نحن أمام مفاوضات غير عادية، شكلاً ومضموناً. مفاوضات صعبة؛ معقدة وعميقة بسبب توجهات كلا الطرفين الإيراني والغربي؛ ولإرتباطها أيضاً بملفات إقليمية ودولية حيث تتقاطع مصالح المتحاورين عند ما هو أبعد مما يريدون التوصل اليه “نووياً”.
في لبنان؛ ثمة من يترقب مالآت هذه المفاوضات علّها تنجح في ترتيب أوراقه السياسية والأمنية والإقتصادية المبعثرة، لا سيما بعدما بلغ الإنسداد حد عجز الآليات الدستورية الداخلية عن إنتاج تسويات لأزمات اللبنانيين.
في اليمن؛ تعتقد الأطراف المعنية أن المفاوضات النووية إذا خرجت بنتائج إيجابية، من شأنها أن توقف “الحرب العبثية” التي استمرت اكثر من ست سنوات عجاف وأن تؤسس لتسوية بين اليمنيين.
في العراق؛ تحاول الحكومة العراقية أن تجعل نفسها بمنأی عن الصراعات الدولية والإقليمية وأن لا يتأثر الوضع الداخلي الهش بنتائج المفاوضات النووية، سلبية كانت أم إيجابية.
أما إسرائيل، فهي “مشكلة المشاكل” في هذا الإتفاق الذي لم يكن “خبراً سعيداً” لها منذ يوليو/تموز 2015 تاريخ التوصل للإتفاق النووي. فقد عملت الدولة العبرية بكدٍ وجدٍ ليس لدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل الإنسحاب من هذا الإتفاق وحسب، بل من أجل إنهيار الإتفاق وإسدال الستار عليه، لكن إصرار إيران والدول الأوروبية علی إبقائه حياً ولو في غرفة العناية المركزة أبقاه دائماً على طاولة التفاوض.
أسوأ الخيارات التي لا يرغب أحد بها أن تكون جلسة المفاوضات السابعة يتيمة؛ وعندئذٍ، يجب قراءة سورة الفاتحة علی الإتفاق النووي المسجی في غرفة العناية المركزة منذ العام 2018
إسرائيل تنظر إلى الإتفاق النووي نظرة إستراتيجية تنبع من تعريفها لأمنها القومي الذي يستند إلی “سياسة التفوق”، وبالتالي تُردّد أنها لم ولن تسمح لأي دولة من دول المنطقة ـ سواء أكانت “ممانعة” و”مقاومة” أم من دول “التطبيع” و”الإعتدال” إلخ.. ـ بأن تتفوق عليها في أي مجال من المجالات حتی علی مستوی التعليم الجامعي، علی سبيل المثال لا الحصر؛ لأن ذلك يُخّل – كما تعتقد تل أبيب – بموازين القوی في المنطقة!
إن حصول إيران علی إعتراف المجتمع الدولي بامتلاكها “الدورة الكاملة للتقنية النووية”، بحسب الإتفاق النووي والقرار 2231 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في العام 2015، أمرٌ مرعبٌ لإسرائيل، ولذلك عملت الأخيرة وتعمل لنسف هذا الإتفاق من أساسه وتطرح أمام الإدارة الأمريكية الخطة “باء” والخطة “جيم” لإنهاء هذا الإتفاق حتی وإن أدى ذلك إلى شن حرب علی إيران تقوم بها إسرائيل نيابة عن الولايات المتحدة!
على أي صورة ستكون مباحثات 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2021؟ ماذا سيُقدم الجانب الأمريكي؟ كيف سيتصرف المحاور الإيراني؟ وما هو دور الإتحاد الأوروبي؟ أسئلة من الصعب الإجابة عليها بسبب الأجواء المعقدة والضبابية التي تسبق مفاوضات فيينا، خصوصاً في ظل الخطاب التصعيدي الذي إعتمده الجانبان الإيراني والأمريكي قبيل إسئناف المفاوضات، في محاولة واضحة من الطرفين من أجل تحديد أبعاد طاولة الحوار.. وربما مآلاتها.
زدْ على ذلك، تبلور قناعة بوجود حاجز كبير من إنعدام الثقة بين طهران وواشنطن؛ وهذا الأمر ليس بجديد، لكن منسوبه قد إرتفع مع إنسحاب ترامب من الإتفاق النووي عام 2018 وصولاً إلى إعادة فرض العقوبات علی إيران.
حتماً نحن أمام مفاوضات غير سهلة. مفاوضات تعتمد علی النقلة الأولى للجانب الامريكي، لأنه الطرف الذي أخلّ بـ”شيرازة” الإتفاق النووي. يجب أن نصبر وإن غداً لناظره قريب
ما هو المنتظر من المفاوضات؟
يقول الإيرانيون إنهم سيرسلون فريقاً متخصصاً يملك صلاحية التفاوض؛ فريق جاد في مهمته ويحمل في حقيبته أولوية أساسية هي إنهاء العقوبات. أما سلوكه، فيعتمد علی سلوك الجانب الأمريكي، فإذا كان الأخير يريد التوصل إلى إتفاق ويضع على الطاولة خيارات عملية وواقعية، فإن الجانب الإيراني سيتعامل إيجاباً مع هذا السلوك والعكس صحيح.
وتشي المعلومات التي تم تسريبها عشية المفاوضات، بوجود رغبة أوروبية بتحريك المياه الراكدة في المفاوضات من خلال طرح إقتراحات وتصورات تمت مناقشتها مسبقاً مع الإيرانيين، غير أن الأمر يتوقف أولاً وأخيراً علی الجانب الأمريكي الذي يملك العديد من الخيارات التي يستطيع توظيفها لإرساء مناخ من الثقة وتوجيه رسالة إيجابية للجانب الإيراني الذي سيكون معنياً هو الآخر بالتقدم خطوة إيجابية إلى الأمام.
غير أن أسوأ الخيارات التي لا يرغب بها أحد أن تكون جلسة المفاوضات السابعة يتيمة؛ وعندئذٍ، يجب قراءة سورة الفاتحة علی الإتفاق النووي المسجی في غرفة العناية المركزة منذ العام 2018.
أما أحسن الإحتمالات، فيتمثل في قبول الجانب الغربي بتوفير ضمانات بشأن تنفيذ “مسودة القرار” الذي توصلت إليه الجولات السابقة لإحياء الإتفاق النووي وإزالة العقوبات المتفق عليها؛ وهذا أمر من الصعب توقع إنجازه في المرحلة الأولى من الجولة السابعة.
أما الحل الوسط فيتمثل في خروج المجتمعين بإتفاق مرحلي “تعليق مقابل تعليق” منذ الجلسة الأولى، علی أن تستمر المفاوضات للتوصل إلى إتفاق أفضل وأحسن وأكمل وأزكی وأنمی وأطيب من الإتفاق السابق!. وهذا الخيار يفيد الغربيين المحشورين في زاوية أعياد الشكر والميلاد والسنة الجديدة، ولكن يبدو أيضاً أنه خيار صعب التحقق قبل نهاية العام الحالي.
حتماً نحن أمام مفاوضات غير سهلة. مفاوضات تعتمد علی النقلة الأولى للجانب الامريكي، لأنه الطرف الذي أخلّ بـ”شيرازة” الإتفاق النووي. يجب أن نصبر وإن غداً لناظره قريب.