منذ الأسبوع الأول له فى الحكم، تخرج إشارات سريعة وخطوات مختلفة من إدارة بايدن تدفع تجاه سياسات متشددة تبدو فى الأفق بين علاقات واشنطن المتوقعة مع بكين.
وخلال جلسة تثبيته فى مجلس الشيوخ، أكد وزير الخارجية أنتونى بلينكن أن الصين تشكل التحدى الأكبر للولايات المتحدة، وتعهد باتخاذ «نهج أكثر صرامة تجاه الصين»، وقال بلينكن «اسمحوا لى فقط أن أقول إننى أعتقد أيضا أن الرئيس (دونالد) ترامب كان على حق فى اتخاذ موقف حازم تجاه الصين»، ثم جاء بلينكن ليقول فى أول مؤتمر صحفى له إن «إدارة بايدن تتفق مع تقييم إدارة ترامب بأن بكين ترتكب إبادة جماعية ضد الإيجور المسلمين فى الصين».
ووصف وزير الدفاع الجنرال أوستن لويد كذلك الصين بأنها تمثل «خطرا متزايدا وأن التصدى لها سيكون من أبرز اتجاهات أنشطة البنتاجون» فى عهد بايدن. أما مستشار الأمن القومى جيك سوليفان فقد أشار فى حديث له أمام معهد السلام بواشنطن إلى أن «الصينيين يعتقدون أن نموذجهم أنجح من النموذج الأمريكى، وهذا ما يروجون له حول العالم».
***
وصل الرئيس بايدن للحكم وسط تعرض بلاده والعالم لجائحة فيروس كورونا والتى نتج عنها وفاة أكثر من 600 ألف أمريكى وإصابة ما يقرب من 25 مليونا. ونتج عن الجائحة تعرض الاقتصاد الأمريكى والعالمى لكساد وانكماش غير مسبوقين. وتسبب سوء الأداء الأمريكى فى مواجهة تداعيات فيروس كورونا فى هز الثقة العالمية بقدرة الولايات المتحدة على قيادة المنظومة الدولية، فى وقت حاولت الصين استغلال أزمة تداعيات انتشار فيروس كورونا لتثبيت مكانتها الدولية خاصة فى مواجهة النفوذ الأمريكى حول العالم.
من هنا وعلى الرغم من ارتفاع درجة الاستقطاب فى النظام السياسى الأمريكى حاليا وبصورة غير مسبوقة، إلا أن هناك قدرا لا بأس به من الإجماع حول ضرورة مواجهة سياسات الصين بين الديموقراطيين والجمهوريين، وأعتقد أنه قد تكون هناك بعض الاختلافات الصغيرة نسبيا بين الاثنين، لكن ليس بدرجة كبيرة كما قد يعتقد البعض، وقد تكون السياسة التجارية هى محل الاختلافات بين الطرفين، وقد تكون هناك بعض الاختلافات الصغيرة، من حيث إن بايدن قد يحاول المزيد من التواصل مع الصين حول بعض القضايا الحرجة مثل تغير المناخ، ولكن من المرجح أن يحافظ على نهج قوى إلى حد ما تجاه الصين، مثل ترامب، بشأن قضايا التكنولوجيا، القضايا التجارية، القضايا الأمنية، وما إلى ذلك. أعتقد أنه قد تكون هناك لهجة عامة أقل عدائية قليلا، ولكن الكثير من السياسة نفسها ستكون فى الواقع هى نفسها.
***
من المؤكد أننا بصدد حرب باردة جديدة، لكنها ليست كالحرب الباردة السوفيتية الأمريكية لأن اقتصاد الدولتين مترابطتان بصورة شديدة التعقيد، الصين ليست الاتحاد السوفيتى المنغلق، ولا يمكن اتباع أمريكا والغرب سياسة احتواء الصين بالتضييق عليها
وقبل ثمانية أيام من انتهاء حكم الرئيس السابق ترامب، رفع مجلس الأمن القومى بالبيت الأبيض السرية عن وثيقة استخباراتية تُفصل التوجيهات الاستراتيجية الأمريكية الشاملة تجاه الصين.
وجاءت الوثيقة، التى اطلعت عليها فى 10 صفحات، وشرحت التحديات التى تواجهها الولايات المتحدة من قوة الصين الصاعدة والحازمة. ودعت الوثيقة لوضع خطط تخدم مصالح واشنطن فى الأقاليم المجاورة للصين من خلال حشد الحلفاء الإقليميين ومساعدتهم على تحقيق مصالحهم المشتركة مع واشنطن فى مواجهة تطلعات الصين.
وتنص الوثيقة على أنه يتعين على الولايات المتحدة الحفاظ على «التفوق الدبلوماسى والعسكرى والاقتصادى» فى المنطقة مع «منع الصين من إنشاء مناطق نفوذ جديدة غير ليبرالية».
واعتبر عدد من المعلقين/ات أن إدارة ترامب، من خلال نشرها العلنى للوثيقة، كانت تحاول ربط إدارة بايدن الجديدة بسياساتها تجاه العداء للصين.
***
لا يمكن التنبؤ بكيفية عدم بدء حرب باردة بين بيكين وواشنطن فى وقت يمثلان فيه أكبر اقتصادين فى العالم، مع تزايد عمق التنافس والصدام على أسس أيديولوجية وعسكرية وتكنولوجية.
من المؤكد أننا بصدد حرب باردة جديدة، لكنها ليست كالحرب الباردة السوفيتية الأمريكية لأن اقتصاد الدولتين مترابطتان بصورة شديدة التعقيد. الصين ليست الاتحاد السوفيتى المنغلق، ولا يمكن اتباع أمريكا والغرب سياسة احتواء الصين بالتضييق عليها.
ويضاعف من مخاطر تصادم القوتين على العالم ترابطهما الاقتصادى الضخم وتأثر بقية العالم به. وتشير بيانات مكتب الإحصاء الأمريكى إلى وصول حجم التجارة بين الدولتين إلى ما يقرب من 560 مليار دولار عام 2020، وذلك على الرغم من التشدد تجاه الصين وتبنى ترامب سياسة الحرب التجارية ضد الصين. وصدرت الصين منتجات قيمتها 433 مليار دولار للولايات المتحدة، فى حين بلغت قيمة صادرات أمريكا للصين مبلغ 125 مليار دولار.
ويتفق بايدن مع ترامب على ضرورة محاسبة الصين على دورها فى انتشار فيروس كورونا، ولكن على عكس ترامب، يؤمن بايدن بضرورة تقوية تحالف متعدد الأطراف من الحلفاء ذوى التفكير المماثل لمواجهة ما يعتبره تهديدات صينية وممارسات غير عادلة.
وترغب الولايات المتحدة فى الحفاظ على مكانتها كأكبر قوة عسكرية واقتصادية فى العالم، وهو ما يدفع البعض للضغط تجاه تبنى معادلات صفرية فى علاقتها مع الصين التى تنازع الولايات المتحدة، اقتصاديا وعسكريا.
من هنا رأى عدد من المعلقين/ات أن الوثيقة، التى رفعت عنها السرية، يمكن اعتبارها «مخطط للحرب الباردة 2.0»؛ حيث لا يمكن تجنب المواجهة بين الدولتين فى مجال التجارة الدولية والوصول للموارد الطبيعية إلى الصراع على مستقبل التكنولوجيا، وصولا للتنافس الجيو ــ استراتيجى خاصة فى جنوب شرق آسيا.
(*) بالتزامن مع “الشروق“