هآرتس: “عقيدة بيغن” لا تنطبق على النووي الإيراني!

Avatar18015/01/2022
يعتقد الوزير والدبلوماسي الإسرائيلي الأسبق والأستاذ الفخري في "جامعة تل أبيب" شلومو بن عامي في مقالة نشرها له موقع "هآرتس" أن "عقيدة بيغن" القائمة على مبدأ إزالة أي تهديد نووي لإسرائيل تقترب من نهايتها وبالتالي يتطلب التعامل مع الملف النووي الإيراني "لعبة إستراتيجية مختلفة تماماً" من قبل إسرائيل. ما هي؟

“دأب الزعماء في إسرائيل على تشجيع ذهان قومي إزاء الأخطار الوجودية التي تهدد إسرائيل، والتي تتبدل. ياسر عرفات الذي كان محاصراً في ملجئه في بيروت، كان بالنسبة إلى مناحيم بيغن، هتلر الجديد. بعد فترة حلّ محله صدام حسين. اليوم، إيران هي التي تعدّ لنا محرقة ثانية. التهديد الإيراني لإسرائيل، الذي يتخذ ساحة قتال له في الجبهة الداخلية المدنية – وهي في إسرائيل الأكثر عرضة للخطر، وحساسة بصورة خاصة- هو تهديد تقليدي وليس تهديداً نووياً. وإيران نووية ليست تهديداً وجودياً بقدر ما هي تهديد استراتيجي كاسر للتوازن يفرض على إسرائيل أن تدرك أن “عقيدة بيغن” – هجوم استباقي هدفه تدمير أي برنامج نووي في المنطقة قبل أن يصبح عسكرياً – تقترب من نهاية دربها، وبالتالي يجب عليها تغيير استراتيجيتها الإقليمية.

بالتأكيد لا يمكن الاستخفاف بإيران نووية، لأنها يمكن أن تحرك سباقاً بين دول أُخرى في المنطقة للحصول على القنبلة، مثل تركيا ومصر والسعودية. ولا يوجد تشابه بين ميزان الردع النووي، الذي كان موجوداً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في مرحلة الحرب الباردة – ولا توازن الرعب في النزاع الثنائي بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين- وبين انتشار نووي واسع النطاق في الشرق الأوسط مع نزاعاته، ومع الميليشيات والتنظيمات الإرهابية الكثيرة التي تنشط فيه.

ما هو بالتحديد الذي حوّل إسرائيل وإيران- دولتين لا حدود مشتركة بينهما ولا نزاعات تاريخية، بل لديهما عدو مشترك هو العالم العربي السّني- إلى عدوتين لدودتين؟

عداء إيران لـ”الشيطان الأصغر” إسرائيل التي كانت حليفة لإيران في عهد الشاه، ولـ”الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة، هو في نظرها مسألة سياسية – لاهوتية لها علاقة بتحديد هوية الثورة الإسلامية. ومثل ثورات أُخرى في الماضي – الثورة الفرنسية والسوفياتية – تعتبر الجمهورية الإسلامية انتشارها في منطقة عربية – سنية معادية أداة مركزية في الدفاع عن الثورة، وفي نشر تعاليمها. إيران لا تعتبر المفاوضات بشأن القضية النووية مدخلاً إلى مصالحة تاريخية مع النظام الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة. نظام يشكل عقبة في طريقها وتسعى لأن تكون قطباً معارضاً له.

الاستراتيجيا المفضلة لإيران هي الامتناع من خوض حرب حسم والاستمرار في تطوير قوات محلية، من اليمن، وصولاً إلى لبنان، من خلال التقدم إلى عتبة القدرة على إنتاج قنبلة من دون تخطّيها

الحرب بين إسرائيل وحزام الميليشيات التي نشرتها إيران في المنطقة ـ وعلى رأسها حزب الله ـ تدور منذ أعوام بكل الوسائل الممكنة، في الظلام وفي الجو، وفي البحر ومن خلال هجمات سيبرانية. اللحظة المؤسِّسة للعداء الإسرائيلي – الإيراني كانت ولادة عملية السلام الإسرائيلي – العربي. فقد استُبعدت إيران من مؤتمر السلام في مدريد ومن اتفاقات أوسلو – التي فتحت أبواب العالم العربي أمام إسرائيل، وصولاً إلى دعوة شمعون بيرس إلى انضمام إسرائيل إلى الجامعة العربية – كل ذلك جسّد سيناريو رعب بالنسبة إلى إيران، معناه العزلة في منطقة يتحالف فيها أعداؤها اللدودون مع قوة كبرى إقليمية، مثل إسرائيل، التي تقف وراءها الولايات المتحدة.

سلام إسرائيلي–عربي هو تهديد استراتيجي لإيران التي خسرت قبل أعوام من اتفاق أوسلو مئات الآلاف من أبنائها في حرب فرضها عليها صدام حسين. حل المشكلة الفلسطينية من خلال تسوية سياسية هو آخر أمر تريده. لقد أدارت إيران ظهرها لعرفات عندما توجه إلى تسوية مع إسرائيل، لكنها دعمت خياره في الحرب (يجب أن نتذكر سفينة السلاح “كارين إي” التي أرسلتها إيران لتسليح الميليشيات الفلسطينية خلال الانتفاضة الثانية)، واليوم هي تؤيد معارضة “حماس”، وتعارض بقوة الخيار الدبلوماسي لمحمود عباس.

الدرس الذي تعلمته إيران، وهي في طريقها إلى دولة على حافة النووي، هو أن القدرة النووية التي تملكها أنظمة قمعية، مثل كوريا الشمالية، تمنحها حصانة في مواجهة هجوم أميركي لإطاحة النظام. كما تعلمت أنه لو كان لدى صدام حسين سلاح نووي لما تجرأت الولايات المتحدة على غزو بلاده في سنة 2003. درس آخر مهم يمكن أن تتعلمه إيران من حالة أوكرانيا التي بقي لديها، مع تفكك الاتحاد السوفياتي، ترسانة نووية كانت الثالثة من حيث الحجم في العالم. لو لم توافق أوكرانيا في مذكرة “بودابست” في سنة 1994 على التخلي عن قدراتها النووية في مقابل ضمانات أميركية للحفاظ على سلامة أراضيها، فمن شبه المؤكد لما كانت روسيا تجرأت على احتلال شبه جزيرة القرم، ولما هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا كما يفعل اليوم.

لا الحرب الهجينة مع إسرائيل، ولا العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة، منعت إيران من التقدم، بعناد، إلى وضع دولة على حافة النووي. يعاني الاقتصاد الإيراني حالياً جرّاء أزمة عميقة، ومن حين إلى آخر تخرج الاحتجاجات إلى الشوارع. أيضاً أوروبا، التي وعدت إيران بالالتفاف على العقوبات بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، تبين أنها دعامة من قصب. وليس في إمكان اليورو الهش الالتفاف على مركزية الدولار الأميركي في المنظومة المالية العالمية. مع كل ذلك، يتضح أنه عندما تملك دولة قدرات تكنولوجية وعلمية – وإيران تملك ذلك- وتكون مصرّة على الوصول إلى القدرة النووية، فإنها تقدر على تحقيق ذلك.

إقرأ على موقع 180  صفحات من العلاقات السرية بين تل أبيب والخرطوم

عقيدة بيغن استُخدمت بنجاح كبير لدى تدمير المفاعل العراقي في سنة 1981، والسوري في سنة 2007. لقد كانت عمليات جراحية ضد منشآت موجودة في دول امتنعت من الاعتراف علناً بأن لديها برامج نووية. بناءً على ذلك، المخاطرة بأن مهاجمة هذه المنشآت ستؤدي إلى حرب شاملة كانت ضئيلة، وتقريباً غير موجودة. في المقابل، الإيرانيون لا يستطيعون عدم الرد بهجوم مباشر ضد أهداف إسرائيلية، ومن خلال استخدام وكيلها في لبنان حزب الله.

مع ذلك، أي هجوم إسرائيلي سيضع إيران أمام معضلة صعبة. ومثل إسرائيل التي تشكل الجبهة الداخلية نقطة ضعفها الكبيرة، تفضل إيران القيام بردّ مدروس على شن حرب شاملة. لكن الحروب عموماً تتعقد، وقد تتدهور المواجهات إلى حرب ساحقة تضطر فيها أيضاً الولايات المتحدة إلى التحرك إذا تعرضت قواتها في المنطقة للهجوم، وكل ذلك يمكن أن يضر بقيمة عليا في نظر الزعامة الإيرانية، بغض النظر عن راديكاليتها: المحافظة على النظام وضمان إنجازاته في المنطقة.

على إسرائيل انتهاج استراتيجيا إقليمية قائمة على تحريك وتوسيع اتفاقات أبراهام من أجل التوصل إلى تسويات أمنية إقليمية تسعى لكبح السباق النووي في المنطقة. السباق النووي يتطلب لعبة مختلفة تماماً عن تلك التي تعودنا عليها في مرحلة كانت فيها عقيدة بيغن هي العقيدة الوحيدة

المعضلة التي سيواجهها حزب الله ستكون أصعب. إيران لم تمول الحزب على الحدود الشمالية مع إسرائيل بأموال طائلة، فقط كي يحارب لإعادة مزارع شبعا إلى لبنان. لقد فعلت ذلك من أجل اللحظة التي سيكون عليها فتح جبهة إضافية في مواجهة إسرائيل. لكن هنا، تحديداً، تكمن نقطة ضعف الإمبراطورية الإيرانية: فهي تعتمد على ميليشيات محلية وعندما تنشب حرب شاملة، سيكون عليها أن تقف مع المصلحة الوطنية وليس مع مصلحة إيران. في العراق، على سبيل المثال، الزعيم الشيعي الأكثر قوة مقتدى الصدر، وقف في الأعوام الأخيرة على رأس المعارضين للسيطرة الإيرانية على بلده. أيضاً حزب الله هو تنظيم محلي لبناني، وهو يتخوف منذ الحرب الثانية على لبنان من الدمار جرّاء حرب شاملة مع إسرائيل. مع ذلك، وقوف حزب الله موقف المتفرج إذا اندلعت مواجهة إسرائيلية –إيرانية مباشرة هو ترف لا يستطيع الحزب أن يسمح لنفسه به.

الاستراتيجيا المفضلة لإيران هي الامتناع من خوض حرب حسم والاستمرار في تطوير قوات محلية، من اليمن، وصولاً إلى لبنان، من خلال التقدم إلى عتبة القدرة على إنتاج قنبلة من دون تخطّيها.

ليس لكل مشكلة حل عسكري، وليس لدى إسرائيل مثل هذا الحل للبرنامج النووي الإيراني. هجوم إسرائيلي على إيران يمكن فقط أن يعطي حافزاً للطموحات النووية الإيرانية. وممنوع أن تسيطر على النقاش مسألة الاستعدادات الإسرائيلية لمثل هذا الهجوم. وما لا يقل أهمية هو انتهاج استراتيجيا إقليمية قائمة على تحريك وتوسيع اتفاقات أبراهام من أجل التوصل إلى تسويات أمنية إقليمية تسعى لكبح السباق النووي في المنطقة. السباق النووي يتطلب لعبة مختلفة تماماً عن تلك التي تعودنا عليها في مرحلة كانت فيها عقيدة بيغن هي العقيدة الوحيدة. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  مقدسات الفلسطينيين المسيحيين.. دقَّ ناقوس الخطر