ارتفعت تكلفة العملة المشفرة الأكثر شيوعاً، وهي عملة “البيتكوين”، بنسبة 20 في المئة منذ بداية عام 2021، لتقترب من 35 ألف دولار. هذا هو الحد الأقصى التاريخي الجديد. تبلغ القيمة السوقية للعملة المشفرة الآن 640 مليار دولار. ووفقاً لهذا المؤشر، تكاد “بيتكوين” تلحق بـمجموعة “تيسلا” التي يمتلكها ايلون ماسك، والتي يبلغ رأسمالها 670 مليار دولار.
بعد انهيار “بيتكوين” في آذار/مارس 2020، إلى جانب الأصول الأخرى، ارتفعت أسعار هذه العملة المشفرة أكثر من ثماني مرات. ومنذ أدنى مستويات لها في أيلول/سبتمبر 2020، زادت قيمة “البيتكوين” أكثر من ثلاثة أضعاف.
ما الذي يساعد هذه العملة الجديدة في الوصول إلى هذه الارتفاعات؟ يرجع ذلك إلى انخفاض الدولار خلال الأسبوع الحالي إلى أدنى مستوياته منذ سنوات في مقابل العديد من العملات، بما في ذلك اليورو .
علاوة على ذلك، يتوقع العديد من المحللين أن يضعف الدولار أكثر في العام 2021، لأنهم واثقون من أن الولايات المتحدة ستواصل ضخ المزيد من الدولارات في الاقتصاد العالمي، في شكل تدابير إضافية لتوفير الدعم الاقتصادي للأميركيين والأعمال التجارية بسبب الجائحة الوبائية.
يعتمد مقدار انخفاض الدولار على مدى فعالية الولايات المتحدة في محاربة فيروس كورونا من خلال اللقاح، فأي تأخير في التلقيح الجماعي سيؤدي إلى جولات جديدة من انخفاض قيمة الدولار عالمياً.
يقوم الاحتياطي الفدرالي الأميركي أيضاً بإضعاف الدولار، إذ من المتوقع أن يبقي أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة جداً.
يقول مارك يوسكو، رئيس شركة الاستثمار “مورغان كريك كابيتال مانجمنت”، في مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي” إن كل ذلك يجبر المستثمرين على تأمين المخاطر التضخمية عن طريق شراء “البيتكوين” والذهب.
وعلى هذا الأساس يتوقع بعض المحللين ارتفاعات لا تصدق لـ”بيتكوين”، إذ يمكن أن يكرر سعر العملة المشفرة سيناريو ارتفاع الذهب في سبعينيات القرن الماضي.
أصبح الذهب و”البيتكوين” أصولًا في “الملاذ الآمن”. في العام 2020، اثير جدل حول ما إذا كان بإمكان العملة المشفرة أن تصبح “الذهب الجديد” القادر على تأمين محفظة المستثمرين ضد التضخم.
تاريخياً، كان الذهب التقليدي، ولا يزال، أصلاً ادخارياً في أوقات الأزمات، حيث يفضل المستثمرون الانتظار في الأوقات المضطربة وتخزينه. لم يتغير الأمر خلال العام المنصرم، فالمستثمرون لا يزالون يبحثون عن الخلاص فيه، ولهذا أظهر الذهب أفضل أداء له منذ عام 2010.
ومع ذلك، عندما حدث أول اختراق في تطوير اللقاح ضد فيروس “كورونا”، انخفض الذهب والفضة على الفور، ولكن المفارقة أن قيمة “بيتكوين” استمرت في الارتفاع.
على أي حال، بحلول نهاية العام المنصرم، تمكن الذهب، بفضل الانخفاض المستمر للدولار، من النمو وإظهار ديناميكيات ممتازة بشكل عام، ولكن الاتجاه الجديد للعام 2020 تمثل في الزيادة الضاربة في شعبية “بيتكوين”، ليس فقط بين عشاق التكنولوجيا والمضاربين، ولكن أيضاً بين الجمهور الأوسع، وفقًا لتقرير شركة “بروفايننانس”.
عندما حدث أول اختراق في تطوير اللقاح ضد فيروس “كورونا”، انخفض الذهب والفضة على الفور، ولكن المفارقة أن قيمة “بيتكوين” استمرت في الارتفاع
يقول أرتيم توزوف، المدير التنفيذي لإدارة سوق رأس المال في شركة “أي سي يونفر كابيتال” إن المستثمرين من القطاع الخاص والمستثمرين المؤسسيين – المصارف والصناديق الاستثمارية ورؤساء أكبر الشركات – يدخلون بنشاط في سوق العملات المشفرة.
على هذا الأساس، بدأت العملة المشفرة في استبدال الذهب كأداة تحوط للعديد من المخاطر، مثل انخفاض الدولار والتضخم، ومع ذلك، يعتقد محللو “غولدمان ساكس” أن “البيتكوين” والذهب ما زالا أصولًا غير قابلة للاستبدال، ولذلك لن تحرم “البيتكوين” الذهب من مكانته باعتباره المنقذ الرئيسي من التضخم في أوقات الأزمات.
لا تزال لدى “بيتكوين” عيوب كبيرة يخشاها المستثمرون المؤسسيون والأثرياء على حد سواء. أول تلك العيوب هي العتامة، إذ أن التعاملات في العملة المشفرة تفتقد إلى الشفافية وهو ما يجعلها موضع شكوك في ما يتعلق بالتنبؤات المستقبلية. ثاني تلك العيوب، أن “بيتكوين” يعد من الأصول التي تجري المضاربة عليها بشكل مفرط، ما يجعلها محفوفة بالمخاطر للغاية، فقد يتبع الارتفاع القياسي حوادث دراماتيكية، وهو ما حدث بالفعل عام 2017، حين ارتفع سعر “البيتكوين” بين أيلول/سبتمبر وكانون الأول/ديسمبر ست مرات، من 3.8 آلاف إلى 20 ألف دولار. ومع ذلك، بحلول شباط/فبراير عام 2018، انخفض السعر إلى ستة آلاف دولار، وبعد ذلك كان تحت ضغط من البائعين لفترة طويلة.
قد يتضح أن تكلفة “البيتكوين” في غضون عام هي نفسها الآن. غالباً ما يتبع الموجة الصعودية هبوط ممتد. من المحتمل أن يؤدي الوصول إلى أعلى المستويات على الإطلاق والتوقف عند هذا الحد إلى موجة ضخمة من جني الأرباح من قبل المستثمرين على المدى الطويل.
يشرح ألكسندر كوبتسيكيفيتش توزوف، كبير المحللين في شركة “أف اكس برو” أن المستثمرين في “البيتكوين” يكونون مصدر إلهام بسهولة، “ولكن سرعان ما يصابون بخيبة أمل”، موضحاً “إذا قمنا بتقييم خيارات نمو أو انخفاض عملة “البيتكوين”، يمكننا القول إن الفرص تتراوح بين 50 و 50 في المئة”.
يتوقع البعض أن ترتفع قيمة “بيتكوين” من 35 إلى 400 ألف دولار، ولكن تبقى المشكلة في أن الانخفاض التالي قد يكون كارثياً، إذا ما انهار السعر إلى ستة آلاف دولار، كما يتوقع البعض، وهو ما يمثل ميزة تنافسية للذهب، الذي لن يشهد بالتأكيد مثل هذه التقلبات، فالتوقعات الخاصة بالمعدن الاصفر هي كالتالي: 1890 دولاراً للأونصة في الربع الأول من العام الحالي، 1950 دولاراً في الربعين الثاني والثالث، 1900 دولار بحلول نهاية العام، و1700 إلى 1850 دولاراً في العامين 2022 و2023.
الجدير بالذكر أن “بيتكوين” تحولت إلى نظام دفع عالمي، ويمكن مقارنتها بالعملات الأخرى مثل الدولار أو اليورو، لكن مع عدة فوارق أساسية، من أبرزها أن هذه العملة هي عملة إلكترونية بشكل كامل، أي أنها تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها.
وتعتبر “بيتكوين” نظاماً يعمل دون مستودع مركزي أو مدير واحد، أي أنها تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها. وتتم المعاملات بشبكة الند للند بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام التشفير. يتم التحقق من هذه المعاملات عن طريق عُقد الشبكة وتسجيلها في دفتر حسابات موزع يسمى سلسلة الكتل.
اخترع “البيتكوين” شخص غير معروف (وربما مجموعة من الناس) عرف باسم ساتوشي ناكاموتو.
يتم إنشاء “البيتكوين” كمكافأة لعملية تعرف باسم التعدين. ويمكن استبدالها بعملات ومنتجات وخدمات أخرى. واعتبارا من شباط/فبراير عام 2015، اعتمد أكثر من 100,000 تاجر وبائع “البيتكوين” عملة للدفع.