“الموساد” يزرع أجهزة تنصت في كرسي أبو مازن! (64)

في الحلقة 63، من حلقات كتاب "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية"، شرح الكاتب رونين بيرغمان كيف تمكن "الموساد" عبر مسؤول الامور اللوجستية في منظمة التحرير الفلسطينية عدنان ياسين من اغتيال المسؤول الفلسطيني عاطف بسيسو في باريس. في الحلقة 64 يشرح ظروف زرع "الموساد" أجهزة تنصت في مكتب محمود عباس في تونس.

يقول رونين بيرغمان ان الانتفاضة الفلسطينية، “بعد أربع سنوات من إنطلاقتها، تحولت من من مجرد اعمال شغب تُعرض على نشرات الاخبار المسائية الى ما بات يبدو ازمة لا نهاية لها تترك تأثيرها على حياة الآلاف من العائلات “الاسرائيلية”، وبالاضافة الى تنامي حالة عدم استقرار في الاراضي المحتلة، ارتفع منسوب القلق والغضب الناجمين عن عمليات الطعن التي كان ينفذها ناشطون فلسطينيون داخل “الخط الاخضر” الذي يعتبر حدود دولة “اسرائيل”. وكان من بين أبرز عمليات الطعن تلك التي أدت في شهر مايو/ايار عام 1992 الى مقتل شابة “اسرائيلية” اسمها هيلينا راب في ضاحية بات يام في منطقة تل ابيب. أدت تلك العملية الى اشعال عاصفة احتجاج ضد الحكومة والى الشعور بان رئيسها اسحاق شاميرغير مؤهل لحماية مواطنيه. في ذلك الوقت، كان شامير يعاني من مواجهة غاضبة مع الادارة الامريكية بسبب مواصلته عمليات بناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المحتلة وقد ادت تلك المواجهات الى رفض ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش الأب الموافقة على المساعدات المالية التي كانت “اسرائيل” بحاجة ماسة لها في تلك الفترة من اجل استيعاب اكثر من مليون مهاجر يهودي كانوا يتدفقون على البلاد جراء انهيار الاتحاد السوفياتي”.

يتابع بيرغمان قائلا ان استمرار الانتفاضة والازمة المالية الداخلية الحادة “أديا الى الاطاحة بحكومة اسحاق شامير، وفي 23 يونيو/حزيران 1992، تولى اسحاق رابين رئاسة حكومة يسار وسط بأغلبية كبيرة من الناخبين الذين كانوا ينظرون اليه بوصفه ليس فقط الدعامة الاساسية للامن في البلاد بل ايضا الشخص الذي سيقوم بجهود جدية لاحلال السلام مع الفلسطينيين. رابين الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع عند انطلاقة الانتفاضة كان قد اخذ يتولد لديه قناعة بانه لا بد من الوصول الى تسوية مع الفلسطينيين. وفي المقلب الآخر، كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المكبل بعمليات الاستخبارات “الاسرائيلية” من جهة ومحاولة الخروج من المشكلة التي كان يعانيها بسبب دعمه غزو العراق للكويت من جهة ثانية، لجأ الى تقنيته المعهودة في صراع البقاء التي يصفها المؤرخ الفلسطيني يزيد الصايغ بسياسة الهروب الى الامام، فقد ادى دعمه لهذا الغزو الى تحوله الى شخص منبوذ حتى لدى داعميه من المتمولين العرب، ومن جهة اخرى، فإن لم يكن هو من اطلق الانتفاضة أو أنه فقد السيطرة عليها، لكن نظرة الشارع الفلسطيني إليه كانت أنه القائد الفلسطيني والرجل الذي بامكانه التفاوض للتوصل الى سلام مع “اسرائيل”. لقد كانت موهبة عرفات في قدرته على استغلال الازمة الاخيرة للهروب الى الامام من اجل التغطية على مفاعيل الازمة. لذلك، سمح عرفات لجماعته بفتح قنوات سرية خلفية مع مجموعة من الاكاديميين “الاسرائيليين” أولاً في لندن وبعدها في اوسلو”.

أخبرت امينة عباس زوجة محمود عباس (ابو مازن) عدنان ياسين ان زوجها يعاني من زيادة كبيرة في الوزن، ما جعله يعاني من آلام حادة في ظهره، وهي كانت تعلم بان ياسين بامكانه الحصول على اي شيء يريده وكانت تعتقد ان حصوله على كرسي مكتب مخصصة لاوجاع الظهر من اوروبا من شأنه ان يساعد زوجها. هنا اجابها ياسين “بالتأكيد”

في البداية ـ يضيف بيرغمان ـ “كان الاكاديميون “الإسرائيليون” يتصرفون من تلقاء انفسهم ولكنهم في مرحلة لاحقة، اصطحبوا الى لقاءاتهم نائب وزير الخارجية يوسي بيلين الذي كان يرسل تقاريره مباشرة الى وزير الخارجية شمعون بيريز. وعندما اعلم الأخير رابين بالاتصالات مع الفلسطينيين، امره رئيس الحكومة بوقف الاتصالات فوراً، ولكن بعد وقت قصير غيّر رأيه وقرر ان يعطي تلك المبادرة فرصة”.

تواصلت تلك  الاتصالات “ولكنها بقيت طي الكتمان الشديد حتى عن قادة الاجهزة الاستخبارية والعسكرية “الاسرائيلية” نفسها، واعطى رابين اوامره للوحدة 8200 التي تتنصت على اجهزة الاتصال الفلسطينية بان ترسل إليه وحده فقط كل ما يتناهى اليها عن الاتصالات مع الاكاديميين “الاسرائيليين”. من الناحية الرسمية، كان قرار رابين لأسباب أمنية، ولكن في الحقيقة، فان اي تسريب للمعلومات عنها الى الفصائل الفلسطينية كان من شأنه ان يؤدي الى افشالها. وبصورة غير رسمية، لم يكن رابين متأكداً من ان الرجال الذين امضوا سنوات طويلة يحاولون قتل عرفات ومساعديه والذين كانوا يقودون الاجهزة التي استثمرت اموالاً طائلة وجهوداً مضنية في مكافحة الارهاب بامكانهم ان يتكيفوا مع الجهد الفكري المطلوب لرؤية عدوهم السابق شريكاً في السلام. وكان رابين يعرف ان اي عملية دبلوماسية مع منظمة التحرير الفلسطينية لا بد وان تنتهي الى تسوية تتضمن تنازلات حدودية. وقد كانت شريحة واسعة من الشعب “الاسرائيلي” معارضة بشدة لأي تسوية تتضمن ذلك لأسباب ايديولوجية ودينية. وكان من شأن اي تسريب يكشف تلك المفاوضات السرية أمام مصادر الاجهزة العسكرية او الاستخباراتية – كان قادة هذه الاجهزة يعتبرون المفاوضات خطأ استراتيجيا لانها ستنتهي الى تنازلات حدودية – أن يؤدي الى قتل المفاوضات في مهدها”، كما يقول بيرغمان.

إقرأ على موقع 180   أليكس فيشمان: ماذا لو أطلق حزب الله أسراب مسيراته؟

وقد خلق استبعاد الاجهزة الاستخباراتية والعسكرية عن عملية التفاوض وضعاً غريباً، “ففي حين كانت ارفع المستويات السياسية في الحكومة “الاسرائيلية” تحاول التفاوض على السلام، كانت اجهزة الاستخبارات تواصل حربها السرية من دون معرفة ان شيئاً ما يتغير. وقد استثمر جهاز “الموساد” بقوة بالموظف الفلسطيني (مسؤول الأمور اللوجستية في منظمة التحرير) عدنان ياسين وعملية “الجزة الذهبية” (تجنيد عدنان ياسين في باريس)، وكان هذا الاستثمار يُؤتى أكله بصورة جيدة. ففي ربيع العام 1993، أي بعد اربع سنوات من تجنيد ياسين، أطلع الاخير الضابط المسؤول عنه على تفاصيل محادثة جرت بينه وبين امينة عباس زوجة محمود عباس (ابو مازن) الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان ايضاً مسؤولاً عن الامور الدبلوماسية في المنظمة. فقد اخبرته ان زوجها يعاني من زيادة كبيرة في الوزن، ما جعله يعاني من آلام حادة في ظهره، وهي كانت تعلم بان ياسين بامكانه الحصول على اي شيء يريده وكانت تعتقد ان حصوله على كرسي مكتب مخصصة لاوجاع الظهر من اوروبا من شأنه ان يساعد زوجها. هنا اجابها ياسين “بالتأكيد”.. وسألها ان كانت بحاجة لاي شيء اخر لمكتب عباس، فطلبت منه مصباح اضاءة لان ابو مازن يعاني من ضعف في النظر ايضاً، وردّ ياسين بأنه سيفعل ما يستطيع”.

لم يفوّت “الموساد” هذه الفرصة بل قفز لاستغلالها على الفور، فزوّد ياسين بكرسي مكتب من الجلد الفاخر وبمصباح مكتب يتناسب مع الديكور، وكلا الغرضين كانا مزودين باجهزة تنصت وارسال “بطبيعة الحال”، يقول بيرغمان.

احضر عدنان ياسين شخصياً الكرسي والمصباح الى مكتب ابو مازن وتكبد عناء اخذ الكرسي القديم لاعناً “كائناً من كان الذي احضر هذا العفش البائس لهكذا ناس مهمين”. وضع الكرسي الجديد في مكانه ووضع المصباح على المكتب وادخل القابس في الكهرباء وشغّله. كان المصباح هو الاهم لانه في الوقت الذي كانت اجهزة التنصت في الكرسي تحتاج لاستبدال بطارياتها كل فترة، فإن المصباح كان بامكانه العمل لسنوات لأنه يتزود بالطاقة الكهربائية من الشبكة مباشرة. كانت الكرسي مزودة بآلتي حفظ للطاقة، الاولى، تجعل رفاصات الكرسي تُشغّل الميكروفونات فقط عندما يتم وضع أثقال عليها (اي عندما يجلس احدٌ ما على الكرسي)؛ والثانية لتشغيل نظام الصوت فقط، ما يعني انه إن كان شخص ما يجلس على الكرسي ولا يتكلم، فان البطاريات لا تعمل. وكان الارسال من الكرسي متصل مباشرة بتل ابيب من اللحظة الاولى لوضعها في مكتب محمود عباس (ابو مازن) وقدّر رئيس “الموساد” شبطاي شافيت هذه العملية تقديراً عالياً لان ابو مازن كان على راس قمة الهرم في منظمة التحرير ولأن عدداً كبيراً من الأشخاص يمرون في مكتبه لمشاركته معظم اسرار المنظمة” (في الحلقة المقبلة، من كشف الجاسوس الفلسطيني عدنان ياسين؟).

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  الإقتصاد الإسرائيلي يخسر 55 مليار دولار خلال سنة!