غداة انفجار الرابع من آب/اغسطس 2020، نفذت اكثر من دولة غربية مناورة عملانية من خلال وصول بوارج وإنزال جنود على الشاطئ اللبناني واقامتهم في فنادق قريبة امتدادا باتجاه الشرق والشمال، وكان لافتاً للإنتباه، حينذاك، انتقال قوة من قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) الى بيروت تحت عنوان المساعدة على رفع اثار الانفجار وتمركزها في نقطة استرتيجية هي منطقة الحدث المشرفة على كامل الضاحية الجنوبية لبيروت. نفذت هذه “القوة الأممية” مناورة عملانية بأبعاد عسكرية وامني. هذه وغيرها من “حراكات عسكرية وأمنية” بعد انفجار المرفأ، كانت محل تقييم عند الدول التي ارسلت قواتها الى لبنان ومنها تلك المشاركة في عداد قوات اليونيفيل (القبعات الزرق).
جاءت التطورات المتدحرجة تباعاً من نهر الكلب (التعرض للناخبين السوريين) إلى حادثة شويا مرورا بحوادث أخرى أبرزها خلدة، “لتؤشر الى أننا أصبحنا أمام توترات امنية متنقلة ومضبوطة ومحسوبة استكمالا للضغط الاقتصادي والمعيشي والمالي، وبشراكة من بعض الداخل الذي يسارع الى تقديم نفسه شيخ صلحة مع بعض الخارج الذي يعتصم بالصمت المريب”، على حد تعبير مرجع أمني لبناني.
ابرز هذه الاحداث الخطيرة تمثلت في:
1-حادثة الجية في الحادي والثلاثين من تموز/يوليو المتمثلة بذهاب المدعو احمد غصن الى حفل زفاف في احد المنتجعات (الجية) حيث يحضر المدعو علي شبلي، واقدام غصن على قتل شبلي امام الحضور قبل ان يتسلمه الجيش اللبناني، “ليتبين ان الامر مدبر ومخطط ويأتي إستكمالاً لحوادث عشائرية سابقة”.
2-حادثة خلدة التي حصلت في اليوم التالي وتمثلت في ارتكاب مجزرة بحق مشيعي علي شبلي بعدما احضر جثمانه الى منزله في خلدة، وتبين ان من قتلوا في هذه المجزرة اصيبوا بطلقات نارية في الرأس والرقبة “والهدف هو زيادة منسوب التوتر وصولا الى ردة فعل غير محسوبة، قبل أن تتمكن الجهات المعنية من استيعاب الحادثة وتهدئة النفوس والإستعانة بالجيش من خلال الاجراءات والمداهمات والتوقيفات لا سيما القرار الجريء بتوقيف الشيخ عمر غصن المعروف المتهم بتشكيل عصابة مسلحة وبالتحريض على قطع مدخل بيروت أكثر من مرة في السنوات الماضية”.
3-احياء الذكرى السنوية الاولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب/اغسطس، حيث تبين “وجود نوايا مبيتة بتحويلها الى فوضى امنية، لكن الجيش اللبناني تمكن من مصادرة اسلحة وقنابل حربية عند المدخلين الشمالي والجنوبي لبيروت، ما يعني ان بعض الجهات فقدت سيطرتها على بعض المجموعات التي على ما يبدو صارت اجنحة تتبع لجهات خارجية وتنفذ املاءاتها، إذا لم تكن للأمر أبعاد أخطر من ذلك”.
4-اطلاق صواريخ كاتيوشا مجهولة المصدر سقطت في منطقة مفتوحة في فلسطين المحتلة، وإستدرجت رداً إسرائيلياً تدرّج من مدفعي الى جوي (غارتان جويتان)، ومسارعة المقاومة الى الرد بصلية صاروخية واصدارها بياناً تبنت فيه عملية اطلاق الصواريخ وتعمّدت تضمين بيانها انها استهدفت منطقة مفتوحة وهي محيط احد المواقع العسكرية الاسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة وأن مصدر إطلاق الصواريخ كان “مناطق حرجية بعيدة تماماً عن المناطق السكانية (اللبنانية)”.
طلب موفدون غربيون من الجانب اللبناني لاتمام التمديد لقوات اليونيفيل بلا عوائق وتعقيدات ما اسموه “تعاون الاهالي مع هذه القوات لتسهيل تنفيذ مهامها”، وعندما تم الاستفسار عما يقصدونه من عبارة “تعاون الأهالي”، كان الجواب ان المقصود هو “عدم اعتراض جنود اليونيفيل أثناء تنفيذ مهامهم”!
ما استرعى الانتباه هو حادثة بلدة شويا في قضاء حاصبيا اثناء عودة المقاومين من تنفيذ عملية الرد الصاروخي. هذا الامر “يجب ان يفتح نافذة واسعة امام قيادة المقاومة لدراسة حقيقة الواقع الشعبي والبيئة المحيطة ومدى ردة فعلها في حال نشوب حرب جديدة مع اسرائيل، وهل ستواجه المقاومة في حينها مشهديات اوسع واعقد واخطر من مشهدية شويا”، يسأل المرجع الأمني نفسه.
ومن شويا إلى نيويورك، حيث تبلغت جهات رسمية لبنانية في شهر حزيران/يونيو الماضي ان التمديد لقوات اليونيفيل “سيحصل هذه السنة من دون عقبات” وان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون “اخذ على عاتقه الشخصي تذليل اي عقبة لا سيما اميركية امام التمديد من دون أي تعديل في قواعد الاشتباك”.
ووفق جهات ديبلوماسية “طلب موفدون غربيون من الجانب اللبناني لاتمام التمديد لقوات اليونيفيل بلا عوائق وتعقيدات ما اسموه “تعاون الاهالي مع هذه القوات لتسهيل تنفيذ مهامها”، وعندما تم الاستفسار عما يقصدونه من عبارة “تعاون الأهالي”، كان الجواب ان المقصود هو “عدم اعتراض جنود اليونيفيل أثناء تنفيذ مهامهم، إن خلال تسيير الدوريات او تركيب الكاميرات او تسيير المسيرات، ليأتي الجواب السريع بأن هذا ليس تعاوناً انما تنفيذ مشوه للقرار الدولي الرقم 1701 من خلال استباحة كل الخصوصية اللبنانية لصالح اسرائيل، ولما سأل الموفدون الغربيون “عن الحل”، كان الجواب الرسمي اللبناني ان الحكومة اللبنانية “تلتزم بتنفيذ القرار 1701 لجهة التعاون بين قوات اليونيفيل والجيش اللبناني”.
وحسب الجهات الديبلوماسية اللبنانية إياها “كنا أمام محاولة دولية لتعديل قواعد الاشتباك تحت عنوان “التعاون من قبل الاهالي”، وصولاً إلى فرض وقائع جديدة، لكن الحذر اللبناني دفع اسرائيل الى تنفيذ اختبار ميداني بالنار على قاعدة تقديرات إسرائيلية مفادها أن حزب الله محرج نتيجة الأزمة الداخلية في لبنان ولن يتجرأ على الرد، الا ان هذه المحاولة ارتدت سلباً على الإسرائيليين، وجعلت امكانية تعديل قواعد الاشتباك ولو جزئياً او صورياً امراً مستحيلاً”.