أول إختبار لبايدن.. رسالة صاروخية كورية في بحر اليابان!

اطلقت كوريا الشمالية اليوم (الخميس) صاروخين بالستيين سقطا في بحر اليابان التي أكدت سقوطهما خارج مياهها الدولية وخارج منطقتها الاقتصادية الخالصة، اي على بعد اكثر من مائتي ميل من الشواطىء اليابانية.

لم يأت هذا التطور من فراغ. قبل ذلك بيومين، اطلقت كوريا الشمالية صاروخين من طراز “كروز” المتوسط المدى سقطا في البحر الاصفر. الولايات المتحدة لم تضعهما في خانة “العمل الإستفزازي” لأن العقوبات الدولية على كوريا الشمالية لا تشمل صواريخ “كروز” بل الصواريخ البالستية. بهذا المعنى، يُعتبر إطلاق الصاروخين البالستيين “خرقاً واستفزازاً”، لكل من الولايات المتحدة وحليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية .

ما هي ظروف واهداف اطلاق الصاروخين؟

أولاً، هناك غضب كوري شمالي من اقدام ماليزيا على تسليم مواطن كوري شمالي موقوف بتهمة تبييض الاموال إلى الولايات المتحدة. على الفور، قررت بيونغ يانغ قطع علاقاتها الديبلوماسية مع ماليزيا.

ثانياً، عقد الرئيس الاميركي جو بايدن قمة افتراضية لمجموعة “الكواد” الرباعية التي تضم الى الولايات المتحدة، كلاً من الهند، اليابان واستراليا، كما زار وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن اليابان وكوريا الجنوبية فيما زار وزير الدفاع لويد اوستن الهند واجروا محادثات تنسيقية في مواجهة الصين. هذه الاجتماعات والجولات هدفها التشدد مع الصين والتضييق عليها في منطقة شرق اسيا الباسيفيكي.

ثالثاً، وصف الرئيس الاميركي نظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ”القاتل” وتعمدت الناطقة بلسان البيت الابيض تأكيد كلام بايدن وعدم التراجع عنه مما يشير الى إعتماد لغة أميركية حازمة مع روسيا.

رابعاً، إنتهى الاجتماع الأميركي الصيني الذي عقد في الاسكا، برئاسة وزيري خارجية البلدين، وهو الأول بينهما، بعد وصول بايدن، إلى فشل واضح بدليل عدم التوصل إلى بيان مشترك.

خامساً، كانت زيارة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الى بيجينغ لافتة للإنتباه بتوقيتها ومضمونها، ولا سيما دعوة الوزير الروسي إلى التعامل بالعملات الوطنية وليس بالدولار الأميركي، وهذا الاقتراح يقض مضاجع “الاستابلشمنت” في الولايات المتحدة الاميركية. من الثابت ان سياسة ادارة بايدن في التشدد مع موسكو وبيجينغ كانت الطبق الاساس على مائدة المحادثات بين لافروف ونظيره الصيني وانغ جي.

هذه المرة جرى إستفزاز الولايات المتحدة علناً وكأن الرئيسين الروسي والصيني يقولان لبايدن:”تعال والعب مع كوريا الشمالية وكف عن اللعب معنا”!

سادساً، لا تفصح كل من روسيا والصين عن حقيقة علاقة كل منهما بكوريا الشمالية. لا علاقات ظاهرة ولا لقاءات ولا اي تنسيق سياسي او عسكري. كلاهما تقدم الزعيم الكوري الشمالي كيم جون اون بوصفه يشكل حالة خاصة، مستقلة، مارقة. لا يتشاور كيم جون أون مع احد، جرأته تصل أحياناً إلى حد التهور. وقفت الدولتان الروسية والصينية ضده في مجلس الأمن في أحيان كثيرة، وفي احسن الاحوال، كانتا تلتزمان الصمت!

سابعاً، منطق الامور يحتم وجود علاقة ما بين بيونغ يانغ وكل من موسكو وبيجينغ، خصوصاً في ظل ما حققته كوريا الشمالية من تقدم كبير في تكنولوجيا الصواريخ والتكنولوجيا النووية. تركت روسيا والصين امر معالجة وضع كيم جون اون إلى الولايات المتحدة وحليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية. الحليفة الاولى لواشنطن ذاقت عام 1945 طعم الحرب النووية ولا تريد تكرارها والحليفة الثانية تدرك ان اي نزاع مسلح سوف يرتد سلباً على اسطورة التنمية الكورية الجنوبية التي تم تحقيقها في  العقود الاخيرة.

ثامناً، جرّب دونالد ترامب ان يربح كيم جون اون بالتهديد والتهويل، ولقبه بـ”الرجل الصاروخ”، لكن الأخير رد عليه بعنف. عندها لجأ ترامب الى الدبلوماسية فاجتمع بالزعيم الكوري الشمالي في سنغافورة في 12 حزيران/ يونيو 2018، ثم في هانوي (فيتنام) في 27 شباط/ فبراير 2019 وثالثة في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين في 30 حزيران/ يونيو 2019، وهذه القمم لم تنجح سوى في كسر الجليد، من دون تحقيق أي تقدم حقيقي في البرنامجين النووي والصاروخي البالستي لكوريا الشمالية.

 تاسعاً، تشي استرتيجية جو بايدن المعلنة بالمزيد من التشدد مع روسيا والصين، والسعي لاستعادة مكانة بلاده وكل تحالفاتها (لا سيما مع أوروبا) والتلويح بإستمرار خيار العقوبات الاقتصادية ولغة “العجرفة الديبلوماسية”، على حد وصف وزير الخارجية الصيني لما صدر عن بلينكن خلال قمة ألاسكا.

عاشراً، هذه الوقائع تسمح لنا بالافتراض بوجود خيط رفيع بين سلوك كوريا الشمالية وعلاقتها بكل من روسيا والصين. ثمة دافع أكثر من كوري شمالي وراء اطلاق صاروخي “كروز” على البحر الاصفر. رسالة لم تكترث إليها الولايات المتحدة، لذلك، كان لا بد من رسالة ثانية. كانت الدفعة الثانية عبارة عن صواريخ بالستية على بحر اليابان. هذه المرة جرى إستفزاز الولايات المتحدة علناً وكأن الرئيسين الروسي والصيني يقولان لبايدن:”تعال والعب مع كوريا الشمالية وكف عن اللعب معنا”!

في المحصلة، علينا أن نترقب كيف ستكون ردة فعل بايدن على اطلاق الصاروخين البالستيين، وهو الذي يأخذ بلاده الى التشدد مع روسيا والصين؟ هل يتعامل معهما على طريقة نشر تقرير الإستخبارات في قضية قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، أي خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء أم يعطي إشارة واضحة حول استراتيجيته الجديدة “المتشددة”؟ هل يرد عسكريا وهو احتمال ضئيل للغاية وربما منعدم الوجود لانه يهدد السلم الدولي برمته؟

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": هل تحتمل إيران عواقب تأجيل الإتفاق النووى؟
إلياس فرحات

عميد ركن متقاعد

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  إسرائيل بديل الولايات المتحدة الإستراتيجي في المنطقة