يقول رونين بيرغمان انه بعد حرب الايام الستة في العام 1967، وجد الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة انفسهم محكومين من قبل العدو الذي احتل ارضهم. وجدوا أنفسهم أيضا بين حجري رحى: إحتلال يريد إثبات سلطته في الاراضي التي احتلها من جهة وتصميم منظمة التحرير الفلسطينية على تحرير الارض من جهة اخرى.. في الوقت نفسه، تغيّرت مهمة الجيش “الاسرائيلي” جذرياً. في السابق، كانت مهمات الوحدات القتالية هي تسيير دوريات على الحدود لحمايتها من العدو الخارجي، اما الان فقد اصبحت مهمتها فرض سلطة النظام في المدن والقرى الفلسطينية المحتلة.
ادت حرب الأيام الستة الى تغيير مهمات اجهزة الاستخبارات. تخلى جهاز “الموساد” عن العمل في الاراضي المحتلة حديثاً لمصلحة جهاز “الشين بيت” الذي كان حينها وكالة صغيرة نسبيا بعديد لا يتجاوز السبعمائة موظف كانت مهمتهم سابقا مكافحة التجسس والتخريب السياسي.
وبين العامين 1968 و1970، كانت هجمات منظمة التحرير ضد الجنود والمدنيين الاسرائيليين تتنامى وتتسبب باعداد اكبر من الضحايا، وبالتالي كان جهاز “الشين بيت” يتنامى بسرعة اكبر وراح يحصل على موازنات ومعدات بالاضافة الى تجنيد أفراد ناطقين باللغة العربية كانوا يخدمون في جهاز “امان” وبالاخص في “الوحدة 504″ التي كان من ضمن مهماتها تجنيد افراد من اصول عربية. وهكذا فقد اصبحت المهمة الاساس لـ”الشين بيت” مواجهة “الارهاب الفلسطيني” (وقع 500 هجوم فدائي في قطاع غزة في العام 1970 وسقط 18 مستوطناً وجرح المئات).
“من أجل مواجهة هجمات الفدائيين المتصاعدة”، يقول بيرغمان، إن جهاز “الشين بيت” أعدّ لوائح بالمطلوبين الغزيين راحت تكبر إلى أن بات هذا الجهاز غير قادر على المهمة وحده في منطقة هي الأكثر كثافة في السكان بالعالم، فكان أن طلب من القيادة العسكرية تقديم المساعدة، ووجد طلبه اذاناً صاغية لدى اللواء ارييل شارون الملقب “اريك” الذي كان عين في العام 1969 قائدا للمنطقة الجنوبية. بدأ شارون يدفع بالمزيد من القوات العسكرية الى قطاع غزة لمساعدة “الشين بيت” في عمليات اعتقال النشطاء الفلسطينيين (الارهابيين بنظر بيرغمان) وقتلهم. وكانت مصادر المعلومات عن هؤلاء بصورة اساسية من مخبرين فلسطينيين او من المعلومات التي يتم الحصول عليها من معتقلين بعد تعرضهم لتعذيب وحشي وقاس جدا. لم تحظ طريقة شارون الدموية بتأييد الكثيرين في القيادة، اذ اعتبر العميد “اسحاق بونداق” الحاكم العسكري للقطاع أن مواجهة “الارهاب” الفلسطيني تكمن في تحسين نوعية الحياة لسكان القطاع والسماح لهم بادارة شؤونهم المدنية والبلدية بانفسهم وبوجود عسكري “اسرائيلي” في حده الادنى، وينقل بيرغمان عنه قوله “ان الاعتقال والقتل من اجل القتل لا يقود سوى الى انتفاضة شعبية”، فيما كان وزير الدفاع موشيه دايان يرى ان الحل باجراء اتصالات وعلاقات مع السكان المحليين بينما شارون لم يكن ينظر الى هؤلاء سوى من مهداف البندقية ولم يكن يعنيه امر المدنيين أبداً.
ينقل بيرغمان عن بونداق قوله انه سمع شارون يقول لضباطه “كل من يقتل ارهابيا فلسطينيا له مني زجاجة شمبانيا اما من يحضر لي اسيرا فله قنينة صودا”
وينقل بيرغمان عن بونداق قوله انه سمع شارون يقول لضباطه “كل من يقتل ارهابيا فلسطينيا له مني زجاجة شمبانيا اما من يحضر لي اسيرا فله قنينة صودا” (اشارة واضحة الى ان شارون لا يريد معتقلين بل يحفز ضباطه على القتل فقط).
يقول بيرغمان ان واجبات شارون كقائد للمنطقة الجنوبية كانت الحفاظ على دوريات منتظمة على طول الحدود مع مصر وخوض المعارك في حرب الاستنزاف على طول قناة السويس التي استمرت ثلاث سنوات، لذلك فقد كان شارون بحاجة الى وحدة عسكرية خاصة لمواجهة “الارهاب” وليس اقل اهمية من ذلك هو ان شارون كان بحاجة الى وحدة صغيرة من الرجال الذين يقدمون التقارير اليه مباشرة ويعملون وفق منظومة افكاره نفسها. وعندما حان الوقت لتعيين قائد لهذه الوحدة توجه تفكير شارون مباشرة الى مائير داغان.
في اواسط العام 1969، زرعت حركة فتح مجموعة من صواريخ الكاتيوشا موجهة الى احدى قواعد الجيش داخل حقل الغام، ولم يجرؤ اي جندي او ضابط من الاقتراب من تلك الصواريخ خوفا من الالغام الى ان تقدم ضابط شاب يدعى مائير داغان ومشى بهدوء نحو الصواريخ بلا خوف ولا وجل وعطلها قبل ان يعود ادراجه، وقد ذكر ذلك الضابط شارون بنفسه عندما كان ضابطا صغيرا.
يستعرض بيرغمان هنا مسيرة حياة داغان بالقول انه من مواليد العام 1945 لابوين بولنديين غادرا بلدتهما لوكوف قبل ست سنوات من ولادته بعد ان اخبرهم ضابط سوفياتي ان الجيش الالماني يقترب من احتلال بلدتهم وان الامور لن تكون على ما يرام للسكان اليهود، فانتقل الوالدان الى سهوب سيبيريا الباردة، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية عادا مع الف من المهجرين اليهود الى بولندا ليجدوا انه لم يتبق لهم شيئاً هناك، كما لم يبق اي يهودي من الذين بقوا هناك خلال فترة الاحتلال الالماني. وكانت ولادة داغان في احدى محطات القطار في مكان غير معروف من اوكرانيا، وكانت فرص بقائه على قيد الحياة ضئيلة لولا العناية الكبيرة التي اولاها له والداه بالاضافة الى بنيته الجسدية القوية. وينقل الكاتب عن داغان قوله ان والديه لم يتحدثا اليه ابدا عن الفترة الممتدة من العام 1939 الى العام 1945 وكأن هذه الفترة قد محيت تماما من حياتهما.
ويضيف الكاتب ان والد داغان تحدث مرة وحيدة عن مرحلة ما بعد العودة الى بلدتهم المدمرة حيث قال انه وجد فقط وادي الموت حيث دفن في قبر جماعي كل اليهود الذين قتلوا في المنطقة على يد الالمان والناجي الوحيد من مجازر الغستابو (جهاز الاستخبارات الالماني خلال الحرب العالمية الثانية) كان مصورا طلب منه الجستابو ان يصور ارتكابهم للمجازر ولكنهم نسوا اخذ الفيلم منه عند رحيلهم فاعطى هذا الرجل الفيلم لوالد داغان وعندما ظًهر الفيلم فوجىء الوالد بوجود والده في احدى الصور (جد مائير) قبل لحظات من قتله ورميه في القبر الجماعي. ويضيف كانت الصورة تظهر “دوف ايرليك” (جد مائير) بلحيته الطويلة وجدائل شعره المنسدلة تحت اذنيه وعلامات الخوف في عينيه وهو يركع امام بنادق الجنود الالمان.
يتابع بيرغمان روايته عن حياة داغان قائلا انه بعد ان امضى الاخير خمسة اعوام في بولندا تعلم خلالها اللغة البولندية التي استخدمها لاحقا كقائد لجهاز “الموساد” في كسر الجليد مع القيادة البولندية، غادر داغان مع عائلته الى ايطاليا واستقلوا باخرة لنقل المواشي كانت تستخدم لنقل المهاجرين اليهود الى “اسرائيل”، خلال تلك الرحلة، يقول احد اصدقاء داغان ان والده اعطاه برتقالة وهي كانت اول برتقالة يتذوقها في حياته، وقال له انها من ارض “اسرائيل” فشعر بفخر كبير. امضت الباخرة شهرا كاملا قبل ان تصل الى ميناء حيفا حيث استقبل ركابها وفد من مسؤولي الوكالة اليهودية ونقلوهم الى مخيم مؤقت للمهاجرين فناموا في خيم رثة قبل ان يتم نقلهم الى منازل مؤقتة في احدى القواعد العسكرية التي كان قد خلفها الجيش البريطاني قبل رحيله عن منطقة اللد.
يذكر ياتوم انه صدم من اول مرة التقى بها داغان، اذ رآه يطلق سكينه نحو اي جذع شجرة او عامود هاتف امامه فقال لنفسه “لقد انضممت الى وحدة من القتلة الحقيقيين ومن غير المرجح ان استطيع العيش معهم”
يقول بيرغمان ان داغان ترك المدرسة الثانوية في عمر السابعة عشرة وانضم الى وحدة “سايريت متكال” في الجيش “الاسرائيلي” وهي احدى وحدات النخبة التي كانت تتولى العمليات السرية خلف خطوط العدو (والتي تخرج منها العديد من القادة العسكريين والسياسيين لاحقا)، ويضيف الكاتب انه من بين الثلاثين متطوعا لوحدة “سايريت متكال” أكمل فقط اربعة عشر منهم برنامج التدريب الذي استمر خمسة اسابيع. احد هؤلاء المتخرجين الى جانب داغان كان داني ياتوم الذي تولى في اوقات لاحقة عددا لا يستهان به من المناصب في الجيش “الاسرائيلي” اضافة الى رئاسته جهاز “الموساد” قبل داغان مباشرة. ويذكر ياتوم انه صدم من اول مرة التقى بها داغان، اذ رآه يطلق سكينه نحو اي جذع شجرة او عامود هاتف امامه فقال لنفسه “لقد انضممت الى وحدة من القتلة الحقيقيين ومن غير المرجح ان استطيع العيش معهم”.
يضيف بيرغمان ان داغان انضم الى احدى وحدات لواء المظليين وخضع لدورة تدريب ضابط مشاة وحصل على رتبة ملازم في العام 1966، وفي حرب الايام الستة خدم كقائد كتيبة مظليين حيث قاتل اولا في سيناء ومن ثم في مرتفعات الجولان. وينقل الكاتب عنه قوله “لقد وجدنا انفسنا فجأة في حلقة مغلقة من الحروب التي ولدت لدي شعور ان وجود اسرائيل غير مؤكد سوى من خلال حركة اقدامي في الميدان ومن خلال خوضي للمعارك”.
بعد حرب الايام الستة، عاد داغان وانضم مجددا الى الجيش النظامي وتم تعيينه ضابطاً للعمليات في سيناء حيث كان لقاؤه الاول مع شارون عندما فكّك صواريخ الكاتيوشا. في العام 1969 اصبح داغان آمر وحدة العمليات الخاصة لدى شارون. كانت تلك الوحدة صغيرة نسبيا مع عدد جنودها البالغ 150 وتعمل بسرية تامة واتخذ داغان مقرا له في احدى الفيلات المهجورة قرب الشاطىء جنوب قطاع غزة والتي كان يستخدمها الرئيس المصري جمال عبد الناصر في احد الايام.
يشير رونين بيرغمان إلى أن داغان كان يخرج من غرفته عند الصباح عاري الصدر ويتوجه الى الساحة القريبة من مسكنه برفقة كلاب “الدوبرمان” فيشهر مسدسه ويبدأ باطلاق النار على علب الصودا التي خلفها جنوده وراءهم متناثرة على الارض خلال الليل، يقوم بعدها فريق من المساعدين باعداد الفطور له وتلميع حذائه. كان داغان يختار جنوده بنفسه وينتقيهم من مختلف الوحدات الاخرى على قاعدة واحدة هي ان يتبعوه بلا سؤال حيثما شاء ان يقودهم.
يضيف بيرغمان ان داغان كان في اواسط العشرينات من عمره عندما بدأ يطور عقيدته القتالية التي تقوم على فكرة اساسية هي ان على “اسرائيل” تجنب خوض حرب طويلة لان “النصر السريع الذي تحقق في حرب الايام الستة لن يتكرر”. ويتابع في شرح عقيدته ان على “اسرائيل” ان لا تدخل في مواجهة شاملة “الا عندما يكون السيف على الرقبة”، وبدلا من ذلك كان داغان يعتقد ان العرب يمكن ان يهزموا في هجمات موضعية هنا وهناك، وانه يجب ملاحقة قادة العدو ونشطائه الميدانيين واصطيادهم وقتلهم بلا رحمة.
يشير بيرغمان، إلى أنه في نهاية العام 1969 وبعد اكثر من نصف عام على تجنيد وتدريب وبناء وحدته وعناصرها، قرر داغان انه آن الاوان للانتقال الى الميدان. قدّم له جهاز “الشين بيت” ملفا يتضمن اسماء اكثر من 400 مطلوب ويقول “افيغدور ايلدان”، وهو احد اوائل جنود هذه الوحدة ان الملف كان يكبر كل يوم ولم يكن لدى “الشين بيت” القدرة على التعامل معه بسب النقص في عديده.
قسّم الجهاز اسماء المطلوبين الى فئتين، الاولى هي فئة الاهداف “السوداء” والثانية هي فئة الاهداف “الحمراء”. وكان الذين على الفئة الاولى اسماء نشطاء ثانويين لا يعرفون انهم مطلوبون لدى سلطات الاحتلال، كان رجال داغان يلاحقون هذه الاهداف ويسلمونها بعد اعتقالها لـ”الشين بيت” ومن يرفض التعاون يصار الى تعذيبه بقسوة وبعدها يعاد الى وحدة داغان حيث يضعونه في سيارة تاكسي محاطا برجلين من الوحدة في يد كل منهما مسدس ويطلبا منه ان يؤشر الى اماكن اختباء نشطاء منظمة التحرير وعائلاتهم وطرق امداداتهم وكثير من الامور الاخرى، ويكون خلف السيارة سيارة جيب عسكرية فيها جنود من “جوالة القنابل اليدوية” الذين يتحركون فورا عندما يشير المعتقل الى هدف ما لاعتقاله.
اما الذين أدرجوا على لائحة الاهداف “الحمراء”، فقد كانوا يعرفون انفسهم انهم مطلوبون ومطاردون لذلك كانت حركتهم حذرة وكانوا مسلحين وكانت تصفية هذه الاهداف تتطلب العمل بسرعة وعن قرب، لذلك كان داغان يرسل لهذه المهمات خيرة جنوده فيتعمقون داخل قطاع غزة مرتدين الزي العربي يرافقهم متعاملون فلسطينيون ليشكلوا لهم غطاء مقنعا. وكان يطلق على هذه المجموعة من رجال داغان اسم سري هو “زيكيت” او “كاميلون”. تألفت هذه المجموعة في البداية من ثمانية رجال ضمن برنامج “كاميلون” السري “ولم يكن احد يعلم ما هو الهدف الذي يدربوننا لاجله” يقول ايلدان. وكان رجال هذه الوحدة يحملون هويات مزورة امنها لهم جهاز “الشين بيت” وكان بامكانهم التسلل الى عمق المناطق المكتظة بالسكان والخروج منها دون ان يلحظهم احد الا عندما يشهرون اسلحتهم.
شلومو غازيت هدد بالاستقالة من منصبه وقال “لا اجد ما اصف به ما فعله شارون سوى انه تطهير عرقي وجريمة حرب”
وعن اسلوب عمل داغان، ينقل بيرغمان عنه قوله “كنا نستغل نقاط ضعف الخلايا الارهابية. كانوا بمعظمهم من خلفيات ماركسية يمارسون العمل السري بحيث يعرف كل فرد اعضاء خليته فقط ولا يعرف احد من الخلايا الاخرى. المثال على ذلك، يقول احد عناصر تلك الوحدة “موشي روبين” لقد علمنا ان الارهابيين كانوا يحصلون على الاموال والاسلحة من لبنان. كانوا يبحرون في السفينة الام من بيروت وعندما تصل السفينة الى عمق البحر قبالة ساحل غزة يتم توزيع حمولتها على زوارق صيد صغيرة لنقلها الى الشاطىء، فقلنا لانفسنا لما لا نكون نحن ايضا من الآتين من بيروت؟”. وفي اجابة على هذا السؤال، رسمت الخطة ونفذت، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 ركب ستة رجال من برنامج “كاميلون” زورق صيد جرته البحرية “الاسرائيلية” الى نقطة قريبة من شاطىء غزة، وكان هذا الفريق عبارة عن ثلاثة جنود يهود يرأسهم داغان نفسه وانضم اليهم متعاملان فلسطينيان، احدهما كان قد نجا من مجزرة ايلول الاسود التي نفذها الملك حسين ضد منظمة التحرير الفلسطينية في الاردن قبل شهرين وكان ممتنا للاسرائيليين لانقاذه من تلك المجزرة والثاني كان ملقباً بـ”الغواصة”، وهو مجرم متهم بقتل احد اقاربه بغرز سكين في رأسه وقد وافق “الشين بيت” على اطلاق سراحه مقابل تعاونه والعنصر السادس كان ضابطا بدويا في الجيش “الاسرائيلي” مهمته مراقبة اجهزة الارسال التي يستخدمها الفلسطينيون وأيضاً ان يتقدم المجموعة ويتوصل الى اقامة اتصال مع الرجال المطلوبين ويبلغ مجموعته بالامر اضافة الى مهمة اخرى وهي مراقبة الفلسطينيين العاملين في المجموعة اذا قررا خيانة داغان.
وعندما وصلت المجموعة الى الشاطىء، اختبأت عدة ايام في تخشيبة مهجورة في بستان، وفي كل يوم كان المتعاملون يقومون بجولة في المخيمات المجاورة زاعمين انهم من عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقدموا من لبنان. في البداية، لم يتواصل معهما احد، لذلك فقد تم تنظيم عملية مسرحية عبارة عن مطاردة نفذها جنود الجيش “الاسرائيلي” ضد هذه المجموعة بعد ان اكتشفها في البستان واطلقوا النيران الحقيقية متظاهرين انهم يطاردون المجموعة، فقاد داغان المجموعة الى منطقة في خراج مخيم بيت لاهيا. اثارت المطاردة الوهمية حفيظة السكان المحليين وتمكن “الغواصة” من اجراء اتصال مع امرأة كانت على تواصل مع مسؤول كبير في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مطلوبا لدى سلطات الاحتلال، فقام رجال داغان بقتل دجاجة ونثروا دمها على ضمادات ربطوها الى اعناقهم ليشرحوا للمحليين ان ليس باستطاعتهم الكلام بسبب اصابتهم ما يجعل المتعامل يتحدث بالنيابة عنهم، والذي بدوره قال للمرأة “لقد اتينا لمساعدتكم” فوّفرت له اتصالاً مع كبار المسؤولين الفلسطينيين في المنطقة.
في اليوم التالي، ظهر “الارهابيون” يقول داغان وكانوا رجلين وامرأة مسلحين وهم من كبار المسؤولين، وبعد تبادل التحية، همس داغان بكلمة السر، فاطلق الجنود النار من مسافة قريبا من مسدسات بيريتا عيار 9 ملم كانوا يحملونها فقتلوا الرجلين على الفور، ولكن المرأة لم تصب. وتوجه داغان نحو احد القتيلين واخذ من يده مسدسا من طراز “ستار”، واطلق طلقتين في رأس كل منهما، واحتفظ بعدها بالمسدس لنفسه، وتم تسليم المرأة إلى “الشين بيت”.
يقول بيرغمان انه في صبيحة احد ايام كانون الثاني/ يناير عام 1971، قام رجل اعلانات شهير في “اسرائيل” يدعى بوب ارويو، وهو في الثلاثين من عمره مع زوجته وولديه برحلة سياحية الى بحيرة البردويل شمال سيناء، وبعد ظهر ذلك اليوم وفيما كانت عائلة ارويو عائدة من رحلتها بسيارة فورد كورتينا وعندما وصلت إلى شمال منطقة العريش، وعلى مقربة من قطاع غزة، اوقفها شاب مراهق ورمى على المقعد الخلفي للسيارة قنبلة يدوية ما ادى اشتعال السيارة من الداخل ككرة نار وخرج منها بوب مصابا يطلب المساعدة فلم يلب طلبه احد فمات الولدان وتسببت القنبلة باعاقة دائمة لزوجته. بعد هذه الحادثة، تعززت وجهة نظر شارون القائلة بالتعامل مع سكان قطاع غزة بمنطق القوة، فقامت قوة عسكرية كبيرة جدا بامرة شارون بتدمير منازل الفلسطينيين تحت ذريعة توسيع الطريق الذي يشق مخيم اللاجئين الفلسطينيين، وفي احدى ليالي كانون الثاني/ يناير عام 1972 امر شارون بابعاد الاف البدو مسافة اكثر من ثلاثة كيلومترات جنوب رفح ما تسبب بصدمة لدى الجنرال شلومو غازيت الذي كان مسؤولا عن كل النشاطات الحكومية في الاراضي المحتلة، فهدد بالاستقالة من منصبه وقال “لا اجد ما اصف به ما فعله شارون سوى انه تطهير عرقي وجريمة حرب”. ولكن كانت القيادة “الاسرائيلية” قد اطلقت العنان لشارون واعطته الاذن باستخدام القوات الخاصة والوحدات السرية لكشف الخلايا السرية للنشطاء الفلسطينيين وقتلهم.
ويضيف بيرغمان ان داغان ورجاله طوروا تكتيكهم في مطاردة النشطاء الفلسطينيين وقتلهم عبر نصب الكمائن في بساتين الليمون او بين الصيادين على الشاطىء او عبر ارسال متعاونين معهم لبيع عبوات ناسفة وقنابل يدوية بعد العبث بصمام الامان فيها فبدلا من ان تنفجر القنبلة بعد ثلاث ثوان من ازالة مسمار الامان كانت تنفجر بعد نصف ثانية، اي بيد حاملها، وفي احدى المرات، تظاهر داغان نفسه انه جثة يحملها رفاقه وهم من المتعاونين الفلسطينيين وعندما وصلوا الى مخبأ للنشطاء الفلسطينيين، قفز وأطلق النار مع رجاله فقتلوا كل من كان في المخبأ.
في العام 1972 لم يبق على قيد الحياة من لائحة الـ400 مطلوب مع من اضيف إليها لاحقا سوى عشرة اسماء، ولم يقع طوال ذاك العام سوى 37 هجوما على اهداف اسرائيلية واستمر هذا العدد بالهبوط في السنوات الاربع التي تلت، وهذا ما أمّن بناء المستوطنات في المناطق المحتلة، وجعل قادة اليمين يتمسكون بعدم الانسحاب من هذه المستوطنات ومن كل الاراضي المحتلة عام 1967 خاصة وان الضفة الغربية (اسمها التوراتي يهودا والسامرة) وفق المنطق الديني قد تحررت بتدخل الهي من اجل ضمها الى ارض “اسرائيل”.