لبنان: مذكرة بيطار.. القطب المخفية في تعميم الملاحقات

كل اللبنانيين يجمعون على وجوب الكشف عن الحقيقة في جريمة تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020، لا بل يريدون لهذا الملف أن يصل إلى خواتيمه وأن يؤسس لمسار جديد عنوانه عدم الافلات من العقاب.

لا جدال في ما يرتأيه المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار من طريقة عمل، ولا جدال حول تاريخ هذا القاضي الذي شكّل إختياره من بين زملائه من القضاة بصيص أمل.

وبغض النظر عن مسار التحقيق والى اي نتائج سيفضي، فإن الامر اللافت للإنتباه هو الملاحقات التي اطلقها وطلبات رفع الحصانات التي تبلغها المعنيون عبر الإعلام قبل أن يتبلغوها من القاضي نفسه، وبينهم من لم يُستدع أصلاً للتحقيق للإستماع إلى إفادته. هذا الواقع يطرح سلسلة من التساؤلات لدى الرأي العام والوسطين السياسي والقانوني والمتابعين عن كثب للقضية.

ما صدر عن القاضي بيطار، على الرغم من مطالبة الجميع بالكشف عن الحقيقة، شكل “نقزة” للكثيرين، لان مطلب الكشف عن المجرم الحقيقي لا جدال حوله، غير أن ما صدر لم يكن بحجم ما ينتظره اللبنانيون، فهو “في جزء منه نسخة مضافة عما سبق وأصدره المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوان، وفي جزء آخر، نسخة منقوصة”، وهذا ما تم التعبير عنه عبر وسائط التواصل الاجتماعي وكم الاستهجان لطريقة عرض الملاحقات لا سيما ما تضمنته من أسماء، وأبرزها للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

في ما خص المديرية العامة للامن العام، كما هو معلوم فان صلاحياته محصورة ومحددة بمرسوم تنظيمي صادر سنة 1959 وبقانون صادر عن مجلس النواب سنة 1996 (قانون تظيم المديرية العامة للامن العام)، وهما يحددان صلاحيات عمل هذا الجهاز الأمني على جميع الاراضي اللبنانية، ومنها المرافئ والموانئ البحرية والبرية والجوية وبينها مرفأ بيروت، فالكشف عن المواد والبضاعة التي تصل الى المرفأ ليست من صلاحية جهاز الامن العام الذي تنحصر مهامه بالتدقيق في أوراق البواخر والطائرات والآليات على غرار أوراق كل من يدخل الى الأراضي اللبنانية. أما أمن المرفأ فله قوانين تنظم عمله تبدأ من إدارة مرفأ بيروت مروراً بالجمارك ووزارة المال ووزارة الاشغال العامة والنقل وصولاً إلى كل الاجهزة الامنية المعنية(…)، ولكل جهاز ووزارة صلاحية محددة، ووفق هذه الصلاحيات، عندما يكون هناك خطر معين يعمد كل جهاز ووزارة كلّ وفق اختصاصه الى الاضاءة على امور محددة.

هناك علامات استفهام لا تعد ولا تحصى حول حصر الملاحقات بأسماء معينة، ولماذا لم يتم تحديد المسؤول قانوناً عما حصل، واذا لم يتم حصر المسؤولية عبر تحديدها يصبح الجميع مسؤولاً وتضيع الحقيقة، ولو تم تغليفها بعنوان “جرأة القاضي”!

السؤال المركزي هو؛ هل من صلاحية هذه الاجهزة ان تقوم بعمل اجرائي تنفيذي علما ان هذا يتطلب قراراً؟ واذا كان القرار يجب ان يتخذه رئيس الجهاز، فإن رئيس الجهاز هو أول من يتحمل المسؤولية، اما اذا كان هذا القرار ليس هو من يصدره وينفذه، فهو يلفت النظر اليه كما الكثير من الامور التي تحصل في لبنان. هنا تحدد المسؤولية عند الذي يجب ان يتخذ القرار والاجراء التنفيذي.

الشيء الملفت للإنتباه في هذا الموضوع، لماذا قرر المحقق العدلي أن تجري ملاحقة رئيس جهاز الامن العام؟ وهل ما حصل يدخل ضمن صلاحياته؟

وبغض النظر عن التقارير التي رفعت حول شحنة نيترات الامونيوم، وطالما ان كل الجهات المعنية على علم بالشحنة، اصبح الاجدى الذهاب نحو من يجب ان يتخذ القرار ومن تلكأ عن اتخاذ القرار.. وهنا جوهر الموضوع.

هناك علامات استفهام لا تعد ولا تحصى حول حصر الملاحقات بأسماء معينة، ولماذا لم يتم تحديد المسؤول قانوناً عما حصل، واذا لم يتم حصر المسؤولية عبر تحديدها يصبح الجميع مسؤولاً وتضيع الحقيقة، ولو تم تغليفها بعنوان “جرأة القاضي”!

على سبيل المثال، هناك تقارير عن خطورة خزانات الوقود المنتشرة على طول الساحل اللبناني، ومنها ما هو موجود على طريق الدورة – ضبية. وقد عرضت في الاجتماع الاخير للمجلس الاعلى للدفاع تقارير تحذر من احتمال انفجار احد هذه الخزانات. فما هو الاجراء الذي اتخذ لازالة هذا الخطر؟ وهل مسموح ان تكون هذه الخزانات في هذه البقعة؟ ومن سمح بالبناء في محيطها؟ وهناك ابنية تبعد عشرة امتار عن هذه الخزانات، وهناك سنتر يضم عشرات المكاتب ومئات الموظفين ملاصق لها، كما انها محاذية لاوتوستراد ضبية الذي يبقى مزدحما على مدار الساعة، فمن يتحمل المسؤولية؟ هناك تقارير عُرضت أمام المجلس الأعلى للدفاع عن أكثر من 100 محطة وقود تقوم بتخزين كميات من النفط مضاعفة لقدرتها على التخزين، فتتحول إلى قنابل يمكن أن تدمر أحياء بأكملها، فمن يتحمل المسؤولية؟

إن تعميم الملاحقات في جريمة انفجار مرفأ بيروت أمر خطير، فهل المطلوب اتهام الجميع للقول انه لم يتم استثناء احد؟ زدْ على ذلك حملة منظمة عبر وسائط التواصل الإجتماعي تتضمن اتهامات مفبركة، صار معروفاً للإجهزة المعنية من يقف وراءها في لبنان والخارج.

إقرأ على موقع 180  المجلس الدستوري اللبناني يُشرّع لـ"الأمر الواقع" (2)

ثمة قطب مخفية في ما حصل وما يمكن أن يحصل. الأسئلة التي يجب أن يجيب عنها المحقق العدلي أكثر من أن تحصى وتعد ومحورها الأساس هو الإستنساب وإعتماد قاعدة ستة وستة مكرر (…). برغم ذلك، لا ينبغي أن يكون احد فوق القانون لأن الحقيقة تحرر الجميع.. لننتظر ما سيصدر من مواقف عن المعنيين في الساعات القليلة المقبلة.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  ما بعد سليماني.. حماس تقترب أكثر من إيران برغم الضغوط