كان واضحاً، بالنسبة إلى العديد من المراقبين والمحللين، أن الوجهة التي حددها السيد خامنئي ربما تقتضي تأجيل موعد الإنتخابات الرئاسية، لأن الأساس هو تأمين أوسع مشاركة في الإنتخابات، لكن قرار “صيانة الدستور” يعني أن موعد الإنتخابات في 18 حزيران/ يونيو صار نهائياً وبالتالي ستكون الأقل تنافسية منذ الثورة الإيرانية في العام 1979 حتى يومنا هذا.
وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن أربعة أسباب لغياب المنافسة والأجواء الحماسية:
أولاً، عدم المصادقة على أهلية جميع المرشحين الإصلاحيين جعل التيار الإصلاحي لا يعلن دعمه لأي من المرشحين بمن فيهم المرشحان اللذان يصنفان أنفسهما على الفريق الإصلاحي علما أنهما قدما ترشيحهما كمستقلين وهما عبد الناصر همتي (محافظ البنك المركزي) ومحسن مهر علي زاده.
ثانياً، جائحة كورونا تسببت في إلغاء التجمعات الإنتخابية في الشوارع والساحات.
ثالثاً، تردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية وعدم ثقة الايرانيين بالوعود الإنتخابية التي تقطع لهم مع كل إنتخابات رئاسية.
رابعاً، إنتهت فترة السماح التي كانت تجعل الجمهور الإيراني يلتف حول قيادته كلما إستشعر تهديداً خارجياً.
كل هذه الأمور جعلت مراكز استطلاع الرأي تتوقع مشاركة شعبية ربما تكون الأدنى في تاريخ الإنتخابات الرئاسية حتى أن المتفائلين لا يتوقعون أن تصل المشاركة في الإنتخابات إلى أكثر من أربعين في المئة.
الجدير ذكره أن خمسة من أصل سبعة من المرشحين هم من المحافظين: إبراهيم رئيسي (رئيس السلطة القضائية)؛ سعيد جليلي (السكرتير السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني وعضو مجمع مصلحة تشخيص النظام حالياً)؛ الجنرال محسن رضائي (القائد السابق للحرس الثوري الإيراني)؛ علي رضا زاكاني (نائب محافظ) وأمير حسين قاضي زاده هاشمي (نائب محافظ).
أما المرشحان محسن مهر علي زاده وعبد الناصر همتي فهما لا يحظيان بدعم التيار الإصلاحي برغم إنتمائهما إليه، علما أن همتي علاقته وثيقة بحزب كارغزاران الإصلاحي، الذي حاول إقناع الأحزاب الإصلاحية بالإجماع على دعم همتي ولكن هذا الأمر لم يحصل حتى الآن، ومن المستبعد أن يعلن التيار الإصلاحي دعمه لهمتي لأنه لم يكن من بين عشرة مرشحين تم اختيارهم من قبل التيار الإصلاحي لهذه الجولة الإنتخابية.
يمكن القول أننا نشهد ثورة لرجال الدين الإيرانيين (المحافظين) ضد رجال الدين الآخرين (الإصلاحيين)، وهذا المشهد الشعبوي للانتخابات الرئاسية الإيرانية، من أكثر المشاهد ظلماً لما حقّقته إيران من إنجازات، لكن لسوء الحظ يبدو أن الغاية تبرر الوسيلة
وحتى الآن يتقدم مرشح المحافظين الأبرز ابراهيم رئيسي في معظم استطلاعات الرأي بفارق كبير عن سائر المرشحين وبات محسوماً أنه سيكون خليفة الرئيس حسن روحاني، وهذا الأمر أبرزته أول مناظرة تلفزيونية بين المرشحين السبعة إستمرت ثلاث ساعات، وذلك من أصل ثلاث مناظرات مقررة حتى 18 حزيران/ يونيو المقبل.
وقد أظهرت إستطلاعات رأي إثر المناظرة الأولى عدم تبدل مزاج الناخبين الذي ما زال فاتراً جداً، لا سيما وأن المناظرة جرت بين مرشحين ينتمون للتيار الفكري والسياسي نفسه. كما بيّنت أن لا شيء يتقدم على الهواجس الإقتصادية والمعيشية عند الإيرانيين.
والملاحظ أن المناظرة خرجت عن المسار المألوف وأصبحت حلبة لتبادل الإتهامات بين محافظ البنك المركزي الايراني عبد الناصر همتي وخمسة مرشحين محافظين أجروا محاكمة علنية لحكومة روحاني من خلال محاكمة محافظ البنك المركزي الذي قال إن المرشحين المحافظين الأربعة علي رضا زاكاني ومحسن رضائي وأمير حسين قاضي زادة هاشمي وسعيد جليلي سوف ينسحبون من السباق الإنتخابي في اللحظة الأخيرة وأن مشاركتهم في المناظرات هدفها الدفاع فقط عن مرشح المحافظين الأول ابراهيم رئيسي.
وكان لافتاً للإنتباه أن محسن رضائي إتهم الحكومة الايرانية الحالية بالفشل، وقال إنه في حال فوزه بالإنتخابات سوف يمنع همتي وباقي المسؤولين في حكومة روحاني من مغادرة البلاد وسوف يخضعهم للمحاكمة “بسببب تعاونهم مع الحكومة الأميركية لتنفيذ العقوبات على ايران”.
وما قاله رضائي هو عينة من خطاب المحافظين الخمسة الذين لا يهاجمون إنجازات حكومة روحاني فحسب، بل يهاجمون أيضا إنجازات الحكومات السابقة مثل حكومة الشيخ هاشمي رفسنجاني وحكومة السيد محمد خاتمي، ويحملون الحكومات الإصلاحية (24 عاماً من أصل 42 عاماً من عمر الجمهورية الإسلامية) مسؤولية تفشي البطالة والتضخم وتدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية وإغلاق مئات المصانع وتفشي الفساد، وهذا الأمر جعل بعض الأصوات العاقلة ضمن فريقي المحافظين والإصلاحيين يُحذر من مسار سياسي شعبوي يؤدي فعلياً إلى محاكمة الثورة الإسلامية، بهدف كسب أصوات الناخبين!
وبرغم أن المحاكمة شملت أيضاً حقبة الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، يمكن القول أننا نشهد ثورة لرجال الدين الإيرانيين (المحافظين) ضد رجال الدين الآخرين (الإصلاحيين)، وهذا المشهد الشعبوي للانتخابات الرئاسية الإيرانية، من أكثر المشاهد ظلماً لما حقّقته إيران من إنجازات، لكن لسوء الحظ يبدو أن الغاية تبرر الوسيلة.