ترامب 2025.. حروبٌ في كل مكان وحصادُ أوهام وجائزة “فيفا” للسلام!

في معترك الأحداث الدولية التي زخر بها عام 2025، ترك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السنة الأولى من ولايته الثانية، بصمته على الكثير منها، وساهم في صوغ بعضها إلى حد بعيد. من الحروب التجارية، إلى التوسط في النزاعات ومحاولة الاضطلاع بدور صانع السلام في العالم، إلى المجاهرة مراراً بأنه الأجدر بالفوز بجائزة نوبل للسلام، بعد الزعم بوقف 8 حروب. 

مقتدياً بالرئيس الأميركي وليم ماكنلي في القرن الـ19، استهل دونالد ترامب ولايته الثانية، بإحداث زيادات هائلة في الرسوم الجمركية على الواردات من الخارج. وأطلق “يوم التحرير” على 2 نيسان/أبريل، الذي أعلن فيه هذه الزيادات، التي لم تفرق بين الحلفاء والخصوم، وأحدثت صدمة في الأسواق العالمية، وارتدت نتائجها السلبية على الاقتصاد الأميركي نفسه.

الصدمة التي ربما لم يكن يتوقعها ترامب، هي أن الصين، ثاني اقتصاد في العالم، ردّت بإجراءات انتقامية لا تقل حدّة عن الإجراءات الأميركية، الأمر الذي أرغم الرئيس الأميركي على الدخول في هدنة تجارية مع بكين. وكذلك، وجد الرئيس الأميركي نفسه مضطراً إلى الدخول في مساومات مع الاتحاد الأوروبي، ومع اقتصادات كبرى أخرى، مثل اليابان وبريطانيا.

ولم يلمس الأميركيون في الداخل، أي تحسن في اقتصاداتهم، نتيجة الحروب الحروب التجارية. وأظهرت استطلاعات الرأي أن 41 في المئة يؤيدون إجراءات ترامب، بينما يعارضها 50 في المئة.

وكل ما قاله ترامب في خطابه إلى الأمة قبل أيام عن انخفاض الأسعار نتيجة سياساته، ليس دقيقاً، وفق الاستطلاعات. وغالباً ما يلقي الرئيس الأميركي بالتبعة عن التضخم، على سلفه جو بايدن وعلى رئيس الاحتياط الفيديرالي جيروم باول، الذي يرفض خفض الفائدة بنسبة كبيرة، وفق ما يطالب ترامب الذي وضع الرسوم الجمركية في خدمة أغراض السياسة الخارجية. وخيّر كندا في مستهل عهده بين مواجهة زيادات كبيرة في الرسوم أو الموافقة على أن تصير الولاية الأميركية الرقم 51. ولا تزال العلاقات الأميركية-الكندية حتى الآن تعاني من آثار الصلف الذي يتعامل به معهم جارهم الجنوبي.

ترامب.. ودروس أسلافه

وثمة نفحات إمبريالية استعادها ترامب من زمن سلفيه اندرو جونسون وجيمس بولك في القرن الـ19 أيضاً، تراءت له مطالبات متكررة بفرض السيادة الأميركية مجدداً عل قناة بناما، وبأن أميركا يجب أن تتملك جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك في عمق المحيط الأطلسي قريباً من القطب الشمالي.

وتحشد الولايات المتحدة حالياً أكبر قوة بحرية في الكاريبي حول فنزويلا، باسم الحرب على المخدرات، فيما الهدف الحقيقي يكمن في تغيير نظام الرئيس نيكولاس مادورو ووضع اليد على ثروات البلد من النفط والغاز، استناداً إلى “مبدأ مونزو” (نسبة إلى الرئيس الأميركي الراحل من القرن الـ19 جيمس مونرو)، القائم على رفض أي تدخل أجنبي في أميركا الجنوبية، التي اعتبرها حديقة خلفية للنفوذ الأميركي.

ولا يبدو أن ترامب قد تعلم الدرس من فشل سياسات مماثلة قادها أسلافه في أميركا الجنوبية، بذرائع شتى، ولم تجلب لشعوب المنطقة غير المزيد من البؤس والغرق في الأزمات الداخلية.

الحشد في الكاريبي، لم يمنع ترامب من توجيه ضربات لما وصفه بمواقع تابعة لتنظيم “داعش” في نيجيريا، بهدف معلن هو حماية المسيحيين هناك من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية.

وقبل أسبوع من ضربات نيجيريا، شنّت الولايات المتحدة غارات جوية على مواقع لـ”داعش” في سوريا، انتقاماً لمقتل جنديين أميركيين ومترجمهم في تدمر، على أيدي مسلح قيل إنه ينتمي إلى التنظيم.

سياسات رمادية

يفصل ترامب بين سياساته التي تظهر ميلاً توسعياً، وتلك التي تظهره على هيئة صانع السلام. واستمتع بلعبة “تقاذف المسارات”، وفق تعبير كاتب العمود في صحيفة “الواشنطن بوست” ديفيد أغناثيوس. يتعثر في أوكرانيا، فينتقل إلى غزة، ويواجه تعقيدات في السودان فينتقل إلى الكونغو الديموقراطية ورواندا، ويفشل في كمبوديا وتايلاند، فيزعم أن الشرق الأوسط ينعم “بالسلام للمرة الأولى منذ 3 آلاف سنة” بفضل جهوده!

وعندما أعلن ترامب عن الخطة الأميركية للسلام في غزة المكونة من 20 بنداً في أيلول/سبتمبر الماضي، تباهي قائلاً إن الخطة “لن تضع حداً لحرب فحسب، بل هي نهاية عصر من الإرهاب والموت”. ثم تبين أن هذه الخطة، تركت الشرق الأوسط في منطقة رمادية، بين الحرب والسلام.

ويلتقي ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فلوريدا غداً (الإثنين)، وللمرة السادسة منذ بدء ولايته الثانية، من دون ضمانات بامكان الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة غزة، في وقت يرجح أن يتحول فيه “الخط الأصفر” في القطاع إلى حدود دائمة، بما يؤمن لإسرائيل احتلال 53 في المئة من القطاع، وسط توقعات بأن جاريد كوشنر، صهر ترامب، ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، قد أعدا خطة لإعادة إعمار المناطق التي تحتلها إسرائيل في شرق غزة، والتي يقطنها فقط 2 في المئة من الفلسطينيين.

كل ذلك، جعل كاتب العمود في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية ستيفن م. والت يخلص إلى استنتاج مفاده، أن خطة ترامب “كانت عبارة ورقة التين للجهد الإسرائيلي المتواصل نحو انشاء (إسرائيل الكبرى)، وفي نهاية المطاف محو الفلسطينيين، ككيان سياسي ذي معنى”.

إقرأ على موقع 180  "حزب السلاح".. والميليشيات في أمريكا!

ويزعم ترامب أنه أوقف الحرب بين إيران وإسرائيل أيضاً في حزيران/يونيو الماضي. هذه الحرب شاركت فيها الولايات المتحدة نفسها بقصفها المنشآت النووية الإيرانية. وفي الأسابيع الأخيرة، استأنفت إسرائيل تهديداتها باحتمال توجيهها ضربة جديدة للقدرات الصاروخية الإيرانية، التي تقول تقارير غربية وإسرائيلية إن طهران قد نجحت في ترميم جزء أساسي منها.

مكانك راوح

وإذا كانت هذه حال نزاعات الشرق الأوسط، فإن التوصل إلى وقف الحرب الروسية-الأوكرانية، ليس في المتناول بعد، برغم الضغوط الأميركية على الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي.. وعلى أوروبا.

آخر الخطط الأميركية المكونة من 28 بنداً قوبلت بارتياح في موسكو، لأنها طالبت أوكرانيا بالتنازل عن اقليم دونباس في الشرق، في مقابل وقف الحرب. واستطاعت كييف بدعم من الأوروبيين إدخال تعديلات على الخطة التي تقلصت إلى 20 بنداً، من دون أن يُعرف مصير بند التنازل عن الأراضي، وما إذا كانت روسيا ستوافق على التعديلات.

النزاع الروسي-الأوكراني، الذي كان يتوقع ترامب حله في غضون 24 ساعة من تاريخ دخوله إلى البيت الأبيض، تبين له أنه لا يقل تعقيداً عن الصراع في الشرق الأوسط.

وبالانتقال إلى أفريقيا، فإن الصراعات ليست أفضل حالاً. واتفاق وقف النار بين الكونغو الديموقراطية ورواندا الذي وقع الشهر الماضي في البيت الأبيض تحت أنظار ترامب، لم يصمد أكثر من 24 ساعة. واستؤنف القتال بضراوة بين متمردي “حركة إم 23” المدعومين من رواندا والجيش الكونغولي في غوما بشرق البلاد، الغني بالثروات الطبيعية والمعادن.

ولا يظهر أن المساعي الأميركية في السودان، تصادف أي حظ من النجاح، مع مضي الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” طرفي الحرب في القتال الذي يتوسع إلى مناطق جديدة، مما يهدد بتورط أطراف أخرى، وينذر بتقسيم جديد للسودان.

يقول ترامب، إنه منع نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة على النيل. لكن التوتر يبقى على أشده بين البلدين.

جائزة الفيفا!

خيبة أمل أخرى صادفها ترامب مع تجدد الحرب على نطاق واسع بين تايلاند وكمبوديا، بعد صمود وقف النار لبضعة أشهر بينهما، عقب وساطة أميركية والتلويح بعقوبات على البلدين إذا لم يتوقفا فوراً ويعمدان إلى الحوار.

وينسب ترامب إلى نفسه أيضاً وقف حرب الأيام الأربعة بين الهند وباكستان في أيار/مايو 2025، لكن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي جرّ عليه غضب الرئيس الأميركي عندما قلّل من دور الأخير في جهود التهدئة مع باكستان.

وفي آسيا أيضاً، يطل التوتر حول تايوان برأسه من باب تدهور العلاقات بين الصين واليابان، بعد تحذير غير مسبوق أطلقته طوكيو من مغبة قيام الصين بضم الجزيرة بالقوة، متعهدة الدفاع عنها. والمفارقة أن ترامب اتصل بالجانبين طالباً التهدئة. لكن الأمر لم يطل به كثيراً حتى أعلن عن تزويد تايوان بأسلحة تقدر قيمتها بـ11 مليار دولار، وهي أكبر صفقة تسلح بين واشنطن وتايبه، الأمر الذي أثار غضب بكين.

يرى ترامب أنه يستحق جائزة نوبل بسبب وقفه الحروب في العالم. لكن الجائزة ذهبت للمفارقة هذه السنة، إلى زعيمة المعارضة الفنزويلية كورينا ماتشادو.

حاول رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني انفانتينو أن يهدىء خاطر صديقه ترامب من خلال تقليده “جائزة فيفا للسلام” في 3 كانون الأول/ديسمبر الجاري. لكن من المؤكد أن هذه البادرة “الكروية”، لن تشكل تعويضاً عن جائزة نوبل التي يشتهيها الرئيس الأميركي.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  نتنياهو يُلاقي التفاوض بمذبحة جديدة.. الفرص تضيق والرد...