بينما كانت وزارة الصحة اللبنانية تحصي في نشراتها اليومية فقط الإصابات القادمة إلينا عبر الطائرات سواء كانت للبنانيين أم أجانب، كان العالم يحذّر منذ حوالي الشهرين (الموجة الهندية الثانية)، أنّ الشكل الجديد لفيروس كورونا سيسود إصابات العالم، ولكن في لبنان لا شيء مستغربًا بل كلّ شيء متوقّع فتعب الناس يمنعها تمامًا من أن تفكّر خارج صحن الطعام اليومي واشتراكات الكهرباء والإنترنت، إذًا ماذا نواجه اليوم؟
الشكل الجديد لفيروس كورونا المستجد أُعطي مُسمّى دلتا بحسب الأبجدية اللاتينية، وهو الحرف الذي يأتي بعد ألفا وبيتا وغاما، أي النسخة الرابعة المتحوّرة الأكثر قدرة على الانتشار. وبحسب منظمة الصحة العالمية، هذه النسخة هي أقدر على الانتقال والتكاثر 60% أكثر من النسخة الأولى ألفا وهذا ما يحدث عندما تتغيّر الجينات الفيروسية المسؤولة عن إنتاج ما يعرف بالبروتين الشوكي spike protein بالتالي تزداد قدرة الفيروس على الالتصاق بالخلايا والدخول إليها.
أمّا المتغيّرات، للتذكير، فتحصل عادة بسبب تكاثر الفيروس بشكل كبير ما يؤدي إلى وقوع أخطاء في نسخ المادة الوراثية، وعند تراكم هذه الأخطاء يصبح لدينا فيروسات متحوّرة تمتلك مادة وراثية مختلفة قليلًا عن النسخة الأساسية. https://180post.com/archives/14498
هذه النسخة تسيطر على عداد الإصابات عالميًا اليوم وهي انتشرت في أكثر من 92 بلدًا وتشكّل بحسب وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران 20% من نسبة الإصابات بزيادة 9-10% أسبوعيًا، كما صرّح رئيس معهد RKI (Robert Kokh Institute) في المانيا أنّ نسبة الإصابات بالمتحوّر دلتا وصلت إلى 50% من مجمل الإصابات في البلاد.
أمّا العوارض، فحتى الآن يمكن القول وبالعودة إلى معطيات قاعدة المعلومات البريطانية أنّها مشابهة تمامًا لنزلة البرد الشتوية العادية: سيلان الأنف.. والحرارة، ولكن تبقى هذه الدراسات مبدئية حيث لم يتم التأكّد من الأرقام كلّها.
هنا ينبغي التأكيد أنّ لا رابط أبدًا بين نسبة القتل ونسبة الانتشار. فقط ينتشر الفيروس أكثر أو أقل من دون أن يعني ذلك أنّه سيتسبب بموت المصابين بصورة أكبر أو أقل.
ماذا عن اللقاحات، هل تحمينا؟
حتى الآن كلّ التغييرات التي طرأت على فيروس كورونا المستجد لم تمس في نسبة الحماية التي تؤمنّها اللقاحات لا سيّما تلك التي تنتمي منها إلى الجيل الثالث (موديرنا وفايزر) من دون أن يعني ذلك أن اللقاحات الأخرى قد تأثرت سلبًا.
اللقاحات كلّها لن تمنع الإصابة حتمًا ولكنّها ستمنع تفاقم الحالات المرضية للمصابين ودخولهم المستشفيات بنسبة تصل إلى 90% كما تمنع الوفاة الناتجة عن مضاعفات الفيروس بنسبة ناهزت الـ 100% وهنا تكمن الأهميّة.
ولكن لا يجب الإفراط في التفاؤل والتراخي حتى لو وصل المجتمع، أيّ مجتمع كان، إلى نسبة عالية من التلقيح، فالمتغيّرات الفيروسية قد تكون مخادعة بشكل لا يمكن تصديقه وقد يسبب بعض الاستهتار في ظهور وحوش جديدة تقاوم اللقاحات وهنا نكون قد عدنا للنقطة صفر.
ماذا عن لبنان؟
بعد أن انخفض عدّاد الإصابات في لبنان خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، انتشرت حالة من التفاؤل الكاذب بين الناس بسبب التصرفات الرسمية غير المحسوبة جيدًا. للنصر آباء كثر أما الهزيمة فتكون يتيمة، والكلّ حاول تبني النصر بالشكل الآتي:
- قامت المستشفيات بإغلاق بعض أقسام الكورونا بحركات استعراضية إعلاميّة.
- وزارة الصحة تنشر أرقامًا متناقصة يوميًا من دون التركيز على انخفاض عدد الفحوصات المخبرية مقارنة بالسابق.
- انتهاء القيود المفروضة بشكل تام من قبل الدولة والبلديات وعودة الناس بشكل متهور وسريع للحياة العادية.
- نشر أخبار مبالغ بها عن أنّ نسب التلقيح وصلت إلى ما يقارب الـ 50% وهي لم تتخط الـ 13% للجرعة الأولى و8% للجرعتين حسب أكثر الإحصاءات تفاؤلًا.
ما سبق ساهم في عودة العدوى الصامتة للفيروس بين الناس إلى أن يصل كلّ مرة لمن هم عرضة أكثر للعوارض الشديدة والمميتة، لذلك، بدأنا في الأيام الأخيرة نلحظ زيادة ولو طفيفة في عداد الإصابات اليومية واليوم مع المتحوّر دلتا الجديد سنكون دون شك أمام موجة فيروسية جديدة وخطيرة في لبنان، وبالاستناد لكلّ ما سبق، يمكن الجزم أنّ المتحور دلتا موجود بيننا منذ أسابيع بعيدة وليس حديث العهد، وحسب تغريدة وزير الصحة، انتشر المتحور بيننا بصمت، وعليه يجب علينا:
- العودة إلى إجراءات الوقاية الأساسية التي تحمي من كلّ عدوى ونقصد بها الكمامة والتباعد وعدم التواجد في الأماكن المكتظة، وهذا الأمر يسري على من تلقحوا جرعة أو جرعتين أو أصيبوا أو لم ينالوا أي جرعة من اللقاحات.
- المسارعة إلى أخذ اللقاحات المتاحة وعدم الانتظار لأجل ترف الحصول على نوع محدّد منها، فكلّها تحمي.
- عدم الرهان نهائيًا على الحماية المتأتية من الإصابة المسبقة بالفيروس، فالمتحور دلتا (أو غيره مستقبلًا) قد يشكّل صدمة أو مفاجأة للنظام المناعي.
- الضربة التي تلقتها الهند وقد يتلقاها أي مجتمع ليست ناتجة عن الفيروس وحده بل تعود بشكل اساسي لتصرفاتنا الفردية، فالملل الذي يصيبنا من الكمامة أو التباعد هو الذي يستقدم الموجات الأولى والثانية والثالثة، وبالتالي علينا أن نتعظ من تجربة عيدي الميلاد ورأس السنة التي كلفت إزهاق مئات لا بل آلاف الأرواح.
أخيرًا، نحن في لبنان على عتبة الموجة الرابعة التي ستكون أشدّ من سابقاتها بكثير وهذا لا يعود للفيروس دلتا الجديد أبدًا بل لوضعنا الاقتصادي والمالي المتدهور أولًا وسقوط الإجراءات الصحية مع بداية الصيف ثانيًا.
غدًا لن نجد إلا مستشفيات لبنانية مُنهكة غير قادرة على إستقبال كلّ المرضى، والمرضى لن يجدوا كلّ الأدوية اللازمة، واللوازم والمعدات الطبية مختفية أصلًا.
ليس أمامنا أيّ حلّ الآن إلّا العودة الطوعية لإجراءات الحماية الشخصية، وإلّا السيناريو الأسود مطلع الخريف المقبل.
الوعي ثمّ الوعي، كان الله في عوننا جميعًا.