لبنان: 50% تلقيح “خارج المنصة”.. المناعة المجتمعية بعيدة!

كأنّ الدراسات المتعلّقة بفيروس كورونا المستجد لا تريد أن تتوقف عن مباغتتنا كلّ يوم بل كلّ ساعة بجديد، فلا معلومة ثابتة حتى الآن، وهذا ديدن العلوم، كلّ شيء قابل للنقض والنقد، سعياً للتطوير وتقديم الأفضل للبشرية.

بدأت حملات التلقيح في لبنان، فعليًا بعد طول انتظار، ولكنّها كأيّ أمر آخر في بلادنا تمشي والفوضى ترافقها.

وبعد أن وعدت وزارة الصحة اللبنانية بالالتزام بالشروط التي وضعتها لناحية الأولويات، لم يكن خافيًا أبدًا في الإعلام “التمريقات” التي حصلت طبعًا تحت حجة أنّ فلان وفلانة من العاملين على “الخطوط الأولى”، أو ربطاً بنفوذ هذه المرجعية أو تلك، خصوصاً أن بعض الفاعلين والمؤثرين في “الحملة” لديهم طموحات وحسابات وزارية وسياسية، تركت “بصمتها” في إستنسابية نافرة وغير مخفية في حالات عديدة.

وما يثير الخوف فعليًا عندنا هو المجتمع العلمي المفترض به أن يكون أول متقدمي صفوف الشعب لتلقي اللقاح، فنسمع على سبيل المثال لا الحصر أنّ عددًا من الأطباء والممرضين رفضوا أخذ اللقاح الآن. هنا نسأل بكلّ تجرّد وموضوعية: أي رسالة ترسل إلى هذا الشعب اللبناني المتعب؟ ماذا ننتظر؟ ألسنا في إقفال تم نتيجة لصوت الأطقم الطبية العالي أنّنا في أشد حالات الخطر؟

وقد أثار مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت نقاطاً مهمة، بينها الناس الذين يجب أن يشملهم اللقاح في المرحلة الأولى، ووتيرة التلقيح البطيئة، فأشار إلى حصول 25 الف شخص على اللقاح في الاسبوع الاول، حسب وزارة الصحة، وهم يشكلون 0.52 % من السكان المستهدفين اذا قدرنا ان 70% من السكان المُستهدف تلقيهم اللقاح هم 4.8 مليون شخص للوصول إلى المناعة المجتمعية، حسب توصيات الخبراء. وعلى هذه الوتيرة، اي بمعدل 3571 لقاح في الأسبوع لن يتمكن لبنان من الوصول الى جرعتين لـ 70% من السكان قبل 15 حزيران/ يونيو 2025 اي بعد 4 سنوات و4 اشهر، حسب المرصد.

لن يصل اللقاح الروسي “الرفيق سبوتنيك 5” إلى لبنان إلّا بقرار سياسي، الذي إن وجد سنصبح لربما منصة توزيع على مستوى المنطقة.. وإلا سنبقى في حالة انتظار فتات “فايزر” و”أسترا زينيكا” ورفاقهم

وإذ أشار المرصد إلى أن أكثر من 50% من الذين تم تلقيحهم لم تكن أسماءهم مسجلة على المنصة، إعتبر أن التحدي الأساس هو زيادة أرقام المسجلين على المنصة، “إذ وصل الرقم حتى يوم امس (الأحد) الى 673،383 اي 14% من المستهدفين”، وقدم مجموعة إقتراحات أبرزه إطلاق حملة “دبلوماسية اللقاح” من قبل وزارة الخارجية والهيئات الاغترابية للحصول على لقاحات خلال الاشهر القادمة من مصادر مختلفة كالصين وروسيا والهند.

اللقاحات الشرقية والغربية!

في ما يتعلّق باللقاحات الأخرى المفترض وصولها إلى لبنان، فتنقسم إلى قسمين:

الأول: اللقاحات الآتية من الغرب عبر قرض البنك الدولي ومنصة كوفاكس covax التي يبدو وكما توقع الجميع أنّها لن تتوافر بالكميات المطلوبة، فكلّ الدول شغلت مقدراتها للسيطرة على العدد الأكبر من الجرعات قبل غيرها ما سيدفع بالدول الأفقر، كحالنا، للإنتظار طويلًا.

الثاني: اللقاحات الآتية من الشرق وتحديدًا روسيا لأنّ الصين لا تريد إرسال أيّ لقاح لدول لم تتعاون معها في مرحلة الأبحاث، إلا عن طريق إحدى هذه الدول، كما حصل مثلاً مع العراق عبر الإمارات، أو كما كان سيحصل مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عبر الإمارات أيضاً.

بكلمات قليلة؛ لن يصل اللقاح الروسي “الرفيق سبوتنيك 5” إلى لبنان إلّا بقرار سياسي، الذي إن وجد سنصبح لربما منصة توزيع على مستوى المنطقة.. وإلا سنبقى في حالة انتظار فتات “فايزر” و”أسترا زينيكا” ورفاقهم..

ثلاجة المنزل تحفظ اللقاح؟

دولياً، وبعد أن كانت شركة “فايزر ـ بيونتيك” قد أعلنت منذ إطلاقها للقاح الأجدد لناحية التقنية المستعملة فيه، أنّه بحاجة إلى درجات حرارة فائقة البرودة، كي يبقى فعالًا، عادت وتقدّمت الأسبوع الماضي بطلب تعديل هذا الأمر لدى وكالة الدواء والغذاء الأميركية، فخفضت درجة حرارة حفظ اللقاح من -70 مئوية إلى -15 مئوية، وهذا ما سيخفف من الصعوبات اللوجستية في التعامل معه ويزيد من عدد مراكز التوزيع بسبب توافر هكذا نوع من الثلاجات بشكل أكبر بكثير من الأولى، فثلاجات المنازل تبلغ درجة حرارتها -18 مئوية، بالتالي قد تتمكن الشركة لاحقًا من توزيع لقاحها بصورة أكبر عبر الصيدليات لمكافحة الجائحة بشكل أفعل، طبعًا في حال توفر الإنتاج الذي يبقى المشكلة الأكبر.

السيطرة لن تكون إلّا بالإجراءات الوقائية وتحقيق نسبة عالية من التلقيح تتخطى الـ 70%، كما يجري في إسرائيل، وحتماً ليس كما يجري في لبنان!

كما تقدّمت دراسات جديدة تتعلّق باللقاح نفسه زادت من الفترة المطلوبة بين جرعتي اللقاح من 21 يومًا (3 أسابيع) حتى 24 أسبوعًا (4 أشهر)، بعدما أثبتت عمليات التلقيح أنّ الجرعة الواحدة من هذا اللقاح أعطت فعالية وصلت إلى 92%، ولكن لا بدّ من الجرعة الثانية لتغطية أي متغيّر يطرأ على الفيروس خلال الفترة الفاصلة، برغم إستمرار النقاش حول ما إذا كانت جرعة واحدة كافية من لقاح “فايزر”.

إقرأ على موقع 180  تهمة الخيانة تُشهر في وجه المعارضين السديريين: تمهيد لتنحي سلمان؟

طبعًا هنا يجب التأكيد على أنّ ما سبق من معلومات لا يعود أبدًا لقصور علمي أو معلوماتي، بل لأنّ الدراسات عالميًا في سباق كبير مع الفيروس الذي يصيب أعدادًا كبيرة من الناس ما يتيح جمع المعلومات بطريقة أكبر وأفعل، كما أنّ ما تقوم به بعض الدول من حملات تلقيح كبيرة وطموحة ساعد في توافر داتا كبيرة من المعلومات من وحي النتائج.

المزج بين اللقاحات

بالإضافة لما سبق، أطلقت أبحاث للتأكد من فكرة المزج بين اللقاحات على مستوى الجرعتين لا الجرعة الواحدة، فتكون بالتالي كلّ واحدة منهما تنتمي لعائلة من اللقاحات المتاحة حيث وجدت الأوراق البحثية الأوّلية أنّها تزيد من فعالية ردة المناعة ضد الفيروس، وعليه تمّ إعطاء المتطوعين لقاح فايزر (الجيل الثالث) أولًا ثمّ لقاح “أسترا زينيكا” (الجيل الأول).

هذه الدراسة في حال نجاحها، ستؤدي ايضًا للتخفيف من المزاحمة على منتج واحد، ما سيتيح تلقيح أعداد أكبر من الناس من دون انتظار توفر الجرعات من جهة واحدة (شركة أو دولة) فقط.

المناعة المجتمعية والفيروس

لا بدّ من الذكر هنا أنّ الإجراءات الوقائية أساسية ولا مفرّ منها أقلّه حتى نهاية هذا العام، فكلّ تفلت وانتشار للمرض بين الناس لا يؤدي لتعميم مناعة مجتمعية في وقت قياسي بل على العكس سيؤدي إلى ظهور سلالات جديدة من الفيروس قد تكون مقاومة للقاحات، فتكاثره في الأجساد المصابة يؤدي بطبيعة الحال إلى تراكم الطفرات عليه ما يوصل لأمور لا تحمد عقباها، وهو ما حصل فعلًا في البلدان التي تركت الانتشار على حاله من دون ضوابط كبريطانيا (الذي يسيطر المتحوّر الخارج من أراضيها الآن على العدد الأكبر من الإصابات عالميًا) والبرازيل وجنوب أفريقيا ونيجيريا. بالتالي السيطرة لن تكون إلّا بالإجراءات الوقائية وتحقيق نسبة عالية من التلقيح تتخطى الـ 70%، كما يجري في إسرائيل، وحتماً ليس كما يجري في لبنان!

Print Friendly, PDF & Email
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  من بشارة الخوري إلى شارل حلو.. الزمن الرئاسي الجميل!