رئيسة تحرير صحيفة “فايننشال تايمز” رولا خلف هي واحدة من بين أكثر من 180 محرراً ومراسلاً ومحققاً استقصائياً وصحافياً من مختلف أنحاء العالم تم إختيارهم كمرشحين مُحتملين ليكونوا موضع مراقبة وتجسس من قبل عملاء حكوميين لشركة مجموعة NSO الإسرائيلية للإستخبارات الرقمية، بحسب تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
طوال العام 2018، كانت رولا خلف، التي أصبحت أول رئيسة تحرير في تاريخ صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية العريقة بدءاً من العام الماضي، هدفاً للتنصت والمراقبة.
لقد تم تضمين رقم هاتف رولا خلف في قائمة مسربة لأرقام هواتف محمولة تم اختيارها لتكون موضع مراقبة محتملة من قبل عملاء شركة مجموعة NSO الإسرائيلية للإستخبارات الرقمية، التي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم. والمنتج الرئيسي الذي تبيعه هذه الشركة هو تكنولوجيا برمجيات “بيغاسوس” Pegasus، القادرة على اختراق الهواتف المحمولة، واستخراج جميع البيانات المخزنة فيها وتفعيل الميكروفون للتنصت على المحادثات وكذلك تفعيل الكاميرا.
الصحافيون أهداف محتملة
والتحقيق في هذه التسريبات يأتي في سياق مشروع “بيغاسوس” أو The Pegasus Project، وهو مشروع تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر منظمة “قصص محظورة” أو Forbidden Storiesللصحافة (منظمة غير ربحية- مقرها باريس)، بمساعدة تقنية من المختبر التقني الخاص لمنظمة العفو الدولية Amnesty International’s Security Lab، وبمشاركة أكثر من 80 صحافياً إستقصائياً من 17 مؤسسة صحفية في 10 دول حول العالم، من بينها صحيفة “الغارديان” البريطانية وموقع “درج” اللبناني. والمشروع الإستقصائي يحقق في “داتا” مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
يعمل الصحافيون الآخرون، الذين تم اختيارهم كمرشحين محتملين للمراقبة من قبل عملاء NSO، لدى مؤسسات إعلامية تُعتبر الأكثر شهرة في العالم. وهي تشمل “وول ستريت جورنال”، قناة “سي إن إن”، “نيويورك تايمز”، قناة “الجزيرة”، قناة “فرانس 24″، “راديو أوروبا الحرَّة”، “ميديابارت”، “إل بايس”، “أسوشيتد برس”، “لوموند”، “بلومبرغ”، “فرانس برس”، “الإيكونوميست”، “رويترز”، و”صوت أميركا”.
الحكومة المغربية تتهم عمر الراضي منذ ذلك الحين بأنه جاسوس بريطاني، وهي مزاعم وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها “تسيء إلى نظام العدالة بهدف إسكات أحد الأصوات الناقدة القليلة المتبقية في وسائل الإعلام المغربية”
ولطالما أصرت NSO على أن الحكومات التي تُرخص لها شركة Pegasus مُلزمة تعاقدياً باستخدام أداة التجسس القوية فقط لمحاربة “الجرائم الخطيرة والإرهاب”.
يشير تحليل البيانات المسربة إلى أن هاتف رولا خلف قد تم اختياره كهدف محتمل من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة. في ذلك الوقت، كانت خلف تتولى منصب نائب رئيس التحرير في صحيفة “فايننشال تايمز”. وقال متحدث باسم الصحيفة: “الحريات الصحفية حيوية، وأي تدخل غير قانوني للدولة أو مراقبتها للصحافيين أمر غير مقبول”.
تتيح تكنولوجيا برنامج Pegasus الناجحة لعملاء NSO الوصول إلى جميع البيانات المخزنة على الجهاز. فإذا كان الهدف صحافياً مثلاً، فإن برنامج التجسس هذا يسمح لعميل NSO الحكومي بكشف كل مصادر الهدف (المراسل) السرّية، وقراءة رسائل الدردشة الخاصة بهم، والإطلاع على دفتر عناوينهم الخاصة، والاستماع إلى مكالماتهم، وتتبع تحركاتهم الدقيقة وحتى تسجيل محادثاتهم عن طريق تنشيط ميكروفون الجهاز.
الصحافيون، الذين ظهرت أرقام هواتفهم ضمن قاعدة البيانات المرصودة، هم إما صحافيون مستقلون محليون – مثل الصحافي المكسيكي سيسيليو بينيدا بيرتو، الذي قُتل على يد مسلحين بالبنادق بعد شهر واحد من مراقبة هاتفه – أو مراسلون إستقصائيون حائزون على جوائز، أو محررون ومديرون تنفيذيون يتولون مناصب قيادية في المؤسسات الإعلامية التي يعملون فيها.
ويشير التحليل التفصيلي للبيانات إلى أن حكومات أذربيجان والبحرين والمجر والهند وكازاخستان والمكسيك والمغرب ورواندا والسعودية والإمارات كلها تعاملت مع الصحافيين كأهداف مراقبة محتملة.
إسكات الأصوات الناقدة
ليس بالإمكان تأكيد نجاح محاولة اختراق ببرنامج Pegasus للهواتف مائة بالمائة إلا بعد إجراء الفحص الجنائي على الهواتف. لاحقاً وبمساعدة تقنية من المختبر التقني التابع لمنظمة العفو الدولية، الذي يمكنه الكشف عن إصابات Pegasus الناجحة، تم الكشف عن وجود آثار برامج التجسس على الهواتف المحمولة لـ 15 صحافياً وافقوا على فحص هواتفهم بعدما تأكدوا أن أرقام هواتفهم من ضمن البيانات المسربة (الداتا).
من بين الصحافيين الذين أكد التحليل أن شركة Pegasus اخترقت أجهزتهم سيدهارت فارادراجان وبارانجوي غوا ثاكورتا – الأول هو المؤسس المشارك في الموقع الإخباري الهندي The Wire، والثاني مراسل في الموقع – فقد تم اختراق هاتف ثاكورتا في عام 2018 بينما كان يعمل على تحقيق في كيفية استغلال حكومة ناريندرا مودي القومية الهندوسية (تربطها علاقات وثيقة بأجهزة الإستخبارات الإسرائيلية) لمنصة “فايسبوك” من أجل نشر معلومات مضللة بشكل منهجي بين الهنود عبر الإنترنت.
قال فارادراجان عن قرصنة جهازه واختيار زملائه للاستهداف: “تشعر أنك مُنتهك. هذا تدخُّل لا يُصدق ولا ينبغي على الصحافيين السكوت عنه. لا ينبغي لأحد أن يتغاضى عن مثل هذا الشيء، ولكن على وجه الخصوص الصحافيون وأولئك الذين يعملون بطريقة ما من أجل المصلحة العامة”.
تعرض عمر الراضي، الصحافي المغربي المستقل والناشط في مجال حقوق الإنسان الذي نشر تقارير متكررة عن الفساد الحكومي في المغرب، للقرصنة من قبل عميل NSO طوال عامي 2018 و2019. ويُعتقد أن هذا العميل هو الحكومة المغربية.
الحكومة المغربية تتهم عمر الراضي منذ ذلك الحين بأنه جاسوس بريطاني، وهي مزاعم وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها “تسيء إلى نظام العدالة بهدف إسكات أحد الأصوات الناقدة القليلة المتبقية في وسائل الإعلام المغربية”.
ورفض سعد بندورو، نائب رئيس البعثة في سفارة المغرب في فرنسا، النتائج التي توصل إليها الإتحاد الصحفي (الكونسورتيوم) المشارك في هذا المشروع الإستقصائي.
وقال بندورو: “نذكركم بأن المزاعم التي لا أساس لها، والتي نشرتها بالفعل منظمة العفو الدولية ونقلتها منظمة “قصص محظورة”، كانت بالفعل موضع ردّ رسمي من قبل السلطات المغربية، التي تنفي بشكل قاطع هذه المزاعم”.
“لست وحدي الضحية”
خديجة إسماعيلوفا، الصحافية الاستقصائية الأذربيجانية الحائزة على جوائز عديدة، أثبت التحليل الفني لجهازها الهاتفي أنها تعرضت للاختراق ببرنامج Pegasus في عام 2019. لقد أمضت خديجة سنوات طويلة وهي تكتب وتحقق وتستقصي في قضايا الفساد وشبكات الإثراء غير المشروع التي تحيط بالرئيس الأوتوقراطي إلهام علييف، الذي يحكم البلاد منذ استيلائه على السلطة في عام 2003.
وقد واجهت خديجة حملة شرسة ومتواصلة من المضايقات والترهيب انتقاماً منها على عملها. ففي عام 2012، وبعد فترة وجيزة من تلقيها خطاب تهديد يحذرها من “الإستمرار في عملها الإستقصائي الذي تستهدف فيه شبكات الفساد والإثراء غير المشروع، ويحثها على التوقف عن التشهير”، تم نشر مقاطع فيديو لخديجة على الإنترنت تظهر فيها في أوضاع حميمة. فقد تم تصويرها باستخدام كاميرا مثبتة في شقتها من دون علمها.
هاتف خديجة تم اختراقه من قبل عملاء نظام علييف، وفقاً لتحليل البيانات المسربة. كما أن عميل NSO نفسه كان هو أيضاً موضع مراقبة مع أكثر من 1000 هاتف أذربيجاني آخر، العديد منها تعود إلى منشقين أذربيجانيين، بالإضافة إلى اثنين من محامي خديجة إسماعيلوفا
وفي عام 2014، ألقي القبض على خديجة بتهمة التهرب الضريبي، وإرتكاب “أعمال غير قانونية”، و”التحريض على الانتحار” لزميل ما زال على قيد الحياة. وبعد الإستئناف، تم إطلاق سراحها وإسقاط الحكم الذي كان يقضي بعقوبة سجن لمدة سبع سنوات ونصف السنة، ولكنها ظلت خاضعة لحظر السفر، فضلاً عن تجميد حسابها المصرفي الخاص ومنعها من التصرف به حتى وقت قريب.
من شبه المؤكد أن هاتف خديجة تم اختراقه من قبل عملاء نظام علييف، وفقاً لتحليل البيانات المسربة. كما أن عميل NSO نفسه كان هو أيضاً موضع مراقبة مع أكثر من 1000 هاتف أذربيجاني آخر، العديد منها تعود إلى منشقين أذربيجانيين، بالإضافة إلى اثنين من محامي خديجة إسماعيلوفا.
“وفي هذا الخصوص تقول خديجة: “أشعر بالذنب تجاه المصادر التي مدتني بـ(معلومات)، اعتقدت أن طرق المراسلة بيني وبين مصادري كانت مشفرة وآمنة.. لقد تحدثوا إلي ولم يعرفوا أن هاتفي مراقب.. أفراد عائلتي ضحايا أيضاً، أشخاص كنت أعمل معهم. الأشخاص الذين أخبروني بأسرارهم الخاصة هم ضحايا كذلك. أنا لست وحدي الضحية”.
وأضافت خديجة أنها كانت غاضبة من أولئك الذين “ينتجون كل هذه الأدوات ويبيعونها للأشرار، مثل نظام علييف. هذا أمر حقيرٌ، إنه أمرٌ شنيعٌ.. عندما تم عرض الفيديو ، كنت أنا فقط. الآن لا أعرف من تعرَّض لفضائي، ومن هو الآن في خطر بسببي”.
إعماء البصيرة
يوجد في داتا السجلات المسربة أيضاً رقم هاتف بريطاني يخص الصحافي الاستقصائي الأميركي برادلي هوب، الذي يعيش في لندن. في الوقت الذي تم استهدافه فيه كان هوب موظفاً في صحيفة “وول ستريت جورنال”.
في ربيع 2018، كان هوب وزميله توم رايت يستقصون صحة مسودة كتاب عن 1MDB، وهي فضيحة فساد تنطوي على سرقة 4.5 مليار دولار في ماليزيا. وكان نجيب عبد الرزاق، رئيس وزراء البلاد، ورجل أعمال يدعى جو لو، محور هذه الادعاءات.
جزء من التحقيق الذي كان هوب وزميله رايت يقومان به، يتعلق باحتمال أن يكون جزء من تلك الأموال المسروقة قد تم إنفاقها على يخت فاخر، يطلق عليه اسم “توباز” Topaz، يمتلكه الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، شقيق حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتولى حالياً منصب نائب رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة.
كجزء من الممارسة الصحفية المعتادة، اتصل هوب ورايت بالأطراف التي سترد أسماءها في كتابهما مع منحهم فرصة التعليق.
تكشف السجلات عن أنه في الوقت نفسه تقريباً، بدأ أحد عملاء NSO الحكوميين- يُعتقد أنه الإمارات العربية المتحدة – في اختيار هاتف هوب المحمول كمرشح محتمل للمراقبة.
تم إدراج رقم هوب في القائمة حتى ربيع عام 2019 على الأقل، وطوال ذلك الوقت واصل هوب ورايت الإبلاغ عن عمليات الكشف الجديدة في تحقيق الفساد في 1MDB. الجدير ذكره هنا أن رقم هاتف رايت لا يظهر في القائمة.
لم يعد بإمكان هوب استخدام هاتفه، لذا لم تتمكن “الغارديان” من إجراء تحليل، على الرغم من أن عمليات التحقق من جهازه الحالي لم تعثر على ما يشير إلى أنه يخضع للمراقبة حالياً.
مارتينيز: “هناك حاجة ماسة للدول للبدء في تنظيم الشركات المصدرة لأجهزة وبرامج المراقبة والتجسس، لا سيما حيث من المحتمل أن يتعرض الصحافيون للخطر”
وفي هذا الشأن قال هوب: “أعتقد أن الشيء الأول الذي يرغب أي شخص يستهدف هاتفي في معرفته على الأرجح هو: من هي مصادري؟ إنهم يريدون أن يعرفوا من الذي يقدم هذه البصيرة التي تساعد في كشف الفساد”.
وأشار هوب إلى أن أحد الاحتمالات هو أن الدولة ربما كانت مهتمة به لأنها كانت تحاول معرفة ما إذا كان له أي صلة أو علاقة ما في ما يتعلق بالقضايا التنافسية العالقة بين الأطراف في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجارتها قطر.
وقال هوب إنه حرص بالفعل على اتباع العديد من الإجراءات الاحترازية المضادة للأمن الرقمي، بما في ذلك تغيير هاتفه المحمول بانتظام، وتحديث أنظمة التشغيل، وعدم جلب الأجهزة الإلكترونية إلى الأماكن التي تطبق فيها إجراءات قضائية عالية الخطورة، مثل الإمارات العربية المتحدة.
وأضاف: “مع العلم أنه بإمكان دولة ما اختراق هاتفك بسهولة، فهذا يعني حتماً أنه يجب عليك دائماً التفكير في هاتفك كجهاز مراقبة محتمل. هذا سوف يذكرني فقط أنه في أي وقت يمكن أن أحمل معي نقطة ضعف”.
ومن بين الصحافيين البارزين الآخرين الذين تم اختيار هواتفهم من قبل عملاء NSO، غريغ كارلستروم، مراسل الشرق الأوسط في صحيفة “الإيكونوميست”، الذي تم اختيار أرقام هواتفه المصرية والقطرية كأهداف محتملة من قبل عميل NSO، يُعتقد أنه تابع للإمارات العربية المتحدة.
كما تم اختيار مديرين تنفيذيين لوسائل إعلام بارزة، بما في ذلك إدوي بلينيل، مؤسس المنفذ الاستقصائي الفرنسي على الإنترنت “ميديابارت”.
“لا توجد ضمانات كافية”
قال كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، مدير البرامج في منظمة حماية الصحافيين غير الربحية، إن استخدام برامج التجسس لمهاجمة الصحافيين والتجسس على مصادرهم أصبح قضية خطيرة بشكل متزايد لمنظمته.
وأضاف مارتينيز أن فرض المراقبة على صحافي له تأثير قوي لهو أمرٌ مخيف للغاية. أجهزتنا وسائل أساسية لنقوم بنشاطنا وننجز تقاريرنا، فهي تكشف عن اتصالات الصحافي، وتكشف مصادره والمادة التي يعمل عليها. إنه يستهدف النشاط الصحفي بطريقة تعوق عمله بشكل شبه كامل خصوصاً في المواقف التي يتعرض فيها الصحافيون لتهديد”.
وتابع مارتينيز: “هناك حاجة ماسة للدول للبدء في تنظيم الشركات المصدرة لأجهزة وبرامج المراقبة والتجسس، لا سيما حيث من المحتمل أن يتعرض الصحافيون للخطر. لا توجد ضمانات كافية بشأن تصدير البرمجيات الخاصة بالتجسس. لقد تم بيع العديد من برامج التجسس مباشرة إلى الحكومات ذات السجلات الرهيبة المتعلقة بحرية الصحافة والتعبير وغير ذلك، وهذا ما يصعب فهمه”.
(*) ترجمة بتصرف عن “الغارديان“. النص بالإنكليزية من إعداد: ديفيد بيج وبول لويس من لندن، مايكل صافي من بيروت، نينا لاخاني من سيوداد ألتاميرانو (المكسيك)
***
هاتفك.. عدوك
كتب كلٌ من لوران ريتشارد مؤسس ومدير منظمة Forbidden Stories، وهو اتحاد من الصحافيين حصل على العديد من الجوائر الصحفية العالمية، وساندرين ريغو رئيسة تحرير Forbidden Stories النص الآتي في “الغارديان“:
“بالنسبة للعملاء الحكوميين لشركة NSO Group، فإن برمجيات Pegasus هي السلاح المثالي “للقضاء على القصة”. المراقبة الجائرة للصحافيين والنشطاء ليست مجرد هجوم على هؤلاء الأفراد؛ إنها طريقة لحرمان ملايين المواطنين من المعلومات المستقلة عن حكوماتهم. عندما يتعمد هؤلاء العملاء اختراق هاتف أحد الصحافيين، فإنهم قادرون على استخراج المعلومات الأكثر حساسية الموجودة به. مثل: في ماذا كان يحقق هذا الصحافي/ الصحافية؟ ما هي المعلومات التي كان يسعى/ تسعى وراءها؟ من هي مصادره/ها؟ أين يخفي/ تخفي وثائقه/ها؟ من هم أحباؤه/ ها؟ ما هي المعلومات الخاصة التي يمكن استخدامها لابتزازه/ ها والتشهير به/ بها؟
لطالما اعتقد الصحافيون أن التقنيات التكنولوجية الجديدة – أسطول الاتصالات المشفرة التي يعتمدون عليها – هي حليفتهم، وحواجز دفاع متينة وموثوقة ضد الرقابة. ومع وجود أدوات مراقبة إلكترونية متقدمة مثل برمجيات Pegasus، فقد تم إيقاظهم بوحشية على حقيقة أن أكبر التهديدات تختبئ في الأماكن التي اعتقدوا أنها الأكثر أماناً. يطرح مشروع “بيغاسوس” أو The Pegasus Project الإستقصائي أسئلة مهمة حول خصخصة صناعة المراقبة والتجسس، والافتقار إلى الضمانات العالمية للمواطنين العاديين.
إذا تعرض أحد الصحافيين لتهديد ما أو محاولة قتل، فيمكن لصحافي آخر أن يتولى الأمر ويضمن عدم إسكات القصة
فعندما ينشأ تهديدٌ كبيرٌ مثل التجسس والمراقبة عبر الهواتف الشخصية، فإن ذلك يهدد الحقوق الأساسية مثل الحق في حرية التعبير، ويصبح الصحافيون بأمس الحاجة للعمل معاً. فإذا تعرض أحد الصحافيين لتهديد ما أو محاولة قتل، فيمكن لصحافي آخر أن يتولى الأمر ويضمن عدم إسكات القصة.
قبل خمسة وأربعين عاماً، تم إطلاق أول مشروع صحفي تعاوني بعد مقتل الصحافي دون بولس، في فينيكس – أريزونا. وفي عام 2018، نسقت منظمة Forbidden Stories مشروع Daphne في أعقاب اغتيال الصحافية دافني كاروانا غاليزيا، في مالطا. لقد واصلنا متابعة عمل الصحافيين الذين قُتلوا بسبب عملهم – سواء كان ذلك خلال تحقيق خاص في فضائح بيئية أو خلال تعقب عصابات المخدرات المكسيكية – جنباً إلى جنب مع عشرات المؤسسات الإخبارية والإعلامية. ويُعتبر تعاون الصحافيين من جميع أنحاء العالم بلا شك أحد أفضل الدفاعات ضد هذه الهجمات العنيفة على الديموقراطية العالمية”.
(*) راجع الجزء الأول “الغارديان”: حكومات تخترق 50 ألف هاتف بينهم سياسيون وصحافيون