فرض رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي نفسه بأسلوبه وأدائه على الرئيس اللبناني ميشال عون الذي وجد أمامه صورة مغايرة لتلك المرسومة عن الرئيس المكلف سابقاً، فمنذ اللقاء الاول بعد التكليف تبيّن لرئيس الجمهورية انه امام شخصية محنكة سياسياً تتقن تدوير الزوايا وغير قابلة للانفعال عند اي عقدة انما تتعاطى مع كل ما يطرح بنفس ايجابي وحواري وليس على قاعدة “عنزة ولو طارت”.
ومن يلتقي عون أو ميقاتي يخرج بانطباع مفاده أن “العلاقة بين الرجلين قائمة على التعاون”. من جهة، يشعر عون بأن ميقاتي راغب بتشكيل حكومة تُبصر النور سريعاً، خلافاً للوضع الذي كان قائماً مع الرئيس المكلف سعد الحريري. “منذ اللحظة الاولى، تعامل الحريري مع التأليف بروحية التعقيد حتى لا يؤلّف الحكومة لاعتبارات خارجية اكثر منها داخلية”، لكن الأمر يبدو مختلفاً مع ميقاتي، ذلك أن ثمة كيمياء خفية سرت بين عون وميقاتي وبالتالي سهّلت مقاربة الملف الحكومي”، يقول المدافعون عن العهد. من جهة أخرى، يقول مقربون من ميقاتي إنه قرر منذ اللحظة الأولى أن يزرع روح التوافق، فلا أحد يقول للآخر “لا.. ونقطة على السطر”، بل شراكة كاملة في التأليف لا تنتقص من صلاحيات رئيس الحكومة المكلف ولا من صلاحيات رئاسة الجمهورية، وهذه الروحية تطورت وأفضت إلى إجتياز 97 متراً من أصل مائة متر. بقي أمامنا ثلاثة أمتار. هي أمتار هامة ولا بد من إجتيازها حتى نربح الحكومة، ولكن الأمور بخواتيمها”.
قبل نهاية الاسبوع الحالي تتضح الصورة النهائية، وتصدر المراسيم لتبدأ عملية صوغ البيان الوزاري الذي ينتظر مضمونه الخارج قبل الداخل والذي على اساسه يتحدد حجم ومستوى التعاون مع الحكومة
اللقاءات بين عون وميقاتي، التي صار عددها الى يومنا هذا احد عشر لقاءً، ستتوج في الساعات المقبلة بلقاء هو الثاني عشر (يرجح أن ينعقد اليوم (الأربعاء) بعيداً عن عدسات الإعلام)، فهل يمكن أن نشهد في نهاية الأسبوع الحالي ولادة حكومة نجيب ميقاتي الثالثة؟
نحن نتحدث عن حكومة من 24 وزيراً، بينهم رئيس الحكومة وخمسة وزراء يمثلون الطائفة السنية سيحصلون على حقائب أبرزها حقيبة وزارة الداخلية السيادية (ستؤول إما إلى ضابط متقاعد أو أحد المدنيين الأكفاء) وحقيبة زارة الصحة (ما زال د. فراس الأبيض هو المرشح الأبرز لها). هناك خمس حقائب للطائفة الشيعية بينها حقيبة وزارة المال السيادية (يوسف خليل أو من يسميه نبيه بري)، وزارة الأشغال (حزب الله)، وزارة العمل (حزب الله)، وزارة الزراعة (حركة أمل)، وزارة الثقافة (شخصية محسوبة على “الثنائي” أسمتها حركة أمل). حقيبتان للطائفة الدرزية هما وزارة التربية (يسميه وليد جنبلاط)، وزير شؤون المهجرين (يسميه طلال إرسلان).
أما المقاعد المسيحية، فستكون موزعة على الشكل الآتي: حقيبتان (مارونية وأرثوذكسية) لتيار المردة برئاسة سليمان فرنجية (الإتصالات والصناعة)، حقيبة للحزب السوري القومي الإجتماعي (كاثوليكي)، حقيبة خدماتية لوزير أرمني يسميه حزب الطاشناق (الإقتصاد)، حقيبة الخارجية (جرى التوافق على شخصية مارونية تتولاها)، حقيبة الدفاع (ضابط أرثوذكسي سابق)، نائب رئيس الحكومة (أرثوذكسي توافقي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف)، بالإضافة إلى عدد من الوزراء الذين سيسميهم رئيس الجمهورية بالتوافق مع ميقاتي مثل وزراء العدل (ماروني) والشؤون الإجتماعية والطاقة والسياحة والإعلام.
ميقاتي: نريد ضباطاً يقفون معنا في معركة وقف الإنهيار وإعادة الأمور إلى نصابها.. لا نريد ضباطاً أو جنوداً يطلقون النار على ظهورنا من الخلف لأسباب سياسية أو إنتخابية
يقود ذلك للإستنتاج أن التوزيع الطائفي للحقائب حُسم بلا اعتراضات من المكونات الطائفية، وهذا الامر اخذ وقتاً بحيث استحوذ تسع لقاءات قبل ان يحسم في لقاء السبت الماضي بعيداً عن الاعلام، وجاء التوزيع عادلاً ومتوازناً ولا احد يستطيع معه القول بأن هناك غرم وغنم، ليدخل الرئيسان سريعاً في عملية اسقاط الاسماء على الحقائب.
ما هي المعايير التي اعتمدها عون وميقاتي في اختيار الاسماء؟
أولاً؛ عدم توزير اسماء شغلت مواقع وزارية في السابق.
ثانياً؛ تثبيت عدم توزير نواب حاليين او سابقين.
ثالثاً؛ ان يطرح كل مكون لكل حقيبة ثلاثة اسماء على الاقل بمواصفات تنطبق على صفة الاختصاص والخبرة والكفاءة ونظافة الكف، مُضافاً اليها شرط جديد هو ان يكون الاسم المقترح صاحب إنجاز في مجال اختصاصه.
كان هدف ميقاتي هو أن يُقدم للناس حكومة اختصاصيين قادرة على ان تغطي على الظروف السياسية التي فرضت نفسها في ان تكون الاسماء مقترحة من المكونات السياسية والطائفية، استنادا الى المقولة الممجوجة وهي “ان البلد تركيبته الحالية هكذا” لكن يؤمل ان تغطي النوعية على الشوائب الاخرى.. والأهم “أننا نريد ضباطاً يقفون معنا في معركة وقف الإنهيار وإعادة الأمور إلى نصابها.. لا نريد ضباطاً أو جنوداً يطلقون النار على ظهورنا من الخلف لأسباب سياسية أو إنتخابية”، كما قال ميقاتي أكثر من مرة لرئيس الجمهورية..
اذاً، كل طرف قدم ثلاثة اسماء على الاقل لكل حقيبة وجرى التدارس في الأسماء بين عون وميقاتي، كما أتى كل منهما باسماء لها تاريخها وقدراتها من شابّات وشباب، بحيث سيكون للمرأة حصة وازنة، ودرست الاسماء وفق السير الذاتية وتم اختيار الافضل استنادا الى جدول مفاضلة، ومعظم الأسماء جرى التوافق عليها، أما الاسم الذي كان يعترض عليه عون يبادر ميقاتي إلى طرح بديل له والاسم الذي يرفضه ميقاتي ايضاً يُطرح اسم بديل له من عون.
أكثر من عشرين سيدة ورجلاً عُرضت عليهم الوزارة ورفضوها وهذه مسألة لم تحصل أبداً في تاريخ لبنان
في الحكومة العتيدة، لن تسند الى نائب رئيس الحكومة أي حقيبة، على الأرجح، اذ ستوكل اليه مهام لجان وتفاوض مع الصناديق الدولية ولا سيما صندوق النقد، وبالتالي يجب ان يكون متفرغاً كلياً لهذه المهام.
تم توزيع الحقائب بعدالة، فالمكونات الاساسية حازت على حقيبتين اساسيتين – خدماتيتين وعلى وزارة او وزارتين عاديتين، والكتل الاقل حازت على وزارة اساسية – خدماتية وعلى وزارة عادية او وزارتين عاديتين، وهناك تكتم شديد حول الاسماء وما ينشر ليس بالضرورة هو من بين الأسماء المطروحة جدياً لا بل إن البعض ينشر اسماء بهدف حرقها، وهناك اسماء اقترحت سبق ان تضمنتهما الصيغتان المقدمتان من سعد الحريري وبعضها أيضاً ورد في تشكيلة مصطفى أديب.
واللافت للإنتباه أن أكثر من عشرين سيدة ورجلاً عُرضت عليهم الوزارة ورفضوها وهذه مسألة لم تحصل أبداً في تاريخ لبنان، ذلك أنه كان يصدف أن تعرض على شخصية وترفض لكن ليس على عشرين وربما أكثر، وهذا إن دلّ على شيء إنما على تهيب الكثير من المرشحين للوزارة للحظة اللبنانية الصعبة.
التركيز في الحكومة العتيدة هو على الحقائب ذات الطابع المالي والاقتصادي التي ستتعاطى مع الصناديق الدولية مع تركيز استثنائي على حقيبة التنمية الادارية التي سيكون من مهامها الاساسية وفق خطة النهوض والانقاذ تنسيق عمل الادارات وتحديثها.
قبل نهاية الاسبوع الحالي تتضح الصورة النهائية، وتصدر المراسيم لتبدأ عملية صوغ البيان الوزاري الذي ينتظر مضمونه الخارج قبل الداخل والذي على اساسه يتحدد حجم ومستوى التعاون مع الحكومة.