في هذا الوقت، يعاني لبنان واحدة من أشد الأزمات الإقتصادية والمالية حدةً منذ منتصف القرن التاسع عشر، حسب تقييم البنك الدولي. كما يعيش حوالي 85 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر.
ان أبرز نتائج النزوح هي بلوغ الكثافة السكانية في لبنان نسبة 650 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، وهي من أعلى النسب في العالم. كذلك، إن نسبة ولادات السوريين في لبنان تتجاوز نسبة عدد ولادات اللبنانيين، ناهيك عن ارتفاع كبير لمستوى البطالة وتدهور وضع البنية التحتية وارتفاع نسبة الجريمة، ناهيك عن أن ما يزيد عن ربع المساجين في السجون اللبنانية هم من النازحين السوريين. يضاف الى ذلك، صعوبة ضبط الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية لا سيما إنطلاقاً من شواطىء لبنان.
إن أسباب نزوح الأكثرية الساحقة من السوريين كانت وما زالت إقتصادية أو هرباً من الحرب أو من الخدمة العسكرية الإلزامية. وبالرغم من عدم التوصل إلى حل دائم في سوريا، لغاية الآن، إلا أن الحرب توشك على الانتهاء ويمكن القول إن الوضعين الاقتصادي والأمني في سوريا هما أفضل حالاً مما هما في لبنان، وثمة حوالي 17 مليون سوري يعيشون على أراضي سوريا. كذلك، إن عدداً كبيراً من النازحين يدخل إلى (أو يعود من) الاراضي السورية بشكلٍ متواصل، علما أن بعضهم يستفيد من قرارات الحكومة السورية بالعفو وبينهم فارون سابقاً من الخدمة العسكرية الالزامية أو غادروا سوريا هرباً من آتون الحرب.
بعد انقضاء أحد عشر عاماً على وجودهم، لم يعد لبنان قادراً على انتظار الحل السياسي في سوريا خصوصاً وأن بلدنا يعاني من أزمات اقتصادية ومالية ومعيشية لأسباب عديدة ومنها ملف النزوح السوري الضاغط. كما يتخوف لبنان من أن يتحول الدعم المستمر لبقاء النازحين السوريين فيه إلى مشروع مماثل لمؤسسة “الأونروا”
إن العدد الأكبر من النازحين الذين يستفيدون من المساعدات الدولية يعملون أيضاً في القطاعات الزراعية والصناعية والخدماتية وغيرها في لبنان، وهم يُؤمنون من مداخيلهم ايرادات بالعملة الصعبة إلى عيالهم في الداخل السوري. كذلك، مارس معظم النازحين حقهم في التصويت في الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة في سفارتهم لدى لبنان.. وهم يقصدونها من أجل إتمام معاملاتهم بصورة دورية.
ولبنان سعى منذ بدء الأزمة لاحتضان النازحين كواجب أخوي وإنساني، وتعاون مع المجتمع الدولي لمساعدتهم والحفاظ على كرامتهم وسلامتهم، كما تلقى الشكر الجزيل على استقبال ورحابة صدر اللبنانيين. لكن بعد انقضاء أحد عشر عاماً على وجودهم، لم يعد لبنان قادراً على انتظار الحل السياسي في سوريا خصوصاً وأن بلدنا يعاني من أزمات اقتصادية ومالية ومعيشية لأسباب عديدة ومنها ملف النزوح السوري الضاغط. كما يتخوف لبنان من أن يتحول الدعم المستمر لبقاء النازحين السوريين فيه إلى مشروع مماثل لمؤسسة “الأونروا” التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة لفلسطين التاريخية، والتي تعاني باستمرار من شح الموارد المتوفرة للقيام بعملها والمحافظة على كرامة وسلامة اللاجئين الفلسطينيين.
ويزداد خوف لبنان بعدما تبين له أنه ليس للمجتمع الدولي، أو الدول المانحة، خارطة طريق أو خطة متكاملة لعودة النازحين إلى ديارهم والاستمرار في ربط العودة بالحل السياسي، في ظل عدم التركيز على سبل توفير حل سريع وعادل للأزمة السورية. وبالاضافة إلى إنسداد الأفق السياسي والدستوري، أدت الحرب الاوكرانية التي اندلعت شراراتها في شباط/فبراير الماضي إلى تغيير أولويات المجتمع الدولي واهتماماته بعيداً عن كل ما يحصل في منطقتنا. وكل ذلك يعني أن النازحين باقون في لبنان بمساعدة مادية من المجتمع الدولي ومن دون وجود بصيص نور لعودتهم، فيما يشهد لبنان، بالمقابل، إرتفاع أعداد المهاجرين اللبنانيين، وبينهم شريحة وازنة من فئة الشباب، الأمر الذي يُهدّد بتغيير الواقع الديموغرافي في لبنان في السنوات المقبلة.
لم تعد الوسائل الكلاسيكية المتبعة منذ أحد عشر عاماً كافية لا لإعادة السوريين إلى ديارهم ولا إلى حماية اللبنانيين في أرضهم
يرغب لبنان بتطوير التعاون مع المجتمع الدولي لايجاد الحلول المستدامة لمشكلة النازحين السوريين، خاصة أن استمرار الوضع الراهن لا يُضر فقط بالمصلحة اللبنانية وحسب إنما يُسرّع في الانهيار.. وما تزايد ظاهرة الزوارق غير الشرعية المتجهة الى السواحل الأوروبية، إلا أوضح دليل على التداعيات التي تهدد الجوار. زدْ على ذلك الممارسات الانتقائية في توزيع المساعدات الدولية، الأمر الذي يقوّض السيادة اللبنانية، علماً أن هذه السياسات الدولية لا تمارس أبداً في بلدان أخرى تواجه أوضاعاً مماثلة، حيث يُصار إلى مساعدة النازحين من خلال الحكومات المعنية بخلاف ما يحدث في لبنان.
لم تعد الوسائل الكلاسيكية المتبعة منذ أحد عشر عاماً كافية لا لإعادة السوريين إلى ديارهم ولا إلى حماية اللبنانيين في أرضهم. لا بد من صياغة مقاربة مختلفة في المدى القريب قوامها إعادة النظر في كل المقاربات السياسية والقانونية والاقتصادية والمالية، حتى ينال كل صاحب حق حقه، وأول الحقوق عودة السوريين السريعة إلى ديارهم، في ظروف آمنة وكريمة.