باراك على رأس أكبر “فرقة إعدام” في بيروت..ماذا حصل في فردان؟ (28)

في الحلقة الثامنة والعشرين من كتابه "إنهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية"، يشرح الكاتب "الإسرائيلي" رونين بيرغمان فصلاً جديداً من فصول "عملية فردان" التي أودت بحياة القادة الفلسطينيين الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار، في بيروت، رداً على عملية ميونيخ التي نفذتها "منظمة أيلول الأسود".

ينقل الكاتب رونين بيرغمان عن أحد ضباط قائد وحدة “سيريات ميتكال” إيهود باراك (أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء ولحزب العمل) قوله إنه عندما طلب رئيس اركان الجيش “الاسرائيلي” حينذاك الجنرال ديفيد اليعازر منه المساعدة في التخطيط لعملية قتل القادة الفلسطينين الثلاثة في بيروت، “إرتسمت على وجهه (باراك) نظرة رضا كالنظرة التي ترتسم على وجه طباخ يبدأ بالعمل على طبخ طبق إستثنائي”.

تفقد باراك المعلومات الإستخبارية الأولية وخريطة بيروت وخطة المائة جندي التي قدّمها الجيش والتفت إلى اليعازر، وقال “سيدي هذه ليست خطة جيدة، فقوة بهذا الحجم تدخل بيروت ويمكن أن تمضي وقتاً طويلاً لتنفيذ عملها في صف الناس على الطريق لإنتقاء الأهداف من بينهم وقتلها يمكن أن تتورط بإشتباك ناري ويمكن أن يكون لديها عدد كبير من الإصابات والضحايا من جانبنا كما من الجانب الآخر ومن المدنيين أيضاً”. سأله اليعازر “كيف تنفذ هكذا عملية أنت؟”  فأجاب باراك “ما أن نتأكد أن الأهداف الثلاثة في منازلهم، ندخل المدينة بقوة صغيرة لا يتجاوز عديدها الخمسة عشر عنصراً تتجه مباشرة إلى شقق الأهداف، فتقتحمها وتقتلهم كلهم خلال دقائق قليلة. ومع التخطيط والأدوات الصحيحين والتدريب المناسب، بإمكاننا الدخول والخروج قبل أن يتمكن العدو من إرسال قوات إضافية إلى مسرح العملية، وفي الوقت الذي يتحقق العدو مما حصل، نكون قد إختفينا. أهم عامل في نجاح العملية هو عنصر المفاجأة”. إبتسم اليعازر وأعطى لباراك الضوء الأخضر للبدء بالتخطيط للعملية.

أنجز التصميم الأولي لخطة عملية “ربيع الشباب-الغارة على بيروت” خلال أيام قليلة، وتضمنت قيام وحدة الكوماندوس البحري “فلوتيلا 13” بنقل القوة المغيرة إلى أحد شواطىء بيروت حيث يكون بإنتظارها عملاء ميدانيون لوحدة “قيصرية” مع سيارات مستأجرة يقومون بنقل القوة إلى شارع فردان حيث تفاجىء القادة الثلاثة في منازلهم وتقتلهم وتتسلل عائدة إلى “إسرائيل”، في الوقت نفسه، تقوم مجموعات كوماندوس أخرى بتشتيت الإنتباه عبر مهاجمة أربعة أهداف مختلفة في لبنان. وبدا واضحاً أنه بعد هكذا عملية سيكون من الصعب تنفيذ عملية أخرى، لذلك أراد “الإسرائيليون” قتل أكبر عدد ممكن من القادة خلال هذه العملية.

يقول رونين بيرغمان إن الخطة كانت تمريناً معقداً يتضمن التنسيق بين وحدات عسكرية وإستخبارية مختلفة، لذلك، أشرف أليعازر شخصياً على عمليات التدريب وأعرب عن قلقه من “أن مجموعة من الرجال يتحركون في منتصف الليل في شوارع بيروت. لذلك، أقترح أن يرتدي بعض هؤلاء الرجال ثياب نسائية للتمويه، ومن شأن ذلك أيضاً أن يعطيهم الفرصة لحمل المزيد من الأسلحة”، قال أليعازر مع إبتسامة على وجهه.

ينقل بيرغمان عن ضابطين هما أميتاي ناهماني وأميت بن هورين قولهما إن وحدتهم لم تنشأ لتكون فرقة إعدام وأنهما لا ينويان أن يتحولا إلى قتلة وفشل باراك في إقناعهما، فطلبا مقابلة السلطات العسكرية العليا، فأمّن باراك لهما لقاء مع رئيس الأركان أليعازر نفسه الذي إستطاع إقناعهما بأن هذه العملية تهدف إلى قتل من يسيل الدم اليهودي بأعماله الإرهابية وأن من واجب الجيش أن يرد بقوة، فإقتنعا بشرحه وكلفا بقيادة الوحدة المهاجمة.

إنطلقت واحدة من أكبر عمليات القتل المتعمد في القرن العشرين إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، شارك فيها 19 قارباً مطاطياً ممتلئين بالجنود من ضمنهم 20 عنصراً من وحدة “سيريات ميتكال” و34 عنصر كوماندوس بحري و20 عنصراً من القوات المظلية وكل هؤلاء من جنود النخبة كانوا مدعمين بقوة قوامها ثلاثة آلاف عنصر

وفيما كانت الوحدات المكلفة بالعملية تواصل تدريباتها، كان “الموديل” (الإسم السري لكلوفيس فرنسيس أحد أهم عملاء “أمان” و”الموساد” في تاريخ عمل الجهازين في لبنان) والجاسوسة “يائيل” (لم يسمح سوى بنشر إسمها الأول وهي أميركية يهودية مولودة في كندا وتطوعت بعد حرب الأيام الستة لـ”خدمة دولة إسرائيل”) يواصلان عملهما الإستطلاعي في بيروت، فاختارت “يائيل” الموقع المناسب للإنزال، وهو شاطىء “فندق ساندز” (منطقة السان سيمون) الذي يمنع الدخول إليه إلا لنزلاء الفندق بالإضافة إلى قربه من مرآب للسيارات. بعدها كانت هذه الشابة الجميلة (“يائيل”) تتنقل في الشوارع المحيطة بالهدف، وهي تلبس تنورة قصيرة وتضع نظارات شمسية وتحمل حقيبة تصور عبر الكاميرا الخفية فيها كل الشوارع التي ستجتازها القوة المغيرة والشاطىء ومقر الهاتف العمومي الذي قد تضطر القوة المغيرة لتفجيره كي لا يتصل أحد عبره بالشرطة والمباني في شارع فردان ونواطير الأبنية.

كما نقلت “يائيل” معلومات عن مخفر الشرطة القريب الذي كان يبعد حوالي ستمائة متر فقط عن المباني المستهدفة وعن دوريات الشرطة التي كانت تجوب الحي وكم من الوقت تحتاج للوصول إلى المباني المستهدفة. وقبل أن يتم إبلاغ رئيس الأركان أن القوة باتت جاهزة للتنفيذ، طلب قائد قوات المشاة والقوات المظلية العميد ايمانويل شاكيد، وهو المسؤول عن العملية أن يلتقي شخصياً بأفراد وحدة “قيصرية” الذين سيتولون قيادة جنوده من وإلى الشاطىء في بيروت.

هنا، ينقل الكاتب رونين بيرغمان عن شاكيد قوله إن اللقاء “كان كارثياً”، فقد طلب منهم أن يقدموا أنفسهم وأن يصفوا تجاربهم العسكرية السابقة ومتى كانت آخر مرة حمل كل منهم بندقية في يده وجاءت إجاباتهم لتبث الذعر في قلبه عندما أجاب معظمهم أنهم لم يحملوا سلاحاً في حياتهم. فقط نال عدد قليل منهم تدريباً أولياً في الجيش وحتى هؤلاء يفتقدون إلى أية مهارات قتالية. فإنفجر شاكيد غاضباً وتوجه إلى رئيس “الموساد” زامير قائلاً “أخرِج عصافيرك فوراً من هذه الغرفة”، وقال لمايكل هراري (قائد وحدة قيصرية) “لست مستعداً أن أدع هذه العملية تمضي قدماً بهؤلاء الرجال الذين يفتقرون للمهارات القتالية”. فرد هراري غاضباً “لو كان هؤلاء جنود قتال لما كنا بحاجة لجنود الجيش”. فتدخل عندها أليعازر وحسم النقاش لمصلحة المضي بالعملية.

يتابع الكاتب، في السادس من أبريل/ نيسان (1973)، طار ستة عملاء ميدانيين من وحدة “قيصرية” إلى بيروت من عدة مطارات أوروبية حاملين جوازات سفر مزورة ألمانية وبلجيكية وبريطانية، ونزلوا كل لوحده وفي أوقات مختلفة في “فندق ساندز” وإستأجروا سيارات أميركية الصنع وركنوها في مرآب الفندق، وبعد ظهر يوم التاسع من أبريل/ نيسان، تم نقل جنود الجيش المكلفين بالعملية بحافلة إلى القاعدة العسكرية البحرية في حيفا.

وفي آخر لقاء لهؤلاء الجنود مع العميد شاكيد، قال لهم “لا تطلقوا النار على الهدف وتغادروا بل غادروا الشقة فقط بعد أن تتأكدوا أن الهدف لن ينهض مرة ثانية”.

عند الساعة الرابعة فجراً، وفيما كان البحر الأبيض المتوسط هادئا، كانت ثماني قوارب “إسرائيلية” سريعة تتجه شمالاً على بعد 12 ميلاً من بيروت أطفأت محركاتها وفي الخامسة فجراً كانت “يائيل” على موعد مع عملاء وحدة “قيصرية” في فندق فينيسيا حيث أكدت لهم أن الأهداف الثلاثة في منازلهم فأرسل العملاء عبر أجهزة اللاسلكي رسالة تقول “العصافير في أعشاشها”.

عندها إنطلقت واحدة من أكبر عمليات القتل المتعمد في القرن العشرين إن لم يكن أكبرها على الإطلاق ـ يقول رونين بيرغمان ـ إذ شارك فيها 19 قارباً مطاطياً ممتلئين بالجنود من ضمنهم 20 عنصراً من وحدة “سيريات ميتكال” و34 عنصر كوماندوس بحري و20 عنصراً من القوات المظلية وكل هؤلاء من جنود النخبة كانوا مدعمين بقوة قوامها ثلاثة آلاف عنصر في جهوزية كاملة للتدخل عند الضرورة، وكان كل قادة أجهزة الإستخبارات مستنفرين في مقر جهاز “أمان” في تل أبيب، فيما كان سلاح البحرية أيضاً في حالة إستنفار قصوى.

عندما وصلت القوارب إلى الشاطىء اللبناني، حمل جنود وحدة “فلوتيلا 13” الجنود المكلفين بتنفيذ الغارة كي لا يتبللوا بالماء إلى الشاطىء الجاف مع إعطاء إهتمام خاص للجنود المتنكرين بأزياء نسائية، وكان عملاء “الموساد” بإنتظارهم في مرآب السيارات في الفندق مع السيارات المستأجرة. وكان باراك نفسه متنكراً بزي إمرأة يجلس في المقعد الأمامي لإحدى السيارات الثلاث، فأعطى الأمر بالإنطلاق، لكن شيئاً لم يحصل، فقد كان السائق من عملاء “الموساد” يتعرق وكل جسمه يرتجف، فظن إيهود باراك أنه إما مريض وإما مصاب، لكن الحقيقة هي أنه كان خائفاً إذ قال لباراك “لم أكن يوماً في مكان يحصل فيه إطلاق نار وقد رأيت رجلي شرطة في الشارع المستهدف يحملان بنادق آلية حربية”، فهدّأ باراك من روعه، وقال له إنه لن يكون هناك أي إطلاق نار، مُكرراً الأمر بالإنطلاق. فدخلت السيارات الثلاث شارع الرملة البيضاء الذي يقع على بعد حيين من المباني المستهدفة، فخرج الفريق من السيارات، وبدأ بالسير نحو الهدف كل رجل و”إمرأة” على حدة. كانت الساعة قاربت الحادية عشرة ليلاً، وكان لا يزال عدد قليل من الناس في الشارع. هناك رجلا شرطة مسلحين يحاولان التخلص من الملل بتدخين سيجارة ولا يعيران إنتباهاً إلى الأزواج المارين قربهم، كان أحد عناصر الوحدة موكي بيتسر يلف ذراعه حول باراك وكأنهما زوجين رومانسيين في كزدورة مسائية، فهمس بيتسر لباراك قائلاً “كل هذا يذكرني بروما”!

نهض أبو يوسف النجار من نومه عند سماع الإنفجار وخرج من غرفته لكنه ما أن أدرك ما يحصل حتى حاول أن يحتمي في غرفة أخرى، فقام بيتسر برش باب الغرفة بوابل من الرصاص ما أدى إلى مقتل النجار وزوجته، أما كمال ناصر، فقد إختبأ تحت سريره ومسدسه في يده وقد تمكن من إطلاق النار منه وإصابة أحد الجنود في قدمه، لكن الجنود قلبوا السرير وأمطروه بوابلين من الرصاص

يواصل بيرغمان سرده: كان أبو يوسف النجار نائماً في مسكنه في أحد المباني وفي المبنى الثاني كان كمال عدوان وكمال ناصر نائمين في مسكنين منفصلين وعند مدخل المبنيين إنفصل الرجال عن النساء ليشكلوا ثلاث مجموعات تتجه كل واحدة منها إلى أحد الأهداف بأمرة باراك ومن ضمنهم طبيب كانت مهمته مراقبة الشارع.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل تُدمّر منشأة دير الزور.. بمصادقة البيت الأبيض (121)

كان حراس القادة الفلسطينيين الثلاثة نائمين في سياراتهم، فلم يشعروا بالجنود يتسلقون السلالم. وعندما وصلت المجموعات الثلاث كل إلى هدفها ووضعت عبوة صغيرة على قفل الباب، قام قائد كل مجموعة بالطرق ثلاث مرات على جهاز الإرسال الذي في يده وعندما سمع باراك الطرقات الثلاث من قادة المجموعات الثلاث، أجاب هو نفسه بالطرق على جهازه خمس مرات، ما يعني الأمر بالمباشرة بالتنفيذ، وفي الوقت نفسه، أعطى الإشارة إلى شاكيد ليعطي الأمر بالبدء بتنفيذ هجمات في أنحاء أخرى من لبنان.

يقول بيرغمان إن سيدة في منزل أبو يوسف النجار سمعت خطى الجنود على السلالم، فنهضت ونظرت من عين الباب لترى ما يحصل فقتلت بإنفجار العبوة الصغيرة على الباب. عندها نهض أبو يوسف النجار من نومه عند سماع الإنفجار وخرج من غرفته لكنه ما أن أدرك ما يحصل حتى حاول أن يحتمي في غرفة أخرى، فقام بيتسر برش باب الغرفة بوابل من الرصاص ما أدى إلى مقتل النجار وزوجته، أما كمال ناصر، فقد إختبأ تحت سريره ومسدسه في يده وقد تمكن من إطلاق النار منه وإصابة أحد الجنود في قدمه، لكن الجنود قلبوا السرير وأمطروه بوابلين من الرصاص، وفي الشقة الثالثة، خرج كمال عدوان من الباب وهو يحمل رشاش كلاشنكوف بيديه ليفاجأ برجل وإمرأة أمامه، فتردد في إطلاق النار، ما كلفه حياته لأن الجنديين المتنكرين بزي رجل وإمرأة اطلقا نيران رشاشات العوزي التي كانت مخبأة تحت ثيابهما.

يتابع الكاتب بيرغمان أنه في ذلك الوقت، كان أحد حراس القادة نائماً في سيارة “رينو دوفين” لكنه إستيقظ على أصوات الإنفجارات على ما يبدو وخرج من السيارة شاهراً مسدسه فأرداه باراك على الفور بمسدس مزود بكاتم للصوت ولكن إحدى الطلقات أصابت سيارة متوقفة في الشارع، فأطلقت العنان لبوق الإنذار فيها، ما أدى إلى إيقاظ الجيران، فإتصل بعضهم بالشرطة التي أرسلت عناصرها من المخفر القريب في شارع فردان في الوقت الذي كان الجنود يبحثون في الشقق المداهمة عن وثائق مهمة قبل أن يبدأوا بالمغادرة على عجل، وكادوا أن ينسوا خلفهم يوناتان نتنياهو، شقيق بنيامين نتنياهو، ليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع رجال الشرطة. وقف الضابط ليفين في منتصف الشارع ولا يزال الشعر الأشقر الأنثوي المستعار على رأسه، وبدأ يطلق نيران رشاشه العوزي ذات اليمين وذات اليسار فيما أخذ باراك يطلق النار بإتجاه رجال الشرطة، وقام بيتسر بإطلاق النار نحو سيارة جيب بداخلها أربعة من رجال الشرطة ومن ثم رمى نحوها قنبلة يدوية أدت الى مقتل ثلاثة من ركابها، فيما أصيب السائق بجروح طفيفة حيث رأته “يائيل” من نافذة شقتها المطلة على مسرح العملية وهو يجلس على الرصيف لفترة طويلة قبل نقله إلى المستشفى. تمكنت مجموعة القتل من صد رجال الشرطة فيما تجمع الجنود وإنطلقوا بالسيارات المستأجرة في طريقهم عائدين إلى شاطىء الأوزاعي، وعندها وجه باراك نداءه عبر جهاز الإرسال منادياً رجال الكوماندوس البحري لنقله وجنوده. ويقول بيرغمان إنه على الرغم من الفوضى العارمة التي واكبت العملية، بقي باراك محافظاً على هدوئه، وينقل عنه قوله “كنت أنظر بدهشة إلى تلك الطرقات، فلم أكن في حياتي أبداً في مثل تلك الشوارع الرائعة ولم أشاهد في حياتي منازل وأبنية بمثل هذا الجمال. كانت أبنية وشققاً لم نعهد مثيلاً لها في إسرائيل”.

في غضون ذلك، كانت مجموعة أخرى من المظليين تشن هجوماً في موقع آخر في بيروت (لم يسمه الكاتب) لكنها كانت أقل حظاً، فقد قتلوا حراس مبنى يشكل مقراً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لكنهم لم ينتبهوا إلى موقع حراسة آخر تمكن أحد عناصره من إطلاق نيران رشاشه على القوة المهاجمة متسبباً بإصابة ثلاثة من أفرادها بجروح بالغة، تم إخلاء إثنين منهم نحو السيارات أما الثالث، ييغال برسلر، الذي كان مصاباً بأربع عشرة رصاصة، فقد حمله أحد رجال الكوماندوس البحري وأخذ يجري به نحو السيارة، فظن الحارس الفلسطيني أن برسلر كان فلسطينياً فهبّ لمساعدته متعاوناً مع رجل الكوماندوس فسقط الثلاثة على مطب بالشارع وكانت إحدى أذرع برسلر قد شُلت بالكامل، لكنه تمكن من تلقيم مسدسه بأسنانه، فهرب الفلسطيني بعد أن أدرك الواقع، فطارده الكوماندوس، ما جعل برسلر يظن أنه تُرك وحيداً ففكر بأن يفجّر نفسه بقنبلة يدوية كان يحملها لكن الكوماندوس عاد إليه وحمله إلى السيارة، فيما كانت تسمع أصوات إنفجارات وأعيرة نارية في كل الأرجاء.

ويضيف الكاتب بيرغمان أنه بدل الإنسحاب فوراً، فإن قائد الوحدة آمون ليبكين شاحاك، وبهدوء تام، أدى إلى حصوله لاحقاً على تنويه رئيس الأركان، أمر رجاله بمواصلة العمل في مهمتهم بزرع المتفجرات في المبنى المستهدف (للجبهة الشعبية). وينقل بيرغمان عنه قوله “أصعب اللحظات التي عشتها لم تكن خلال الإشتباك الناري، بل كانت عندما رجعنا إلى السيارات وتفاجأت أن السيارة التي تقل الجرحى لم تكن هناك”. فقد كان هو ورجاله ومن ضمنهم برسلر المصاب بجروح خطيرة عالقين في قلب بيروت ومعهم فقط سيارتين، أما السيارة الثالثة التي كان يقودها عملاء وحدة “قيصرية” مع إثنين من الجنود المصابين إصابات حرجة قد إختفت وأجهزة اللاسلكي لم تكن تعمل ولم يؤد البحث السريع إلى إيجادهم.

“لقد كان أمراً مثيراً للقلق”، ينقل بيرغمان عن آمون شاحاك قوله، إذ أنه لم يكن يريد الإنسحاب من دون معرفة مصير جنوده المصابين ولكن لم يكن لديه خيار آخر، فأمر جنوده بأن يتكدسوا في السيارتين المتوفرتين والإنطلاق إلى الشاطىء، وما أن إنطلقت بهم السيارات حتى سمعوا صوت إنفجار ضخم ورأوا المبنى الذي فخّخوه ينهار وعلموا لاحقاً أن 35 من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قتلوا في هذا الإنفجار الضخم، حسب الرواية الإسرائيلية.

(*) الحلقة 27: الجاسوسة “يائيل” ترصد أنفاس القادة الفلسطنيين الثلاثة

(*) الحلقة 29 المقبلة: كيف إنسحبت فرقة باراك من بيروت؟

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  «الأشباح» الإسرائيلية VS أشباح "الرضوان"؟