زيارة لافروف العراقية.. لبنان يستفيد من تفاهمات الإقليم

اعتاد اللبنانيون التعلق بحبال الهواء وطرق أبواب الأمل المجهولة، لعلها تُفضي إلى حلول لأزماتهم التي تدنو إلى قعر لا قعر له. هكذا عوّدتهم الطبقة السياسية على مر العقود، بهروبها من تحمل مسؤولياتها ورهن الاستحقاقات الوطنية بالمشيئة الخارجية.

ما من تحرك سياسي خارجي، حتى لو على سطح المريخ، إلا وتتجه أنظار اللبنانيين إليه، وتبدأ عملية استحضار السرديات لانعكاسات إيجابية أو سلبية على الواقع اللبناني، ما يُقدم الدليل تلو الدليل على فقدان الإرادة لمن يقبضون على مواقع السلطة والقرار داخلياً، بعدما أثبتوا أنهم غير قادرين على إدارة شؤون الدولة والوطن بمعزل عن الرعاية الخارجية المتعددة الجنسيات.

باريس تستضيف يوم الإثنين المقبل إجتماعاً على مستوى المستشارين ومدراء الخارجية في خمس دول هي، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، وهذا الاجتماع تسيّد الاهتمام السياسي والاعلامي في لبنان، وكثر الحديث عنه باعتباره سيُحدد بوصلة الخروج من الأزمة الرئاسية المستعصية، علماً أنه، وبحسب الدبلوماسية الفرنسية، لن يخرج في مضمونه ونتائجه عن البيان الثلاثي الذي أصدره وزراء خارجية الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والسعودية إثر اجتماعهم في نيويورك في أيلول/سبتمبر الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتكمن أهمية الإجتماع أنه يُعطي هذه المساحة للبنان برغم الإنشغال العالمي بالحرب الدائرة بين حلف الناتو وروسيا على الأرض الاوكرانية.

المفارقة لبنانياً، أن قيادات هذا البلد ينطبق عليها قول المفكر المصري عبد الوهاب المسيري إنه “ثمة هزيمة داخلية في الفكر العربي تجعل من الغرب المرجعية الوحيدة ومصدر المعرفة الأوحد”، لذلك نجد أهل الطبقة السياسية عينهم على الغرب ويتحسسون من كل ما يُمكن أن يأتي من الشرق، حتى الشمس.. صاروا يكرهونها لأنها تأتي من الشرق، وهذا ما يُحيّر أصدقاء لبنان وعلى رأسهم روسيا والصين، إذ لا تخفي هذه العواصم امتعاضها من التعاطي الرسمي اللبناني، حتى وصل الأمر بدبلوماسي روسي بارز في بيروت حد القول “في لبنان نعرف من هم خصومنا ولا مشكلة معهم، انما مشكلتنا مع الأصدقاء الذين ينحازون كلياً إلى الخيار الأميركي عند الاستحقاقات الكبرى، أياً كان وزنها وأهميتها”.

وقبيل إجتماع باريس الخماسي بساعات قليلة، تحط طائرة رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف في بغداد، وعلى جدول أعماله سلسلة لقاءات تشمل رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الى رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض (زار بيروت مؤخراً بعيداً عن الأضواء)، في ظل رغبة عراقية بالحصول على أسلحة وذخائر روسية للجيش العراقي، لا سيما وأن البلدين خاضا تجربة ناجحة في هذا المضمار خلال حقبة محاربة “داعش”، وعدا عن تفعيل التعاون العسكري، وإعادة تكرار تجربة التعاون الأمني الخماسي الذي قام في عهد حكومة حيدر العبادي وضم روسيا وإيران وتركيا وسوريا والعراق، مع إبداء رغبة عراقية بالانضمام الى الاجتماع الرباعي الذي سيعقد في موسكو للتقريب بين سوريا وتركيا، وتفعيل التعاون في اطار “اوبيك بلاس” والاستثمار في مجالات مصافي النفط ومحطات توليد الطاقة والتعاون الزراعي والغذائي، مع حرص عراقي على توسيع العلاقات مع روسيا من دون اقلاق إيران إنما في إطار توسيع دائرة التعاون والتكامل في قطاعات حيوية متنوعة، على أن تكون هذه الزيارة تأسيسية تُتوّج بتوجيه دعوة لرئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني لزيارة موسكو لإبرام اتفاقيات مهمة جداً لكلا البلدين.

القيادة العراقية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع القيادتين السعودية والايرانية، تُريد الاستفادة أيضاً من العلاقة الممتازة بين روسيا والسعودية وروسيا وايران، وبالتالي أن تلعب موسكو دوراً في تسريع التقارب بين الرياض وطهران، كون أي تفاهم سعودي – إيراني سيكون لبنان في طليعة الدول المستفيدة منه

ومن المتوقع أن تتطرق المحادثات العراقية الروسية إلى قضية التحويلات المالية في ضوء ما يشهده السوق المالي من تضييق أميركي لكل التحويلات بـ”الكاش”، فضلاً عن وضع الحكومة العراقية يدها على تهريب أموال من العراق إلى الخارج بعناوين ومسميات مختلفة يذهب بعضها إلى أفراد يحاولون إخراج أموالهم من العراق، كما يذهب البعض الآخر إلى دول مثل روسيا وإيران لكن من خلال عناوين عراقية.

ولكن ما علاقة لبنان بزيارة لافروف الى بغداد؟

الجواب نستقيه من دبلوماسي روسي كان من ضمن فريق عمل انكب على تحضير جدول أعمال زيارة وزير الخارجية الروسي بكل تفاصيله، وهو يشير إلى أن العراق بشخص رئيس حكومته يلعب دوراً محوريا في التقارب بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما أن القيادة العراقية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع القيادتين السعودية والإيرانية، تُريد الاستفادة أيضاً من العلاقة الممتازة بين روسيا والسعودية وروسيا وإيران، وبالتالي أن تلعب موسكو دوراً في تسريع التقارب بين الرياض وطهران، كون أي تفاهم سعودي – إيراني سيرتد إيجاباً على العديد من ملفات المنطقة، ولا سيما ملف حرب اليمن، وحتماً سيكون لبنان في طليعة الدول المستفيدة من التقارب السعودي الإيراني.

إقرأ على موقع 180  رفيق وسام.. أحسبها مزحة منك  

هذه المقاربة الدبلوماسية، ليست مجرد تمنيات، بدليل أن الدبلوماسية الروسية وبرغم إنشغالها الكبير في حرب أوكرانيا، وجّهت إلى سفيرها في بيروت ألكسندر روداكوف بأن يباشر بإجراء مروحة واسعة من اللقاءات والمشاورات مع معظم القيادات اللبنانية، إنطلاقاً من ثابتة عدم انزلاق لبنان إلى الفوضى والاستعداد للمساعدة في تأمين التوافق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وهو باشر جولته على المسؤولين، على قاعدة تحييد لبنان عن الاشتباكات الدولية والإقليمية من خلال تسهيل إنجاز استحقاقاته وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وإذا كان إجتماع باريس الإثنين سيبحث الملف اللبناني بسقف صار معروفاً، فإن تزامن بدء محادثات لافروف في بغداد الإثنين (يصلها مساء الأحد)، لا يتعارض بالضرورة مع الجهد الدولي الدافع لمعالجة الأزمة اللبنانية، ففي باريس، تحضر ملائكة إيران عبر قطر، وفي بغداد، تحضر ملائكة السعودية عبر روسيا، وفي لبنان يستمر البحث عن جنس الملائكة الرئاسية في انتظار ترياق خارجي لن يأتي على الأرجح.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  رفيق وسام.. أحسبها مزحة منك