“جنرالات إسرائيل”.. أفول الأدوار السياسية!
TOPSHOT - (L to R) Moshe Yaalon, Benny Gantz, Gabi Ashkenazi, and Yair Lapid of the Blue and White (Kahol Lavan) political alliance, hold hands together as they appear before supporters at the alliance headquarters in Tel Aviv on April 10, 2019. (Photo by GALI TIBBON / AFP) (Photo by GALI TIBBON/AFP via Getty Images)

قبل نحو عامين، حين وقف ستة جنرالات متقاعدين على منصة واحدة معاً، كانوا ​​يقولون الشيء نفسه: "إسرائيل تحت زعامة بنيامين نتنياهو كرئيس للوزراء قد فقدت طريقها"، نحن البديل.. وإلا فإن المشروع الصهيوني "في خطر".

في الشكل، هو “تحدي جنرالات اسرائيل لنتنياهو”، على حد قول نيري زيلبر (صحافي ومحلل متخصص بشؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن). اما في المضمون، فهو سعي من “ابيض ازرق” للتحول إلى “حاضنة سياسية تمثيلية” لولادة “الجنرالات”، اي الجيش، خاصة بعد نجاح حركة “ضباط من اجل امن اسرائيل” (2014) بإستقطاب ما يقرب من 300 ضابط متقاعد برتبة عميد وأعلى من الجيش، والشرطة، وجهاز الأمن “الشاباك”، ووكالة التجسس “الموساد.” بالنسبة لهؤلاء “وهْم الوضع الراهن، والمأزق الحالي يضرّان بأمن إسرائيل ورفاهها وطبيعتها كديموقراطية يهودية”.

اجبرت إرتكابات نتنياهو كل خصومه السياسيين على التحالف ضده في ثلاث دورات انتخابية خلال اقل من سنتين، وهو رقم قياسي في تاريخ الدولة العبرية، ولكن في كل استحقاق كان الحظ يقف الى جانب “بيبي”، وإن بنسب متفاوتة في فرق المقاعد في الكنيست.

وقع “ازرق ابيض” في شرك “ثعلب الحكم” في اسرائيل، طرح الليكود اغراءاته (خمس حقائب وازنة اضافة الى التناوب على رئاسة الحكومة بعد سنة ونصف السنة)، نام بيني غانتس على حلم المنصب الارفع، مطمئنا الى وعود نتنياهو، الذي يوصف عند كثر بـ”الكاذب”. من مفاعيل الاتفاق ان انفرط عقد “الجنرالات”، خرج حزب “تيليم” بقيادة وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون، ثم لحقه حزب “هناك مستقبل”، بقيادة وزير المال والإعلامى السابق يائير لابيد، ليصبح لدى غانتس 15 مقعدا فقط من اصل 33 مقعدا فاز بها التحالف في انتخابات 2 اذار/ مارس الماضي.

هي شهية مفتوحة على السلطة ومقاعدها. استراح غانتس الى هبوطه المظلي على رأس وزارة الامن بينما تولى غابي اشكنازي وزارة الخارجية، لكن الامر لم ينته عند هذا الحد. انفجر لغم الموازنة تحت قدمي غانتس فاطاح بالاتفاق الحكومي وتمت الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة هي الرابعة في غضون عامين ومن المفترض ان تجري في 26 اذار/ مارس المقبل، ما لم يؤخرها عمل ما تلوح به تل ابيب منذ مدة وعبر عنه، قبل ايام قليلة، رئيس اركان الجيش الاسرائيلي افيف كوخافي في معرض تلاوة التوجهات الامنية والعسكرية للعام 2021 من “ان الضربة الاستباقية هي جزء من الخطة الاستراتيجية لحماية اسرائيل”، غامزا من قناة البرنامج النووي الايراني، في موقف جاء مُذيلاً بتوقيع المؤسستين العسكرية والأمنية في تل أبيب، وموجهاً إلى الإدارة الأميركية الجديدة، برغم الإنتقادات السياسية والإعلامية التي تعرض إليها كوخافي.

كان حزب “ازرق ابيض” يطالب باقرار موزانتي 2020-2021 معا، فيما الليكود يصر على اقرار موزانة كل سنة على حدة، للتنصل من الاتفاق، فيقدم على حل الحكومة بعد اقرار موزانة 2021 ويدعو الى انتخابات مبكرة – كما تطور السيناريو- ويكون في وضع افضل على المستوى الاقتصادي والحزبي والسياسي، والبقاء في منصب رئيس الحكومة اكثر مدة ممكنة لمواجهة الملفات القضائية المتعلقة بالفساد، بالتزامن مع الشروع بمحاصرة جائحة كورونا عالميا مع الوصول الى مرحلة اللقاحات وتمكن إسرائيل من الفوز بلقاحات حتى قبل غيرها من دول العالم الأول.

غانتس، الضابط الذي حمل الرقم “20” في تسلسل رؤساء الاركان. الضابط الذي قاد وحدة شالداغ في سلاح الجو الاسرائيلي عام 1991، وتمكن خلال 34 ساعة فقط، وبمشاركة 30 طائرة من نقل 14.400 يهودي اثيوبي الى نل أبيب، هذا الضابط يدرس، إمكانية التنحي عن الحياة السياسية، وذلك على خلفية انهيار حزبه وانشقاق نصف نوابه في الكنيست عنه وعدم موافقة أحزاب أخرى على التحالف معه.

لم تعد نظرة “المخلص” الى قادة الاركان الاسرائيلين، كما كانت عليه على مدى العقود الماضية، وهو ما اسّس له إسحاق رابين حين قاد في العام 1974 الانتخابات الداخلية في حزب مباي ضد من كان يعتبر خليفة بن غوريون، اي شيمون بيرس، فتغلب عليه “جنرال حرب حزيران” بفارق 44 صوتا

المناخ الاعلامي الاسرائيلي يشي بهذا الاحباط، و”كل من تحدث مع غانتس تكون لديه انطباع أن الخيار الأكثر واقعية أمامه هو التنحي وعدم خوض انتخابات الكنيست المقبلة”، كما يروي الصحفي الاسرائيلي بن كسبيت بقوله إن خيار التنحي عند غانتس “موجود في مكان مرتفع قياسا بالاحتمالات الأخرى، لأن الانضمام إلى يائير لبيد (رئيس حزب “ييش عتيد”) قد سقط، وأن رون حولدائي (رئيس حزب “الإسرائيليين” الجديد)، لن يفعل ذلك، كذلك بات حزب العمل خارج اللعبة، لأن الاستطلاعات تتوقع ألا يتجاوز عتبة الحسم. لذلك، اقفل غانتس الباب على نفسه، حسب بن كسبيت، فلم يعد امامه سوى التنحي، ففرصة الانضمام إلى تحالف أحزاب اليمين المتطرف “يمينا”، ضاعت مع سؤال وجهته إذاعة إسرائيلية إلى عضو الكنيست متان مهانا، من تحالف “يمينا”، فأجاب عليه بالقول إن إمكانية تحالف غانتس مع “يمينا” هو أمر “واقعي جدا، ولكن بعد الانتخابات”. وبالطبع فإن امر التحالف مع عاموس غلعاد ورئيس حزب “يسرائيل بيتنو” أفيغدور ليبرمان هو ما يمكن اعتباره بالمستحيل.

إقرأ على موقع 180  الكورونا في حيّ دمشقي.. مصدرها اسبانيا

غانتس باتفاقه الفاشل مع نتنياهو لم يطلق النار فقط على رجليه، انما اعاد الى الاذهان ما حصل من قبل مع جنرالات “عاديين” ورؤساء أركان سابقين دخلوا معترك السياسة الإسرائيلية منذ تأسيس دولة الاحتلال في سنواتها الأولى الى اليوم وخرجوا منها خائبين.

لم تعد نظرة “المخلص” الى قادة الاركان الاسرائيلين، كما كانت عليه على مدى العقود الماضية، وهو ما اسّس له إسحاق رابين حين قاد في العام 1974 الانتخابات الداخلية في حزب مباي ضد من كان يعتبر خليفة بن غوريون، اي شيمون بيرس، فتغلب عليه “جنرال حرب حزيران” بفارق 44 صوتا ليصبح بعد عام رئيسا للحكومة خلفا لغولدا مائير، قبل ان يعود ويستقيل في العام 1977 على خلفية ملف فساد متعلق بزوجته. الامر الذي مكن السياسي التاريخي بيرس من التغلب على رابين حتى العام 1992 حيث عاد الاخير الى الحكم بعد استمالته الحزبيين داخل حزب العمل المترهل بسبب اداء العجوز بيرس.

وبرغم استعادة تجربة الحكم من خلال إيهود باراك ثاني رئيس أركان يتمكن من الفوز برئاسة حزب العمل، ومن الفوز برئاسة الحكومة عندما تغلب عام 1998 على بنيامين نتنياهو، وبرغم محاولة العمل استعادة عافيته اثر سقوط باراك عبر الاعتماد على جنرالين سابقين، هما عميرام متسناع وبن إليعزر، إلا أن محاولاته باءت بالفشل. وهو امر حصل ايضا مع الجنرالات الذين انضموا لليكود في السنوات الأخيرة، ومن ضمنهم موشيه يعلون، لم ينجح هؤلاء في إزاحة نتنياهو، أو الوصول إلى رأس الهرم.

من هنا يمكن القول إن فشل تجربة “أزرق أبيض” بقيادة الجنرالين بني غانتس وغابي أشكنازي هو مؤشر إلى تحول ما في المشهد الحزبي الإسرائيلي بعيداً عن الرتب والأوسمة العسكرية بعدما أظهر الجنرالات عدم خبرة في ابرام الصفقات السياسية على المستوى الداخلي، فيكف بالأمر على المستوى الخارجي؟

أزمة الهوية. إشكاليات الأحزاب والسياسة والأمن والمصالح ودهاليزها اضاعت جنرالات اسرائيل، وجل ما يفعلونه انهم يقدمون بدل الاوسمة (الوعود) التي لم تعد المعيار الأساس الموجه للناخب الإسرائيلي. في ظل هذه الأسئلة، عن حال النخبة العسكرية وفشلها سياسيا، نشر الجنرال المتقاعد، غيورا آيلاند، مقالا في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قال فيه “إنه منذ تأسيس إسرائيل تولى 21 جنرالا رئاسة أركان الجيش. 7 منهم لم يدخلوا الحلبة السياسية. وبين الـ14 الآخرين، تولى اثنان – هما إسحاق رابين وإيهود باراك – رئاسة الحكومة، وتولى عشرة آخرون مناصب وزارية، بينهم أربعة توالوا على منصب وزير الأمن، “وهذا نجاح لا يستهان به بالمفهوم الشخصي. وبالمفهوم الأهم، وهو تأثير رؤساء أركان الجيش الذين دخلوا الحياة السياسية على الدولة، المجتمع، السياسة والاقتصاد، لكن النتيجة تثير إعجابا أقل”، متسائلا: “لماذا معظم هؤلاء الذين تولوا أرفع منصب في الجيش الإسرائيلي لم ينجحوا في ترك بصمة في المجال المدني؟”.

النجاح في السياسة “يستوجب قدرة على إبرام الصفقات وقدرة طبيعية على عدم قول الحقيقة”، على حد قول ايلاند، وبما ان السياسة مهنة (الكلام لايلاند) تحتاج الى وقت لتعلم جوانبها، فإن من يكون من الجنرالات ملائماً للجيش “ليس بالضرورة ان يكون لامعاً في السياسة”.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  ثِقل الأوليغارشية الروسية.. إلى "ملاذ تل أبيب" أيضاً