويذكّرون، بدلاً من ذلك، بما يقرب من ثمانية عقود من التعاون بين الدولتين.
في مداخلة عبر الفيديو أمام المجلس الوطني للعلاقات الأميركية -العربية، قالت الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، السفيرة السعودية لدى واشنطن، إن “علاقتنا أعمق بكثير من مجرد زعيم سعودي واحد أو رئيس أميركي واحد”.
وأوضحت أن القوة الإقليمية للمملكة العربية السعودية وبروزها العالمي المتزايد يجعلانها شريكاً مهماً لأميركا، وتابعت: بينما تتعزز إصلاحاتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سنكون في وضع أفضل باعتبارنا الحليف الأكثر موثوقية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
أصبح الأمير محمد ولياً للعهد في العام 2017 وأقام علاقة وثيقة مع صهر السيد ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، وغالباً ما كان يلتقي به على انفراد في المملكة العربية السعودية ويتبادلان الرسائل عبر “واتساب”
يمكن أن يجد السيد بايدن نفسه في حاجة إلى المملكة العربية السعودية للمساعدة في بناء دعم إقليمي لاستراتيجية إيران الجديدة، أو لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط، أو للمساعدة في استئناف محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. قد يوفر عرض سعودي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل قوة ضغط للحصول على تنازلات لصالح الفلسطينيين ورفع مكانة المملكة في واشنطن، بالرغم من أن المسؤولين السعوديين والإسرائيليين قالوا إن مثل هذه الخطوة ليست وشيكة.
تابعت إدارة ترامب عن كثب صعود الأمير محمد (35 عاماً)، الذي اعتلى والده الملك سلمان العرش السعودي في عام 2015، ومنح ابنه الإشراف على أهم الحقائب الوزارية الحكومية، بما في ذلك السياسات الدفاعية والنفطية والاقتصادية.
أصبح الأمير محمد ولياً للعهد في العام 2017 وأقام علاقة وثيقة مع صهر السيد ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، وغالباً ما كان يلتقي به على انفراد في المملكة العربية السعودية ويتبادلان الرسائل عبر “واتساب”.
لقد أشرف الأمير محمد على فترة مضطربة، حيث دفع باتجاه تغييرات اجتماعية واقتصادية واسعة في الداخل، بينما أغرق القوات السعودية في الحرب الأهلية في اليمن، وانضم إلى الحصار المفروض على قطر، وأجبر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، واحتجزه بجانب رجال أعمال ورجال الدين وناشطين.
تعرضت مكانته الدولية للضرب عندما قتل عملاء سعوديون جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول في العام 2018، وفي العام الماضي، اتهمت وزارة العدل الأميركية رجلين سعوديين بالتجسس لصالح الحكومة السعودية.
برغم ما سبق، امتنع السيد ترامب عن انتقاد المملكة العربية السعودية، وواصل دعمها بطرق أثارت قلق المسؤولين في الفروع الحكومية الأخرى. كما أشاد بحصار قطر التي تستضيف قاعدة جوية أميركية كبيرة، واستخدم حق النقض ضد قرار من الحزبين كان من شأنه إنهاء الدعم الأميركي لحرب اليمن. كما اعتبر أنه لا يهم ما إذا كان الأمير محمد قد أمر بقتل خاشقجي لأن السعوديين يعارضون إيران واشتروا الكثير من الأسلحة الأميركية.
يقول روب مالي، رئيس مجموعة الأزمات الدولية، إن بايدن يبدو واضحاً جداً بشأن اليمن وإيران وحقوق الإنسان. هذه هي المجالات الثلاثة التي من المحتمل أن نرى فيها تحولاً في السياسة الأميركية
يرى محللون إن دعم السيد ترامب مكّن تحركات الأمير محمد الأكثر خطورة، وأن اللهجة الجديدة من البيت الأبيض قد يكون لها تأثير معاكس.
يعرب روب مالي، رئيس مجموعة الأزمات الدولية، عن اعتقاده بأن “الدعم الذي تلقاه محمد بن سلمان من واشنطن شجعه وأزال الكثير من الحواجز التي كان ينبغي أن تكون قائمة”، مضيفاً “يبدو بايدن واضحاً جداً بشأن اليمن وإيران وحقوق الإنسان. هذه هي المجالات الثلاثة التي من المحتمل أن ترى فيها تحولاً” في السياسة الأميركية.
يرفض المسؤولون في الفريق الانتقالي لبايدن التعليق على الأمر، ولا يرغبون في الظهور وكأنهم يديرون السياسة الخارجية في الوقت الذي لا يزال رئيس آخر في السلطة.
في اليمن، ساعدت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية وحلفاءها في إعادة تزويد الطائرات بالوقود جواً، والمعلومات الاستخباراتية ومبيعات أسلحة بمليارات الدولارات. ووصف مسؤولو الأمم المتحدة الحرب بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وقد تسببت الغارات الجوية السعودية في مقتل أعداد كبيرة من المدنيين وتدمير البنية التحتية الرئيسية.
ويلقي السعوديون باللوم على المتمردين الحوثيين في اليمن، المدعومين من إيران، في التسبب في الأزمة وعرقلة الجهود لإنهاء الحرب.
وقالت الأميرة ريما: “سنواصل دعم الحل السياسي في اليمن، لكننا سندافع دائماً عن أمننا القومي”.
شاركت المملكة العربية السعودية السيد ترامب في عدائه العميق تجاه إيران ودعمت انسحابه من الاتفاق النووي الدولي الذي توسط فيه الرئيس باراك أوباما.
يقول بايدن إنه سيعيد الانضمام إلى الاتفاقية طالما عادت إيران أيضاً إلى الامتثال لالتزاماتها، على الرغم من أن الحقائق السياسية الإيرانية والأميركية قد تجعل من المستحيل استعادة الصفقة الأصلية.
الأميرة ريما دعت إلى ممارسة ضغوط دولية لحمل إيران على العودة إلى المفاوضات، لكنها قالت إن الهدف يجب أن يكون صفقة أكثر شمولاً تمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية وتوقف دعمها للجماعات المسلحة وتنهي “سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة والعالم”.
وفي حين اختار السيد ترامب عدم معاقبة الشركاء الأميركيين على انتهاكات حقوق الإنسان، قال السيد بايدن إن المملكة العربية السعودية لن يكون لديها “شيك على بياض”، وأن الولايات المتحدة “ستشدد على التصرفات السعودية المسؤولة وتفرض عواقب على المتهورة منها”.
هذا الموقف أثار الآمال في أوساط الناشطين ورجال الدين ورجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة الذين اعتقلوا خلال صعود الأمير محمد في أن السيد بايدن قد يضغط على المملكة من أجل إطلاق سراحهم.
في هذا الإطار، قالت علياء الهذلول، التي تُحاكم شقيقتها لجين الهذلول في السعودية “آمل أن يدرك المسؤولون السعوديون أنهم في حاجة إلى استعادة صورتهم والقيام بأشياء دون انتظار أن يضغط عليهم أحد”.
لكن علي الشهابي، الكاتب والمحلل السعودي، يرى إن ضغوط الولايات المتحدة بشأن القضايا داخل المملكة من المرجح أن تصطدم بجدار مع الأمير محمد، موضحاً “في المملكة العربية السعودية، يجب أن يُنظر إليه على أنه قوي ولا يخضع للضغوط الغربية، وإلا فإن ذلك سيضعفه على جبهات أخرى”، وخلص إلى أنه من الواضح أن السعودية ترغب في إصلاح العلاقات، لكنها تدرك أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت”. (نقلاً عن نيويورك تايمز)