مدير “CIA” لأوباما: “المعرفة النووية مُخزّنة في عقول العلماء الإيرانيين” (129)

يُخصّص الكاتب "الإسرائيلي" رونين بيرغمان هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية" للحديث عن المغامرة التي كان يعد لها رئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو في العام 2010 وكيف أطاحت هذه المغامرة برئيس "الموساد" حينها مائير داغان، وكان المقصود منها، حسب بيرغمان، شن هجوم واسع على ايران بهدف القضاء على مفاعلاتها النووية من دون موافقة داغان، وقد كلفت عملية التحضير لهذا الهجوم نحو ملياري دولار.

يقول رونين بيرغمان إنه في سبتمبر/أيلول من العام 2010 وصلت العلاقة بين بنيامين نتنياهو ومائير داغان إلى مرحلة الغليان. فقد زعم داغان أن تنتنياهو استفاد من اجتماع معه ومع رئيس جهاز “الشين بيت” ورئيس أركان الجيش (مموهاً بموضوع حماس) من أجل اعطاء الأمر بصورة غير شرعية لشن هجوم على إيران، وأضاف داغان “عندما كنا نهم بمغادرة الغرفة، قال نتنياهو: دقيقة لو سمحتم يا رئيس الموساد ورئيس الاركان لقد قرّرتُ وضعكم والجيش الإسرائيلي عند “نقطة أو زائد 30” (O plus 30)”، وهذه كانت تعني “أننا على مسافة ثلاثين يوماً من العملية”، وهو ما يعني أن نتنياهو كان يدعو لشن هجوم شامل على إيران بدلاً من تعبير أكثر دقة وهو “عمل حربي”، فالحرب تتطلب موافقة الحكومة المصغرة ولكن رئيس الوزراء بامكانه بكل بساطة اعطاء الأمر بتنفيذ العملية.

داغان

صعق داغان بتهور نتنياهو في اتخاذ مثل هذا القرار، وينقل عنه بيرغمان قوله “إن استخدام العنف (العسكري) من شأنه أن يترك تداعيات لا تحتمل، فالتقدير العملي أنه بالامكان وقف مشروع إيران النووي بالهجوم العسكري كان غير صحيح على الاطلاق.. إنْ هاجمت إسرائيل، سيشكر المرشد علي خامنئي ربه، لأن هكذا هجوم من شأنه أن يُوحّد الشعب الإيراني خلف المشروع النووي ويُمكّن خامنئي من القول إنه يجب الحصول على القنبلة الذرية للدفاع عن إيران بوجه أي اعتداء إسرائيلي”، ويضيف الكاتب نقلاً عن داغان أنه بمجرد وضع القوات “الإسرائيلية” في حالة جهوزية للهجوم فإن ذلك قد يقود إلى الانزلاق نحو حرب بلا رحمة، لأن السوريين والإيرانيين سيرون حالة التعبئة ويقومون بعمل استباقي.

ويتابع بيرغمان، أن ايهود باراك كانت له رواية أخرى عن هذا النقاش – إذ قال إنه ورئيس الوزراء كانا يمتحنان جدوى الهجوم – ولكن ذلك لم يكن مهماً، فانهيار العلاقة بين داغان ونتنياهو أصبح غير قابل للاصلاح، فقد كان داغان رئيساً للموساد لمدة ثماني سنوات وهي أعلى فترة يتولاها أي شخص لرئاسة هذا الجهاز بعد ايسر هاريل، وخلال هذه الفترة تمكن داغان من إعادة احياء الجهاز الخجول والمحتضر ورمّم المجد التاريخي الذي تمتع به لعقود من الزمن واخترق كل خصوم “إسرائيل” وأعمق بكثير مما كان أي أحد يعتقد أنه بامكانه فعله، وتولى تصفية أهداف تسببت بالموت والخطف لعقود وأوقف لسنوات التهديد الوجودي للدولة اليهودية. لكن كل ذلك لم يشفع له، فعملية دبي (اغتيال القيادي محمود المبحوح) شكّلت إحراجاً كبيرا أو ربما عذراً، ففي سبتمبر/أيلول 2010 أبلغ نتنياهو داغان أن إعادة تعيينه على رأس جهاز الموساد لن يتكرر، أو ربما قرر داغان الاستقالة، بحسب زعمه إذ ينقل عنه الكاتب قوله “لقد قرّرت بنفسي أنه بات الأمر كافياً. أريد أن أفعل شيئاً اخر، والحقيقة هي أنني سئمت منه (نتنياهو)”.

داريوش رضائي نجاد

كان على تامير باردو، الذي خلف داغان في رئاسة الموساد أن يُعيد ترميم جزء كبير من آليات العمل وفرق العمليات في جهاز كان قد ُدمّر تقريباً بعد عملية المبحوح في دبي. فقرر تعيين “N”، وهو الرجل الذي كان وراء التخطيط لاغتيال (عماد) مغنية، وكلّفه باجراء تقييم عملي للأضرار، ولاحقاً عيّنه نائباً له. لكن عملية إعادة بناء فرق العمليات لم توقف نشاطات الجهاز وبالأخص تلك التي كانت تستهدف البرنامج النووي الإيراني، وبعد أشهر قليلة من تعيينه، عاد باردو إلى سياسة القتل المتعمد (الاغتيال) التي كان سلفه قد أوقفها. وفي يوليو/تموز عام 2011، أقدم راكب دراجة نارية على مطاردة (داريوش رضائي نجاد)، وهو دكتور في الفيزياء النووية وباحث رفيع المستوى في منظمة الطاقة النووية الإيرانية، حتى بلغ نقطة قريبة من مخيم الإمام علي في طهران، القاعدة الأكثر تحصيناً للحرس الثوري الإيراني وتحتوي على مساحات من تجارب اليورانيوم المخصب. عند وصول رضائي نجاد على مقربة من المخيم سحب سائق الدراجة النارية مسدسه وأطلق النار عليه فأرداه.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وقع انفجار ضخم داخل قاعدة للحرس الثوري على مسافة حوالي ثلاثين ميلاً (خمسين كيلومتراً) من طهران، وقد شوهدت غيمة من الدخان من مسافات بعيدة في العاصمة الإيرانية وتحطمت النوافذ، وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن القاعدة قد دُمّرت بالكامل تقريباً، وقتل في الانفجار الجنرال (حسن طهراني مقدم)، رئيس قسم تطوير الصواريخ في الحرس الثوري (أبو البرنامج الصاروخي الإيراني)، كما قتل معه 16 من مساعديه.

يتابع بيرغمان، “وعلى الرغم من تصفية المبحوح تواصلت عمليات تدفق الأسلحة إلى غزة من إيران عبر السودان، وواصل الموساد عمليات المراقبة كما واصل سلاح الجو شن هجماته على قوافل السلاح، وجاء أكبر نجاح بعد اكتشاف الموساد أن ثلاثمائة طن من الأسلحة المتطورة والمتفجرات كانت مموهة كبضائع مدنية ومخزنة في قاعدة عسكرية في جنوب الخرطوم بانتظار شحنها إلى غزة، وتضمن مخزون الأسلحة هذا صواريخ متوسطة وقصيرة المدى بالاضافة إلى صوايخ مضادة للدروع ومضادة للطيران قالت عنها “إسرائيل” أن من شأنها أن “تكسر التوازن”، وبحسب قول أحد كبار ضباط جهاز “أمان” عند تقديم تقريره لنتنياهو أن هذه الصواريخ إذا وصلت إلى غزة “أرى أنه علينا مهاجمة حماس حتى من دون أي استفزاز مسبق من قبلها، من أجل منعها من نشر هذه الصواريخ”.

إقرأ على موقع 180  نتنياهو وباراك يستثمران اغتيال المبحوح.. برغم انكشاف "الموساد" (128)

وفي الساعة الرابعة من تاريخ الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، هاجمت طائرات “إف 16” تابعة لسلاح الجو “الإسرائيلي” الموقع ودمّرت الاسلحة وقتلت كل العاملين فيه من حماس والحرس الثوري. وتسببت الانفجارات بإضاءة ليل الخرطوم كما تطايرت أسطح المباني والنوافذ.. بعد هذه الحادثة أبلغت السلطات السودانية الحرس الثوري الإيراني أنها لن تسمح بذلك مرة أخرى.

ومثل سلفه، امتنع باردو عن المخاطرة بتنفيذ عمليات قتل في أماكن خطرة مثل طهران، ويقول بيرغمان إن كل عمليات القتل التي حصلت على الأراضي الإيرانية “تم تنفيذها بواسطة عناصر من حركات المعارضة السرية الإيرانية أو عناصر من الإثنيات الكردية أو البلوشية أو الأذرية المعادية للنظام الإيراني”. ويضيف أن المعلومات التي كانت تصل إلى الموساد أظهرت أن هذه العمليات “قادت إلى ما يسمى “الانفصال الأبيض” – وهو يعني أن العلماء الإيرانيين كانوا خائفين إلى درجة أن العديد منهم طلبوا نقلهم للعمل في مشاريع مدنية”، ويقول داغان: “هناك حدود لقدرة منظمة ما على اجبار عالم على العمل في مشروع ما خلافاً لإرادته”.

روشن

ويتابع بيرغمان، من أجل زيادة الخوف عند العلماء بحث الموساد عن أهداف ليست بالضرورة في مواقع عليا في البرنامج النووي ولكن الوصول إليها يُسبّب أكبر قدر ممكن من الخوف لدى زملائه. وفي الثاني عشر من يناير/كانون الثاني عام 2012 غادر مصطفى أحمدي روشن، المهندس الكيميائي في مجمع نطنز لتخصيب اليورانيوم منزله متوجهاً إلى مختبر في قلب العاصمة طهران. قبل أشهر قليلة، ظهرت صورة له في وسائل الاعلام إلى جانب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال تفقد الأخير تجهيزات نووية في المجمع المذكور، ومرة أخرى قاد أحد العناصر دراجته النارية بمحاذاة سيارة روشن وألصق بها لغماً لاصقاً فقتل على الفور، ولم تصب زوجته التي كانت تجلس بجواره بأذى، لكنها رأت كل شيء وأخبرت زملاءه وهي مرعوبة مما حصل.

ويقول بيرغمان إن اغتيال العلماء بمعزل عن نوعية أعمالهم “يعتبر عملاً غير مشروع وفقاً لقوانين الولايات المتحدة، وبحسب ما ينقل عن رئيس “سي آي إيه” حينها مايكل هايدن فإن بلاده لم تعلم ولم ترد أن تعلم بشأن هذه العمليات كما أن “الإسرائيليين” لم يخبروا الأمريكيين عن مخططاتهم “ولا حتى بغمزة عين أو ابتسامة”، مؤكداً أنه لا يعرف أياً من التدابير هو الأكثر فعالية لوقف البرنامج النووي الإيراني “ولكن بالتأكيد كان هناك أحدٌ ما يقتل العلماء”.

وفي أول اجتماع لمجلس الأمن القومي الأمريكي برئاسة الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما في العام 2009، سأل الأخير مدير “سي آي إيه” ما هو حجم المواد الانشطارية التي تخزنها إيران في مجمع نطنز فأجابه هايدن “سأعطيك الجواب بعد دقيقة، ولكن هل أستطيع أن أعطيك طريقة أخرى للنظر في الأمر؟ الحجم لا يهم. لا يوجد في نطنز مواد كالنيوترون والالكترون ولن يظهر ذلك في أي سلاح نووي، ما يبنونه في نطنز هو الثقة، وعندها سيأخذون تلك المعرفة وتلك الثقة وسيحاولون الذهاب بها إلى مكان آخر لتخصيب اليورانيوم.. وهذه المعرفة سيدي الرئيس مُخزنة في عقول العلماء النوويين الإيرانيين”.

(*) الحلقة الـ130 والأخيرة من كتاب “انهض واقتل أولاً.. التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية” تنشر في الأسبوع المقبل.

Print Friendly, PDF & Email
سلطان سليمان

صحافي لبناني؛ كان يُوقّع مقالاته باسم "ماهر أبي نادر" لضرورات عمله

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  "عامل" تروي سيرتها.. كتاباً وممارسة