“أيلول الأسود” يرتد في اللد.. تل أبيب تدمّر مطار بيروت (24)

في الحلقة 24 من كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية"، يضيء المؤلف "الإسرائيلي" رونين بيرغمان على نشاط المنظمات الفلسطينية في أعقاب أحداث "أيلول الاسود" 1970 التي أدت إلى تصفية الوجود الفلسطيني المسلح في الاردن وانتقال منظمة التحرير الى لبنان أساساً وسوريا جزئياً.

في كتابه، يتحدث رونين بيرغمان عن ظهور منظمة فلسطينية جديدة هي “منظمة أيلول الاسود”. من خلال اسمها، تبدو واضحة مهمتها: الانتقام للمجازر التي ارتكبها الجيش الاردني بحق الفلسطينيين في عمان خلال ايلول/ سبتمبر 1970. اولى عمليات هذه المنظمة في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1971 تمثلت بقتل وصفي التل، رئيس الوزراء الاردني في القاهرة وهو الذي اعطى الامر بعمليات التصفية الدموية لمنظمة التحرير في عمان قبل عام. بعد هذا الهجوم باسبوعين، حاولت المنظمة اغتيال السفير الاردني في لندن زيد الرفاعي، وبعد شهرين، قتل مسلحون فلسطينيون خمسة اردنيين في المانيا بعد اتهامهم بالتعامل مع “اسرائيل” وفجروا شركة غاز والكترونيات المانية بعد اتهامها بالتعامل التجاري مع “اسرائيل” ايضا.

ان اسم “منظمة ايلول الاسود” كان اسما حديثا بين المنظمات الفلسطينية، ولكن تبين ان المنظمة نفسها لم تكن جديدة، بحسب ما يقول رونين بيرغمان. سرعان ما اكتشف جهاز “الموساد” الاسرائيلي ان هذه المنظمة لم تكن سوى احد أذرع حركة فتح بقيادة صلاح خلف (ابو اياد) آمر جهاز “الرصد” الاستخباري في منظمة التحرير الفلسطينية. وبصفته هذه، اعاد ابو اياد ترتيب لائحة اعداء القضية الفلسطينية بدءاً بـ”الامبريالية الامريكية، مرورا بالانظمة العربية المرتبطة بها إنتهاءً باسرائيل”.

وينتقل بيرغمان الى الحديث عن اول عملية نفذتها “منظمة ايلول الاسود” ضد هدف “إسرائيلي” قائلا: في 8 أيار/ مايو عام 1972، قام ثلاثة عناصر من المنظمة وعنصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بخطف طائرة سابينا تحمل 94 راكبا وطاقما مؤلفا من سبعة افراد خلال رحلة لها من بروكسيل الى تل ابيب. وكان اكثر من نصف الركاب من “الاسرائيليين” او اليهود، وعندما حطت الطائرة في مطار اللد (اسمه اليوم مطار بن غوريون)، طالب الخاطفون باطلاق سراح 315 اسيرا فلسطينيا في السجون “الاسرائيلية” مقابل اطلاق الرهائن لديهم.

تقدم وزير الدفاع حينها موشيه دايان بخطتين لإحباط العملية، الاولى المرفوضة قدمها مائير داغان وقضت بان يَحلُق داغان ومجموعته من وحدة “كاميليون” رؤوسهم وينخرطوا مع فلسطينيين مطلق سراحهم الى ان يصلوا الى قلب الطائرة المخطوفة حيث يخرجون اسلحتهم ويقضون على الخاطفين وعلى الاسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، إذا اقتضت الضرورة، بحسب اقتراح داغان. اما الخطة الثانية التي اعتمدت، فكانت خطة ايهود باراك قائد وحدة “سيريات ميتكال”، فقد اقترب باراك ووحدته من الطائرة متنكرين بزي طاقم فني في المطار وعندما اصبحوا على مقربة من الطائرة قاموا بمهاجمتها وقتلوا الخاطفين جميعا اضافة الى راكبة فيما جرح راكبان، وجرح ايضا جندي شاب من الوحدة المهاجمة برصاص احد رفاقه وكان اسمه بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الحالي).

كل اهتمام عملاء “الشين بيت” كان منصباً على شبان يحملون ملامح شرق اوسطية ويتصرفون بعصبية وبالتالي لم يكن لديهم اهتمام بالتمعن في سلوك سياح اسيويين. فجأة استل اليابانيون الثلاثة رشاشات كلاشنكوف ورمانات يدوية من حقائبهم وبدأوا باطلاق النار عشوائيا على كل المتواجدين حولهم في مطار اللد

وعلى الرغم من نجاح “اسرائيل” في إحباط عملية خطف الطائرة، فان الهدف الاستراتيجي للفلسطينيين من العملية قد تحقق بحسب ما يقول احد قادة “منظمة ايلول الاسود”. كانت قضية فلسطين على مدى يوم كامل محط انظار العالم وكان ثوريو العالم كلهم يحبسون انفاسهم بانتظار ما ستسفر عنه هذه العملية، وينقل رونين بيرغمان عن هذا القائد الذي لم يسمه “ان الكثير من الحركات الثورية في العالم اقامت مهرجانات تضامن مع القضية الفلسطينية”. وبدأت ترد الى المنظمات الفلسطينية طلبات انتساب من انحاء المعمورة وكانت جملة واحدة تتردد في معظم هذه الطلبات، بحسب ما يقول القائد الفلسطيني نفسه “واخيرا وجدتم طريقة تجعل صوتنا مسموعا في العالم”، والكلام ينقله بيرغمان عنه.

ويضيف بيرغمان، من بين المتطوعين الجدد كان هناك ثلاثة عناصر من منظمة “الجيش الاحمر الياباني” اليسارية السرية تدربوا على ايدي مسؤولين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في كوريا الشمالية ولبنان. استقل هؤلاء طائرة ايرفرانس من مطار روما الى مطار اللد، وكانت هناك شكوك لدى بعض مدربيهم بمدى التزامهم بالقضية وهم من اصحاب الافكار الماوية المتعارضة مع الافكار الماركسية للجبهة الشعبية، ولكن هؤلاء سرعان ما اعجبوا بمدى التزام اليابانيين بالقضية الفلسطينية ورغبتهم الجامحة للموت في سبيلها.

عندما وصل أعضاء الجيش الأحمر الياباني الثلاثة الى مطار اللد، لم يلفتوا الانظار، فكل اهتمام عملاء “الشين بيت” كان منصباً على شبان يحملون ملامح شرق اوسطية ويتصرفون بعصبية وبالتالي لم يكن لديهم اهتمام بالتمعن في سلوك سياح اسيويين. فجأة استل اليابانيون الثلاثة رشاشات كلاشنكوف ورمانات يدوية من حقائبهم وبدأوا باطلاق النار عشوائيا على كل المتواجدين حولهم في المطار.

إقرأ على موقع 180  هل إنتهى شهر العسل بين بينت وبايدن؟

ادت عملية مطار اللد الى مقتل 26 شخصا، بينهم 17 من المسيحيين البورتوروكيين الذين كانوا في رحلة حج الى القدس، وجرح 78 اخرين. امتلأت شوارع تل ابيب بسيارات الاسعاف التي صمت اصوات زماميرها الآذان. واعلن القيادي في الجبهة الشعبية بسام زايد (زوج الفدائية ليلى خالد) في بيان له من بيروت انه لم يكن في نية الجبهة قتل ابرياء ولكن كل من لا يرفع يده تأييدا للقضية الفلسطينية هو مذنب. اما في “اسرائيل” فقد كانت المرارة تعم القيادات العسكرية في وزارة الدفاع لفشلها في منع حصول المجزرة، على حد تعبير بيرغمان.

امام هذه الموجة العارمة من الهجمات على الملاحة الجوية الإسرائيلية، امر رئيس الوزراء “الاسرائيلي” ليفي اشكول برد عقابي ضد اهداف سهلة نسبيا، يقول بيرغمان، وهي الملاحة الجوية العربية. كان ذلك مبنيا على فكرة ان الانظمة العربية هي التي تمتلك شركات الطيران العربية وهي المسؤولة عن الهجمات بسبب دعمها لمنظمة التحرير الفلسطينية. وهكذا في كانون الاول/ ديسمبر عام 1968، قامت مجموعة من الوحدات الخاصة “الاسرائيلية” بمهاجمة مطار بيروت الدولي، وفجرت على مدرجاته 14 طائرة مدنية تابعة لـ”شركة طيران الميدل ايست”، شركة “الخطوط الجوية اللبنانية الدولية” وشركة “طيران عبر المتوسط” وكلها لبنانية.

يضيف بيرغمان لقد نجحت العملية في تدمير هذه الطائرات من دون ان تتسبب باية اصابات في صفوف “الاسرائيليين” ولكن لم يكن لها اي تأثير في ردع اية هجمات مستقبلية على الملاحة الجوية “الاسرائيلية” وكان الرد العالمي غضبا عارما على الغارة “الاسرائيلية” ضد اهداف مدنية في لبنان.

وبالاضافة الى ادانة واضحة من مجلس الامن الدولي، اعلن الرئيس الفرنسي شارل ديغول تضييق التعامل التسليحي مع “اسرائيل” وألغى صفقة لبيع تل أبيب خمسين مقاتلة حربية فرنسية. وبهذا المقياس، تعتبر العملية “الاسرائيلية” في مطار بيروت فاشلة، وقد تبعتها عمليات فاشلة اخرى شكلت بداية حملة “اسرائيلية” لمواجهة “الارهاب” تولتها رئيسة الوزراء “الاسرائيلية” الجديدة جولدا مائير التي تولت منصبها بعد وفاة ليفي اشكول في شباط/ فبراير عام 1969. ومن هذه العمليات كانت محاولة قتل القيادي في الجبهة الشعبية وديع حداد في بيروت.

ينقل بيرغمان عن رئيس وحدة “قيصرية” زفي اهاروني قوله “لم يكن من الصعب معرفة مكان منزل ومكتب وديع حداد (شارع محي الدين في العاصمة اللبنانية)، إذ انه لم يكن يتخذ اية احتياطات”. وهكذا في العاشر من تموز/ يوليو عام 1969، جرى انزال مجموعة كوماندوس من الوحدة 707 (في قيصرية) على الشاطىء قرب كازينو لبنان في منطقة كسروان، وقامت هذه المجموعة بتسليم قاذفتي قنابل الى المجموعة المكلفة بالاغتيال والتي كانت قد استأجرت شقة مقابلة لشقة وديع حداد، وفي التاسعة صباحا وجهت القاذفات نحو الغرفة التي كان يجلس فيها حداد وتم توقيت اطلاقها بعد ثلاثين ثانية، وهي مدة قام خلالها حداد بمغادرة الغرفة الى غرفة اخرى كانت تجلس فيها زوجته واولاده فانتهت العملية الى الفشل.

في غضون ذلك، استطاع عميل “اسرائيلي” تحديد مقر اقامة قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش في بلدة بسابا الشوفية في منطقة جبلية جنوب شرق بيروت وتمكن هذا العميل من تصوير حبش مع بعض رجاله جالسين على مصطبة امام المنزل، فأُرسلت في 15 ايار/ مايو 1969 مقاتلات حربية “اسرائيلية” لشن غارة على المنزل وتدميره على رأس حبش غير ان الطائرات اخطأت الهدف واصابت منزلا مجاورا وتمكن حبش من الفرار سالما.

بعد سلسلة العمليات الفاشلة التي اعتبر فيها زفي اهاروني “مسؤولا عن عدم القدرة على تصفية زعماء الارهاب”، استقال من مسؤوليته على رأس  وحدة “قيصرية” ليخلفه مايك هراري.

(*) في الحلقة المقبلة، أول مهمة لهراري: محاولة إغتيال ياسر عرفات

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  هل إنتهى شهر العسل بين بينت وبايدن؟