الأردن؛ أخطر  من “مؤامرة” وأقل من انقلاب
Former Maldives' president Mohammed Waheed Hassan (L), Jordan's King Abdullah II (2nd L) and Saudi Crown Prince Mohammed bin Salman (C) attend the Future Investment Initiative FII conference in the Saudi capital Riyadh on October 23, 2018. - Saudi Arabia is hosting the key investment summit overshadowed by the killing of critic Jamal Khashoggi that has prompted a wave of policymakers and corporate giants to withdraw. (Photo by Fayez Nureldine / AFP) (Photo credit should read FAYEZ NURELDINE/AFP via Getty Images)

ما زال الحدث الأردني مقيمًا. إنقلاب؛ إنقلاب على الإنقلاب؛ مؤامرة. الثابت أن الملك عبدالله الثاني يواجه منافسة على العرش، كغيره من ممالك وإمارات المنطقة العربية.. ويبدو أنه قرر التعامل مع الموقف بوسائل وأدوات متعددة، في إطار تحصين بيته الداخلي، في مواجهة عواصف الإقليم التي تهدّد الكيان الأردني.

في خضم الحديث عن “المؤامرة” التي حيكت في المملكة الهاشمية بقصد الإطاحة بالملك عبد الله الثاني والإتيان بأخيه غير الشقيق الأمير حمزة، وتوجيه أصابع الاتهام إلى قوى خارجية، وعلى الأرجح إلى السعودية كون أبرز الشخصيات الضالعة في ما تسمى “المؤامرة” قريبة منها، سواء الدكتور باسم عوض الله الذي شغل منصب مستشار ولي العهد محمد بن سلمان، أو الشريف حسن بن زيد حامل الجنسية السعودية والمقيم فيها. وكذلك الإمارات ليست بعيدة عن ذلك، كون السعودية تنسّق هكذا خطوات تحديدًا مع حليفتها اللدودة الإمارات.

وقد نال هذا الموضوع اهتمامًا كبيرًا في الصحافة العربية والأجنبية، وتبنى بعضها رواية النظام الأردني، وبعضها الآخر شكّك في أصل حدوثها، لكن ليس هنا بيت القصيد، إنما هناك عدة تساؤلات؛ لماذا لجأ النظام الأردني إلى اختلاق رواية من هذا النوع الخطير؟ وإذا كانت هناك “مؤامرة” فعلاً، لماذا عولجت وطويت بهذه السرعة من دون ان ترشح أية معلومات تفصيلية عمّا جرى داخل البيت الهاشمي أو عمّا آلت إليه التحقيقات مع الموقوفين؟ ولماذا تحفّظت المملكة عن تسمية القوى الخارجية الضالعة في تلك “المؤامرة”؟

بداية، لا بدّ أن نشير إلى أن التنافس والتقاتل بين أفراد العائلات الحاكمة في الممالك والإمارات والمشيخات العربية ليس بالأمر الغريب، فانقلاب الأخ على أخيه أو الابن على أبيه أو على أبناء عمومته، كلّها أمور حصلت وعايشناها عن كثب سابقًا.

وإذا أخذنا السعودية والإمارات التي تحوم حولهما شبهة التورط بـ”المؤامرة” في الأردن، نجد أن تاريخهما الحديث ـ على الأقل ـ لم يسلم من الانقلابات وحياكة المؤامرات في الصراع على حكم بلادهم. وكان آخرها في السعودية، والتي تمثلت بانقلاب محمد بن سلمان بمعونة والده الملك سلمان طبعًا، حيث أطاح بإبن عمّه محمد بن نايف من ولاية العهد، ونكّل وأهان أبناء عمومته وكبار قيادات المملكة غير الموالية له، حيث قام باحتجاز أمراء ورجال أعمال سعوديين في إطار ما وصف بـ”الحملة على الفساد”. وأعلنت السلطات السعودية أن حصيلة التسويات مع “المشتبه بهم في قضايا الفساد” بلغت 400 مليار ريال، أي ما يعادل 107 مليارات دولار تقريبًا. وفي الواقع، ما كانت وظيفة هذه الاعتقالات إلا لأجل تعبيد الطريق إلى قصر الحكم في الرياض.

قبل أن يرحل الملك حسين بقليل أطاح بشقيقه الأمير حسن من ولاية العهد التي شغلها قرابة ثلاثة عقود لصالح إبنه عبدالله – الملك الحالي، ولم يتخلف الأخير عن قاعدة والده فخلع شقيقه الأمير حمزة من ولاية العهد عام 2004، وترك منصب ولي العهد شاغراً أربع سنوات ليشغله إبنه البكر الأمير الحسين عام 2009

يسري ذلك على عمّ ولي العهد السعودي. فالملك فيصل بن عبد العزيز أطاح بشقيقه الملك سعود عام 1964، ولكن بظروف مختلفة وبدعم من أبناء الأسرة المالكة الذين إجتمعوا وأجمعوا على دعم فيصل، الذي أسس للانقلاب بصدور فتوى تنص على أن يبقى سعود ملكًا وعلى أن يقوم فيصل بتصريف جميع أمور المملكة الداخلية والخارجية بوجود الملك في البلاد أو غيابه عنها، وقد أيّد أبناء عبد العزيز فتوى العلماء وطالبوا الأمير فيصل بكونه وليًا للعهد ورئيسًا للوزراء؛ بالإسراع في تنفيذ الفتوى. ولم يمضِ وقت طويل حتى أصدر مفتي المملكة محمد بن إبراهيم آل الشيخ آنذاك، فتوى أخرى قضت بخلع الملك سعود عن الحكم ليخلفه الأمير فيصل ملكًا، ثم تمّت البيعة لفيصل في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1964.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فلم يتولَّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم فيها عام 1971 بشكل اعتيادي، بل جاء هذا التولّي بعد خلعه أخيه الشيخ شخبوط بانقلاب أبيض رتّبته بريطانيا ـ قبل انسحابها من الخليج العربي ـ التي لم ترَ بالشخبوط حليفًا مطواعًا يُركن إليه في تنفيذ سياساتها وأطماعها بنفط بلاده، حيث كان شخبوط معروفًا بعدائه للإنكليز، فكان بديله شقيقه الشيخ زايد الطامع بالحكم والذي يدين للإنكليز بالولاء.

وبعد ربع قرن، حذا أحد أبنائه حذوه، وذلك عندما قاد الشيخ محمد بن زايد مع والدته الشيخة فاطمة بنت مبارك – المرأة القوية ما أسمي “الإنقلاب الأبيض” ضد أخيه من والده الشيخ خليفة، حتى قبل تولي الأخير الحكم خلفًا لوالدهما الشيخ زايد بن سلطان في عام 2004، عندما أجبر على تعيين محمد نفسه وليًا لعهد أبو ظبي، وهو قرار مخالف لأعراف ولاية العهد في دولة الإمارات. وأحال معه أخاه خليفة رئيساً للإمارات بلا صلاحيات.

وغداة نيل قطر إستقلالها، إنقلب خليفة بن حمد آل ثاني في العام 1972 على إبن عمه الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، ثم إنقلب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على والده الشيخ خليفة في العام 1995، وهو مسار تُوّج بإنقلاب الإبن تميم على والده الشيخ حمد في العام 2013.

إقرأ على موقع 180  روسيا وإيران تتحصنان بـ"علاقات إستراتيجية" غير مسبوقة!

أما في الأردن، فقد تسلّم الحسين بن طلال الحكم قبل أن يبلغ سن الرشد، ليرث أباه أو بالأحرى جده الملك عبدالله الذي اغتيل عام 1951 في القدس وكان برفقته، فتولّى المُلك والده الملك طلال بن عبدالله، ولكنه سرعان ما أعفي من منصبه، بناء على تقرير طبي يفتي بعدم قدرته على إدارة المملكة، وأصدر مجلس الأمة قرارًا آنذاك بتولية الأمير الحسين بن طلال ملكًا على الأردن مع تعيين مجلس وصاية على العرش إلى حين بلوغ الملك الجديد سن الرشد.

وقبل أن يرحل الملك حسين بقليل أطاح بشقيقه الأمير حسن من ولاية العهد التي شغلها قرابة ثلاثة عقود لصالح إبنه عبدالله – الملك الحالي، ولم يتخلف الأخير عن قاعدة والده فخلع شقيقه الأمير حمزة من ولاية العهد عام 2004، وترك منصب ولي العهد شاغراً أربع سنوات ليشغله إبنه البكر الأمير الحسين عام 2009 قبل ان يبلغ سن الرشد على غرار جده لأبيه.

قد تكون الخشية المتولّدة لدى الملك من “حليفيْه” محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعلاقتهما غير المباشرة بالأمير حمزة، جعلته يتخيل أن شيئاً ما يدبر له، مما دفعه إلى عدم الانتظار لاكتمال الأدلة، خصوصاً في ضوء معارضة الملك لـ”صفقة القرن” التي يُسوّق لها “المحمدان”

والجدير ذكره أن الأمير حمزة تربّى في صغره بأنه الوريث الشرعي لوالده، وفي أبعد تقدير لأخيه الملك عبدالله الثاني من خلال توليه ولاية العهد عام 1999 بأمر من والده قبل وفاته، وكانت والدته الملكة نور – الزوجة المحببة لدى الملك حسين –  قد أعدّته لهذا المنصب، من خلال تعليمه في أكاديمية ساندهريست العسكرية الملكية وإدخاله في الجيش ضابطًا طيارًا والسهر على تثقيفه. وبالتالي فإن حلمه بالمُلك عايشه في صغره واقترب منه في أول شبابه وليًّا للعهد.

ومما لا شك فيه أن الأمير حمزة وما يملك من حنكة ومقدرة على إدارة الحكم وقدر تشابه بوالده، ولّد خشية منه لدى الملك عبدالله الثاني الذي ما انفك يرصد تحركاته واتصالاته الداخلية والخارجية أثناء شغله ولاية العهد، لذلك سارع لإزاحته عن هذا المنصب قبل ان يشتد عوده. وعلى الرغم من ذلك، ظلّت جولات الأمير حمزة على العشائر في مناسبات مختلفة والتماهي مع شكاوى الأردنيين ومطالبهم، وتغريداته التي تحمل في طياتها نقداً لإدارة البلاد السياسية والاقتصادية، تؤرق ساكن عرش المملكة الهاشمية.

وعليه، ان موضوع “المؤامرة” المزعومة في الأردن يمكن ان يكون مردّها إلى؛

أولًا، إن الإشاعة حول “مؤامرة” ما تُحضر في الأردن لم تأتِ من فراغ، إنما لقطع الطريق على الأمير حمزة والقضاء على أي حلم او طموح يراوده  بالسلطة وما زال معشعشًا في عقله ولا وعيه.

ثانيًا، ربما أراد الملك عبدالله الثاني إيصال رسالة إلى من يعنيهم الأمر في الخارج القريب والبعيد، أنه هو الممسك بزمام الأمور في المملكة، وهو بالمرصاد وفي أقصى الجاهزية للإجهاز على أية محاولة للعبث بأمن المملكة وعرشها الذي توارثه أبًا عن جد.

ثالثًا، قد تكون الخشية المتولّدة لدى الملك من “حليفيْه” محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعلاقتهما غير المباشرة بالأمير حمزة، جعلته يتخيل أن شيئاً ما يدبر له، مما دفعه إلى عدم الانتظار لاكتمال الأدلة، خصوصاً في ضوء معارضة الملك لـ”صفقة القرن” التي يُسوّق لها “المحمدان”، الأمر الذي يلغي وظيفة عبدالله الثاني، كما والده من قبله، بوصف العرش الهاشمي “بوابة إسرائيل إلى دول الخليج العربي”.

ثمة سؤال، هل يملك بن سلمان وبن زايد رؤى “متقدمة” و”طموحة” لا تتوافق مع بقاء عبدالله الثاني في عرش المملكة الهاشمية، وتحديدًا هل هما بأمسّ الحاجة إلى أنظمة عربية مطواعة، خصوصاً في الأردن الذي من دونه لا يمكن لـ”صفقة القرن” أو غيرها من الحلول المشابهة التي قد تطرأ على القضية الفلسطينية، أن تبصر النور؟

قد تكون “محاولة الانقلاب” رسالة تهديد للعاهل الأردني لكي يعيد النظر بسياسات بلاده بصورة تنسجم مع التطورات المستجدة في الإقليم تتخطى اتفاق وادي عربة ومندرجاته الذي أورثه إياه والده، إلى مزيد من التنازلات والتسهيلات والتعاون مع “إسرائيل”.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  المصالحة الفلسطينية أولوية.. ومدخلها مؤتمر وطني تجديدي