بعد أن استكملت الشركة الألمانية combi lift أعمال إزالة المواد الكيميائية من المرفأ ذهبنا نحو التقارير الإعلامية الخارجية لمعرفة ماذا كان يوجد على أرضنا في لبنان (المرفأ أيضاً)، وبالإستناد أيضًا إلى الصور التي شاركها السفير الألماني في لبنان أندرياس كيندل يمكننا كتابة الآتي:
- ميثيل البروميد CH3Br:
من المواد السّامة جدًا متروكة، بحسب الصور، في مستوعبات مفتوحة لأشهر بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب/ أغسطس دون تحريك، ودون أن نعرف لها من صاحب أو مطالب.
هذه المادة استخدمت سابقًا وبشكل أساسي في عالم الزراعة لتعقيم التربة وكمبيد حشري، ولكن هذا الاستعمال توقف عالميًا نتيجة ضغط الجماعات البيئية، إذ أن سميتها عالية وتأثيراتها سلبية للغاية على طبقة الأوزون فهي تتحلّل ضوئيًا، أي بمجرد أن تطالها أشعة الشمس لتطلق عنصر البروم Br الحر (Free radical) في الجو الذي بدوره يقوم بتفكيك طبقة الأوزون بتفاعل متسلسل خطير للغاية.
كما استعملت سابقًا أيضًا كمواد إطفاء لقدرتها العالية على إخماد النيران، ولكنّ خطرها أكبر بكثير من حسناتها، فهي كما أسلفنا سامة جدًا للبشر والبيئة، على حدّ سواء.
وقد أدخلت الكثير من التشريعات في العديد من دول العالم لتنظيم استعمالها، على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأميركية يمكن استعمال هذه المادة ضمن أجواء مقفلة لا تسمح بتسربها إلى الخارج، أمّا في لبنان فكانت موجودة داخل مرفأ بيروت على شكل عبوات غاز صغيرة، وهذا ما يضاعف من المخاطر بشكل كبير جدًا فكلّ ما مرّ على هذه المنطقة كان يهدّد هذه المرّة لا بقنبلة ذات عصف بل بقاتل صامت لو تسرّب.
ما يُقال عن قنبلة ثانية في المرفأ، فهذا الأمر ليس دقيقًا من وجهة نظر الكيمياء، فالمواد المذكورة في التقارير لا تشكّل في أيّ حال من الأحوال وحدها خطرًا انفجاريًا بل خطرها الأساسي بيئي بامتياز، فأيّ تسرّب لما سبق من محتويات باتجاه مياه البحر سيؤدي إلى كارثة بيئية على مستوى الحوض الشرقي للمتوسط
- حمض الهيدروفلوريك HF:
من المواد التي تسبّب الضرر الشديد تقريبًا لكل ما يمسّ بها، فهي ستسبب تآكل المعادن، حريق الأخشاب، وحتى تفتّت الزجاج ولا تحفظ إلّا بقوارير بلاستيكية خاصة، أمّا ملامستها للجسم البشري فهنا أصعب المشاكل ستقع، لا لأنّها حمضيّة أبدًا بل أساس قوتها مستمدّ من عنصر الفليور F– المدمّر لكلّ ما هو عضوي، فهذه المادة تحديدًا هي المتهمة بإخفاء جثة صحافي شهير في السّنوات الماضية، فمن شاهد مسلسل “برايكينغ باد” سيعرف بالتحديد عن ماذا نتكلّم هنا، ولكن لن ندخل هنا في حيثيات القضية لأنّ موضوعنا علمي بحت.
وعليه، يمكن القول أنّه لو تسرّبت هذه المادة إلى الجو مع انفجار المرفأ لكانت الإصابات ستكون أشد بطريقة لا توصف لأنّها ستؤدي أقلّه لحالات اختناق شديدة نتيجة لاحتراق الجهاز التنفسي، فالمعروف عنها أنّ 50 ملم منها كافٍ لقتل إنسان، فماذا لو انتشرت يوم الإنفجار؟
وبالفعل ما عُرض من صور على الشاشات لمستوعبات متآكلة يؤكّد وجود هكذا مواد متروكة لعقود بحسب تقارير الشركة الألمانية، نعم لعقود دون مراجعة أو تدقيق أو متابعة، ما دفع الدولة اللبنانية اليوم لدفع مبلغ مليوني دولار، في عزّ الحاجة لكلّ سنت، إلى شركة ألمانية للقيام بأعمال التنظيف والاحتواء لهذه المستوعبات الخطرة، ومن ثمّ نقلها إلى ألمانيا لتدمير هذه المواد هناك.
أمّا ما يُقال عن قنبلة ثانية في المرفأ، فهذا الأمر ليس دقيقًا من وجهة نظر الكيمياء، فالمواد المذكورة في التقارير لا تشكّل في أيّ حال من الأحوال وحدها خطرًا انفجاريًا بل خطرها الأساسي بيئي بامتياز، فأيّ تسرّب لما سبق من محتويات باتجاه مياه البحر سيؤدي إلى كارثة بيئية على مستوى الحوض الشرقي للمتوسط، وهذا ما يفسر إندفاعة الحكومة الألمانية لأجل الحفاظ على ما تبقى من البحر المتوسط الذي أصبح لبنان بإدارته يشكّل عبئًا عليه وعلى التنوع البيئي فيه.