أيها اللبنانيون اللاطائفيون.. ماذا أنتم فاعلون؟

لبنان لن يموت ولكنه لن يحيا. التغيير يبدو بعيداً أو مستحيلاً. اعداء التغيير أقوياء ومستعدون لإجهاض أي مشروع متواضع. لقد أصبحوا الأصل ولا بديل لهم، إلا اشباههم. أي محاولة تغيير، يلزم ان تأتي من الخارج.

هكذا اعتاد لبنان تاريخياً. رؤساء جمهوريته، يفوزون بأصوات مأمورة من الخارج. رؤساؤنا، في معظمهم، كانوا بتوصية آمرة من دولة او دول، لها حق الأُمرة والمشورة. والعصابات الحاكمة مطمئنة لهذا التدخل، الذي بلغ حد تسمية رئيس الوزراء، يجب أن تأتي املاءً من عدد من الدول “الصديقة”. اللبنانيون يقيمون في منفى يدعى لبنان. السياسة اللبنانية يلزم أن تتنبه للإملاء الفرنسي والاميركي والايراني والسعودي والسوري و.. هلم جراً. ولا يشعر النواب بحرج ابداً. هم زبائن رخيصة عند دول ذات انياب ومصالح.

يستحيل التغيير في هذا الكيان. الديموقراطية مطاردة ومطرودة، من كافة الدول العربية والاقليمية. الدول الغربية الديموقراطية، آخر همها، الديموقراطية في الدول المطيعة والبلا سيادة. ولنفرض أن هناك بديلاً للطائفية السياسية في لبنان، فإن خليفتها، ليست الديموقراطية ابداً. البديل عن الديموقراطية هو “الدينوقراطية”، حيث لا مكان للمواطن ابداً. مكانة اللبناني الدائمة هي أن يكون الناطق الدائم، باسم طائفته ومذهبه ودينه. وهذا ليس وهماً أو تصوراً. الشواهد كثيرة: هناك معركة ضارية يدور رحاها في لبنان المحطم، حول لمن تكون وزارة الداخلية، للسنة او للموارنة.. وهكذا دواليك. يحدث ذلك والناس في لبنان يلهثون بذل وتعذيب ومهانة وخوف وهلع، بحثاً عن قوتهم ودوائهم وما يبقيهم على قيد الحياة، بلا كرامة. فطأطىء رأسك يا اخي. انت من جنس الملعونين، واللعنة تحاكمك وتحكمك وتتحكم بك.

نحن نعيش في ظل حرب اهلية بلا اسلحة. ننتظر حلاً، أي حل، يأتي من الخارج. ظنّ اللبنانيون أن انفجار او تفجير المرفأ، سيكون بداية سقوط الهيكل على آلهته الموبوءة. عبث. اختبأت. لجأت إلى الصمت. ثم، حصنت بالحصانات. الخارج يهدينا عباراته وتعازيه وعجزه.

إذا كان المستقبل ممكناً، فلن يتحقق الا إذا التم اللبنانيون اللاطائفيون، وطرحوا اسئلة الاسباب التي ادت إلى الخراب المتمادي. وأجابوا اجابات حاسمة، تقيَّم تجارب الفشل واسبابها، منذ قرن حتى ما بعد الآن.. إذا لم نعِ بؤس ماضينا فسنكون بؤساء حاضرنا ومستقبلنا

التاريخ عادة، يتقدم. نحن “خلصنا”. ليست هي المرة الأولى. كان لبنان مشروع وطن. دستوره ديموقراطي ونظامه كذلك. عيوبه قليلة ولكنها كانت جسيمة. كانت الطائفية مؤقتة. وجاءت هذه التزكية بعد نزاع برلماني بين مؤيدي العلمانية ومتطرفي الطائفية. اتفق الفريقان اخيراً، على ابقاء الطائفية مؤقتاً، وتلغى بعد تراجع الطائفية.. حدث أن تسارع نمو الطائفية، وتم ترسيخها في السياسة، وتم توظيفها في السياسات الخارجية، الدولية والإقليمية. ازداد الشعور بالغبن. تعاظم خوف المارونية السياسية.. وعاش لبنان على ايقاع طائفي متنام، وتراجع للدولة المدنية حتى اختنق الصوت. وباتت الطائفية، حزب الاحزاب اللبنانية. ولا ضرورة لتكرار ما حصل. فلبنان الخراب اليوم، هو الابن الشرعي لهذا النظام. كان لبنان طائفياً قليلاً في البدايات. اليوم، لم يعد في الساحة إلا الطائفية، الإله السياسي المعبود والخادم معاً.

وأنتم أيها اللبنانيون اللاطائفيون، ماذا أنتم فاعلون؟ الطائفيون مقيمون بحماسة في أقبية ومغاور ومناصب طوائفهم ومذاهبهم. هم الركائز الداعمة والدائمة للنظام ولو أدى ذلك إلى مزيد من الخراب والانحدار.

ماذا أنتم فاعلون؟ هل تراهنون على الإصلاح؟ هل ترون في الافق مشروعاً على أيدي الذين ابتدعوا هذا الخراب المتكرر؟ أم انكم مستعدون لمغامرة المستقبل المديد؟

إذا كان المستقبل ممكناً، فلن يتحقق الا إذا التم اللبنانيون اللاطائفيون، وطرحوا اسئلة الاسباب التي ادت إلى الخراب المتمادي. وأجابوا اجابات حاسمة، تقيَّم تجارب الفشل واسبابها، منذ قرن حتى ما بعد الآن.. إذا لم نعِ بؤس ماضينا فسنكون بؤساء حاضرنا ومستقبلنا. لبنان مدرسة في الفشل الدائم والدفاع عنه.

أمام النخبة المستقبلية مسؤولية الاجابة عن اسئلة البناء الذي سيكون النموذج المنفتح. هل لبنان مؤهل ليكون دولة، وكيف وبماذا؟ هل هذه الدولة ستحسم خياراتها السيادية ام تبقى على قارعة الامم والازمات، عاجزة عن صياغة جواب يحدد الاتجاه؟ هل يتحمل لبنان الاقليات قيام نظام ديموقراطي لا طائفي بالمرة، مع احترام خصوصيات الطوائف الايمانية فقط، ولا علاقة للدين بالدولة واداراتها وسياساتها؟

هل سيتأمن النهج التربوي الذي يبني الانسان المواطن وليس الرضيع الطوائفي. مدارسنا وجامعاتنا، في معظمها، تدفع المتخرج إلى حضن قطيعه. فصل التربية عن المذهبية ممكن ام مستحيل؟ مدارس لبنان وجامعاته هي اليوم طائفية بجدارة الانتماء إلى الحظائر.

الاسئلة كثيرة. الهدف بناء مواطن لتأسيس مجتمع، وكيان شعب، يكون هو المرجعية السياسية، وليس تابعاً للسياسيين كما هي الحال اليوم. الشعب اولاً. هل سيكون لدينا شعب عن جد؟ ماذا يلزمنا لذلك، وكم من الزمن؟

من يؤمن بالمستحيل، يستقيل.

من يراهن على البناء، عليه أن يتوقع عقوداً، قبل أن يولد بلد، فيه دولة وشعب مساءلة ومساواة وانتاج و..

إقرأ على موقع 180  ياسر عودة.. يصدّح بصوت وحناجر المظلومين

إذا كانت هذه الاسئلة قبل اوانها. فلننتظر استكمال مسيرة الانهيار، مرة أخرى.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  ماكرون يتوعد السياسيين: ليس لكم إلا الطحين!