إسرائيل تُقدّم روايتها: هكذا قتلنا عباس الموسوي (76)

يزعم الكاتب رونين بيرغمان في هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية" ان القرار باغتيال الامين العام السابق لحزب الله السيد عباس الموسوي اتخذ في اللحظات الاخيرة، فالعملية "كانت استطلاعية" بهدف خطف الموسوي حتى تجري لاحقاً مبادلته بالطيار "الإسرائيلي" المفقود رون آراد.

ينطلق رونين بيرغمان في رواية اغتيال السيد عباس الموسوي بالعودة الى بدايات هذا “القائد الشيعي اللبناني” من منظور الاستخبارات “الإسرائيلية”، فيقول “كان الموسوي واحداً من الفقراء الشيعة الذين بدأ الايرانيون بتنظيمهم في سبعينيات القرن الماضي، وكان ايضاً قد خضع لدورات تدريب على حرب العصابات في معسكرات القوة 17 التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية (فتح) قبل أن يُصبح مؤمناً ورعاً ويُكرّس سنوات من عمره في دراسة الفكر الشيعي، بداية في لبنان ومن بعدها في مدارس النجف الاشرف في العراق التي كان يديرها مساعدون للامام الخميني وفقاً لمنظوره الديني. وكان ذهنه الحاد وذاكرته الممتازة وولاؤه للخميني، جعلوا منه بسرعة قائداً دينياً معروفاً جيداً في كل من العراق ولبنان، وهذا ما قاده ليكون واحداً من النواة الصلبة للذين أسّسوا حزب الله في لبنان. وكان الموسوي وفقاً للمعلومات الاستخبارية عنه من ضمن الذين شاركوا في صناعة القرار عند عماد مغنية باطلاق حملة العمليات الانتحارية “الارهابية” ضد الولايات المتحدة و”إسرائيل” (بدءاً من العام 1982)، فهو كان يؤمن بأن أحد الأهداف الرئيسية لحزب الله، وليس الهدف الرئيسي الوحيد، يجب ان يكون طرد الجيش “الإسرائيلي” (من الاراضي التي يحتلها في لبنان) عبر أسلوب حرب العصابات، اذ كان يقول بصورة متكررة “المستقبل هو للمقاومة (ضد الاحتلال الإسرائيلي) وسوف يُهزم الإستكبار الإسرائيلي، انها فقط مسألة وقت”. وفي مايو/ ايار عام 1991 أصبح الموسوي الامين العام لحزب الله الذي كان قد أصبح بدوره القوة السياسية الأقوى في لبنان والتي تملك قدرات عسكرية كبيرة”.

يتابع بيرغمان، “منذ البداية، كان واضحاً أن أي عملية اختطاف من بيروت ستكون صعبة للغاية ان لم نقل مستحيلة، لذلك، انصبت الجهود على الحصول على معلومات عن أي زيارة مستقبلية للموسوي الى جنوب لبنان الاقرب الى الحدود “الإسرائيلية” حيث من الاسهل اختطافه. وكان لرئيس العمليات في قسم مكافحة الارهاب في جهاز “أمان” المقدم موشيه زاركا رأيه بوجوب التركيز على بلدة جبشيت. قبل سبع سنوات من ذلك التاريخ، أي في 14 فبراير/ شباط عام 1984 قام عملاء “إسرائيليون” بتصفية الشيخ راغب حرب، فالقرية الواقعة في جنوب لبنان يجعل منها مكانا افضل بكثير للعمل فيها من بيروت حيث المقرات القيادية لحزب الله. في 12 فبراير/ شباط عام 1991، تلقى جهاز “أمان” المعلومات التي كان ينتظرها. كان حزب الله يقيم مهرجاناً سياسياً كبيراً، كل سنة، لاحياء ذكرى اغتيال الشيخ راغب حرب، وكان يحضر هذا المهرجان كبار القادة في حزب الله، ومن ضمنهم الامين العام عباس الموسوي وقائد الحرس الثوري الايراني في لبنان. كانت الخطة الاولية تقتضي فقط جمع المعلومات ودراسة المهرجان ورسم خطة الخطف للعام التالي. كان ذلك أمراً مهماً للغاية نظراً للحالة البائسة للاستخبارات “الإسرائيلية” عن حزب الله في ذلك الوقت. وفي الحقيقة كان المثال على ضعف المعلومات هو انه خلال احد الاجتماعات التخطيطية لم يكن احد في الغرفة يعرف ما هي العادات لاقامة شعائر ذكرى الوفاة عند الشيعة – متى تتم زيارة ارملة الفقيد مثلاً او متى يجتمع الرجال في الحسينية، فجرى استدعاء مقدم في الجيش، كان قد اعد رسالة دكتوراه عن حزب الله، لحضور الاجتماع ليشرح هذه الامور، وكان الرئيس التنفيذي لقسم “العمليات الخاصة” العميد داني ارديتي متشدداً في رأيه انه مع هذا الضعف في المعلومات، لن يوافق باي طريقة من الطرق على تنفيذ عملية اختطاف فورية، وكان بالتأكيد يدعم فكرة التحضير لهكذا عملية في المهرجان الذي سيقام في العام التالي في جبشيت. لكن رئيس جهاز “أمان” اللواء يوري ساغي كان اكثر طموحاً فقال “انا اوافق على اقتراح بناء نموذج استخباري، دعونا لا نمنع انفسنا من التفكير العملي، سنقيم نموذجا استخباريا مع تعقب عملياتي دائم. حضّروا طائرات الهليكوبتر للاشعار بشن هجوم”.

خلال الاجتماع تم تمرير ملاحظة مكتوبة الى كوتي مور فقرأها بصوت عالٍ وخاطب الحضور قائلاً “الاذاعة اللبنانية تقول ان عباس الموسوي خطب في مهرجان جبشيت اليوم”. ساد الهمس في الغرفة. الآن تم التأكُد من أن الموسوي موجود في جبشيت مع احتمال كبير في أن يكون في الموكب

عند هذه النقطة ـ يضيف رونين بيرغمان ـ “برز سوء تفاهم حساس للغاية. رئيس قسم الاستخبارات العميد دورون تامير الذي وفقاً للتراتبية في سلسلة الامرة والقيادة يأتي مباشرة بعد ساغي، اعتبر ان استخدام تعبير “التعقب العملياتي” هو جزء من النموذج الاستخباري فقال “ان طائرات الهليكوبتر ستقلع وتتدرب على الاستحواذ على الهدف ولكن لن تطلق النار تحت اي ظرف، انه فقط تدريب تجريبي، هكذا فكّر الاشخاص الذين يفترض بهم أن يعاينوا اخطار وتداعيات العملية أيضا، لذلك لم يكونوا جاهزين”. لكن ساغي ورئيس هيئة الاركان (ايهود) باراك كانوا يفكرون بامر مختلف للغاية. بالنسبة إليهما، “التعقب العملياتي”- فطائرات الهليكوبتر المزودة بمرشد ليزر يوجه صواريخ هيلفاير- سيجعل العملية مفتوحة على خيار قتل الموسوي. لم يكن ذلك جزءاً من الخطة الاساسية ولكن الآن تبدت فرصة، والاغراء كان كبيراً جداً: تصفية عدو عنيد باستخدام اسلوب قتل جديد فيه المسيرات مع صواريخ هيلفاير. بصورة عفوية خلقت خطتان متوازيتان من دون ان يعرف احد بذلك.

يوم الجمعة في 14 فبراير/ شباط، أصدر قسم مكافحة الارهاب في جهاز “أمان” ملخصه عن العملية وكان واضحاً فيه ان عملية “وقت الليل” تهدف الى جمع المعلومات من اجل عملية اختطاف تجري لاحقاً. تضمن الملخص التفاصيل الآتية: “يتضمن موكب سيارات الموسوي عادة ثلاث الى خمس آليات، اثنتان الى ثلاث هي سيارات مرافقة في مقدمة الموكب ومؤخرته فيما الآلية التي يركبها الموسوي هي “مرسيدس” من احد نوعين اما 280 او 500، ومكانه في الموكب ليس ثابتاً فأحياناً يكون في اول سيارة خلف سيارة المرافقة وأحياناً يكون في السيارة الثانية او الثالثة. السيارات الاخرى هي من طراز “رانج روفر”. في اليوم نفسه، اصدر قسم المخابرات في القوات الجوية اوامره الخاصة التي تشير الى خطة مختلفة تماماً وفيه: “تقوم وحدات من فرع الاستخبارات وجهاز امان بتدريب لجمع المعلومات في منطقة التنفيذ. لاحقاً، ووفق المعلومات المجمعة، ستنتقل العملية الى مرحلة الهجوم”.

يستدرك بيرغمان بالقول “لقد كان ذلك تناقضاً خطيراً، فهناك وحدة بدأت التحضير لهجوم لم تكن وحدة اخرى قد خطّطت له بصورة ملائمة. ومع ذلك ولأن العملية كانت لا تزال من الناحية الرسمية في مرحلة التدريب التجريبي، لم توضع على جدول الاعمال الاسبوعي لمجمع “العمليات والغارات الجوية” الذي يحضره وزير الدفاع ورئيس الاركان، وهكذا فان وزير الدفاع موشيه ارينز لم يكن على علم حتى بوجود عملية “وقت الليل”. في تلك الليلة وفقط بعد ساعات قليلة من الاوامر المتناقضة التي اصدرها المسؤولون “الإسرائيليون”، قامت مجموعة من “منظمة الجهاد الاسلامي” بالتسلل الى معسكر تدريب للجيش “الإسرائيلي” حيث كان مجندون جدد يخضعون لدورة تدريبية نياماً في خيمهم. قتل “المجاهدون” ثلاثة مجندين مستخدمين السكاكين والفؤوس وشوك الحقل، وفي تقريره عن الهجوم الذي وقع عشية يوم السبت (يوم العطلة الاسبوعية المقدسة عند اليهود) وصف المذيع الرئيسي للتلفزيون “الإسرائيلي” هاييم يافين الهجوم بأنه “ليلة شوك الحقل”. هبط المزاج الوطني الى حضيض جديد”.

يوم الاحد، وهو يوم تنفيذ العملية، فتحت غرفة الحرب الصغيرة لجهاز “أمان” عند الساعة السابعة صباحاً، وقد حشر فيها جميع القادة، أما مُشغلو المُسيّرة فكانوا في حافلة قرب الحدود مع لبنان. افاد العميل الذي سبق ان اعطى المعلومات عن توجه الموسوي لحضور المهرجان ان الهدف غادر بيروت. أتت معلومات اخرى الى غرفة الحرب افادت “ان موكب نشطاء غادر بيروت عند الصباح وان شخصية مهمة جدا وصلت الى الجنوب”. لم يكن في كل هذه المعلومات ما يؤكد وجود الموسوي في جبشيت ولكن بدا ان ذلك ممكناً جداً. في الساعة العاشرة، بدأت مكبرات الصوت في جبشيت تدعو المواطنين للمجيء الى مكان الاجتماع لاحياء مهرجان الذكرى في حسينية البلدة، وفي الساعة العاشرة والنصف اظهرت الصور التي يتم بثها من المُسيّرة على شاشة في غرفة الحرب مسيرة شعبية ضخمة تشق طريقها الى الموقع، وعلى مقربة من الحسينية كان هناك مسجداً تُشاهَد مآذنه بصورة واضحة على الشاشة. كانت المُسيّرة تتحرك ببطء خلف عدد من الآليات التي كانت على ما يبدو سيارات مرافقة امنية، مسحت المُسيّرة حركة الحشود التي كان يظهر خلفها وفي نهايتها سيارتان من طراز “رانج روفر” وسيارتان من طراز “مرسيدس” فصرخ رئيس العمليات في قسم مكافحة الارهاب في جهاز “أمان” المقدم موشيه زاركا “نلنا منه”!

اخذ باراك بيد ساغي زاركا وسأله “ما رايك؟ هل نهجم؟ لدينا فرصة ذهبية لقتله هنا”؟ أجابه زاركا “نعم، ولكن من شأن ذلك ان يرفع مستوى المواجهة مع حزب الله”

وعند منتصف النهار، رجع رئيس الاركان إيهود باراك الى مكتبه متجهماً وغاضباً فقد تم استدعاؤه عند الصباح الى القدس ليتقدم بشهادته امام الحكومة الامنية بشأن “ليلة شوك الحقل”. انفجر غاضباً وهو يقول “ثلاثة ارهابيون اذلونا”. تسلم باراك ملخصاً عن عملية “وقت الليل” قبل ان يذهب إلى غرفة الحرب في “أمان” حيث اخذ يراقب الصور التي ترسلها المُسيّرة باهتمام. لقد كانت مناسبة خاصة للغاية. للمرة الاولى يشاهد القائد بأم عينه وفي مكتبه وبالتوقيت الحي قائداً لتنظيم ارهابي مع امكانية العمل وفقاً لهذه الصور. وقف ساغي قرب باراك وكلاهما كان متجهماً ومتوتراً، ومن خلال تصرفهما كان واضحاً ان الهدف الاساسي لعملية “وقت الليل” – والذي هو جمع المعلومات – قد رُميَ جانباً وكان انطباع الآخرين في غرفة الحرب ان القائدين كانا تواقين لتنفيذ عملية قتل متعمد. كان الجميع ينتظر التاكيد بان الموسوي كان في جبشبيت بحيث يتم نقل هذه المعلومة الى وزير الدفاع موشيه أرينز للحصول منه على الموافقة على التنفيذ. طلب باراك من احد مساعديه إعلام المساعد العسكري لوزير الدفاع بالامر قائلاً “حضّروا موشيه ارينز لاحتمال أن نطلب منه اعطاء الضوء الاخضر لعملية”. كانت تلك هي المرة الاولى التي يتكبّد فيها احد ما عناء وضع وزير الدفاع في اجواء عملية “وقت الليل”. اخذ باراك بيد ساغي زاركا وسأله “ما رايك؟ هل نهجم؟ لدينا فرصة ذهبية لقتله هنا”؟ أجابه زاركا “نعم، ولكن من شأن ذلك ان يرفع مستوى المواجهة مع حزب الله”.

انتهى المهرجان في الحسينية بعد الساعة الواحدة ظهراً بقليل وتدفق حشد هائل من الناس خارجاً ليمضي في طريقه على بعد مسافة قصيرة الى جبانة البلدة حيث دفن الشيخ راغب حرب. عند الساعة الواحدة وعشر دقائق دعا رئيس قسم الابحاث كوتي مور كبار المسؤولين في قسمه الى اجتماع طارىء لتحديد موقف قسمه. كان هناك اجماع لدى الحضور على قتل الموسوي، على الرغم من انهم كانوا يشعرون بانه لا بد من اجراء نقاش موضوعي قبل القيام بهكذا عمل، فقال احد الحضور وهو برتبة مقدم ان الموسوي كان شخصية دينية ورئيس تنظيم سياسي صدف ان لديه ذراعاً عسكرية وكانت “إسرائيل” تتجنب في الماضي مهاجمة اشخاص من هذا النوع، بالاضافة إلى ذلك، فان حزب الله لم يكن تنظيماً يديره فرد واحد ولم يكن الموسوي الشخصية الاكثر تطرفا في القيادة ومن شأن إزاحته ان يتولى المنصب بعده ربما شخصية أكثر راديكالية منه.

إقرأ على موقع 180  إيران والسعودية.. طريق التسوية ليس "حريرياً"! 

خلال الاجتماع تم تمرير ملاحظة مكتوبة الى كوتي مور فقرأها بصوت عالٍ وخاطب الحضور قائلاً “الاذاعة اللبنانية تقول ان عباس الموسوي خطب في مهرجان جبشيت اليوم”. ساد الهمس في الغرفة. الآن تم التأكُد من أن الموسوي موجود في جبشيت مع احتمال كبير في أن يكون في الموكب ولكن كانت ما تزال هناك ظلال من الشك وقد اكد كوتي مور على ذلك فقد كانت الأسئلة الآن هي في أي سيارة من السيارات يتواجد الموسوي؟ وهل هناك اي مسؤول رسمي لبناني بصحبته في السيارة؟ لم يتساءل احد فيما اذا كانت زوجة الموسوي وطفله معه في السيارة. قام احد ضباط مور بالاتصال بقسم مرافقة الشخصيات المهمة في جهاز “الشين بيت” وسأل “لنقل انك يجب ان ترافق رئيس الوزراء وهناك اربع سيارات في الموكب، في اي من السيارات تضع رئيس الوزراء؟” بعد نقاش سريع في “الشين بيت”، جاء الجواب من المفضل ان يكون في السيارة الثالثة. لكن ذلك لم يكن الا فرضية، وحتى لو كان الموسوي في السيارة الثالثة لم يكن بعد واضحاً من يتواجد معه في السيارة. لم يكن باستطاعة مور ان ينصح باطلاق الصواريخ على هدف مع كل هذا الغموض، فكان أن أنهى الاجتماع بالقول “من المستحيل أن نُهاجم”.

بعد ذلك مباشرة، جاء ساغي الى الغرفة، ولم تكن العلاقة بين الرجلين على ما يرام لاسباب اخرى، فاختصر كوتي مور كلماته من دون تنميق قائلا لساغي “دائرة المعلومات غير مكتملة، هناك امور كثيرة نجهلها، وراي الغالبية هنا في الغرفة انه لا مجال للتنفيذ، فلا استطيع ان انصح بالهجوم”. نهض ساغي وابتسم وقال “سنرى” فغادر بشكل مفاجىء حيث توجه مباشرة مع رئيس الاركان إيهود باراك الى وزارة الدفاع لافادة موشيه أرينز بالتفاصيل.

اخبر ساغي أرينز انه لا شك ان الموسوي “موجود في الموكب ومن المحتمل ان يكون معه شخص آخر في السيارة، من الممكن ان يكون وزيراً لبنانياً، وان قتلت “إسرائيل” وزيراً لبنانياً فان الضرر عليها سيكون كبيراً جداً”، واضاف “ولكن وفقاً لتحليل الظروف ووفقاً للحدس فان ذلك ليس استنتاجاً منطقياً” وقال ان قتل الموسوي “يحمل اخطاراً قليلة”. طرح أرينز فكرتين، من جهة هناك فرصة لتصفية قائد للعدو الذي كان بالنسبة اليه يُمثل إرهابياً شرساً، ومن جهة ثانية، هو مطالب باتخاذ قرار فوري-فمن الممكن ان يغادر الموسوي القرية في اي دقيقة ولم يكن هناك كثيرا من الوقت قبل ان يحل الظلام- ولم يكن الوقت متاحاً لدرس كل الاعتبارات، فمن شأن حصول اخطاء ان تحصل كارثة. فنظر أرينز الى باراك فقال الاخير “نحن نتكلم هنا عن قائد منظمة ارهابية ورمز للعدو، وقد يمضي وقت طويل قبل ان تسنح فرصة اخرى مشابهة لهذه، وحتى لو سنحت، قد تكون هناك ظروف عديدة تؤدي الى منعنا من التنفيذ لاسباب سياسية. ما لدينا الان فرصة لمرة واحدة، واحدة ووحيدة”. وقف ارينز هنا وقال “ان تقتل شخصا لم يكن عليك قتله هو امر كارثي”، فأجابه ساغي “حضرة الوزير حدس القائد لدي يقول انه يجب ان نعمل”. عندها قرر باراك دعوة ارينز الذي كانت مهنته مهندس طيران للمجيء الى غرفة الحرب ليرى بنفسه الصور التي تبثها المُسيّرة، وفي الوقت نفسه، امر أرينز مساعده العسكري بالإتصال برئيس الوزراء اسحاق شامير. كانت الساعة قد اصبحت الثانية وخمس وثلاثين دقيقة بعد الظهر فاخبر ارينز ان شامير يقضي قيلولة بعد الظهر في بيته بعد ان تناول الغداء الذي اعدته له زوجته كما يفعل كل يوم. ولم يكن باستطاعته اتخاذ القرار من دون موافقة رئيس الوزراء، لكن الوقت كان يمضي.

هبط الصمت على غرفة الحرب وخرج باراك من الغرفة وهو يربت على اكتاف زملائه ويُهنئهم بتعبير انكليزي “حسناً فعلتم”. ولكن هل قتل الموسوي؟ انتظر ضباط “أمان” في مكاتبهم للتأكد النهائي من عملية القتل. جاءهم الخبر عند الساعة السادسة مساءً. لقد كان الموسوي في السيارة الثالثة وكانت معه زوجته وابنه

مرت خمس واربعون دقيقة، وعند الساعة الثالثة وعشرين دقيقة خرج من منزل ارملة الشيخ راغب حرب عدد من الاشخاص لم يتم التعرف إلى هوياتهم وركبوا في موكب مؤلف من اربع سيارات. سار الموكب مسافة قصيرة وتوقف قرب منزل احد نشطاء حزب الله في جبشيت. ترافق ذلك مع وصول معلومة تفيد بان اجتماعا لكبار مسؤولي المنظمة الشيعية سيعقد في ذلك البيت يوم الاحد، كان ذلك يعني انه لا يوجد وزراء لبنانيون لانه من غير الممكن ان تتم دعوتهم الى هكذا اجتماع كما من غير الممكن ان يبقوا منتظرين في السيارة حتى انتهاء الاجتماع. لذلك، جرى استبعاد فكرة ان يكون هناك شخصية مهمة في الموكب من خارج صفوف حزب الله وقد ازداد كثيراً احتمال وجود الموسوي هناك. قال ساغي لباراك مع العلم انه لا يوجد تأكيد مطلق فانه ينصح بالهجوم. اما مور فقد اعطى موقفاً اكثر غموضاً قائلا “ان الدائرة المعلوماتية غير مكتملة، على الرغم من ان الظروف تشير الى ان الموسوي موجود، لذلك يعود الان للقائد ان يقرر ما اذا كان يجب ان نهاجم او لا نهاجم”.

لقد قرّر باراك. اعطى أوامره عبر الهاتف لسلاح الجو ان يرسلوا طائرات الهليكوبتر وأقنع عبر هاتف آخر وزير الدفاع موشيه أرينز بان الظروف تغيرت فاعطاه ارينز الموافقة على الهجوم. عند الساعة الثالثة والنصف، اتصل باراك بمكتب رئيس الوزراء فتبين له انه لم يتحدث احد الى شامير بعد لانه لا يزال نائما وفشلت كل المحاولات للتواصل معه وكانت زوجته ايضا تغط في قيلولتها لذلك لم يكن احد يجيب على الهاتف. كان الجميع بانتظار عودته الى مكتبه عند الساعة الرابعة كعادته كل يوم. كانت المشكلة ان كل دقيقة مهدورة من شأنها جعل تنفيذ العملية مستحيلا بسبب اقتراب موعد المغيب، وقد بدأ الموكب عند الساعة الثالثة وخمسين دقيقة بمغادرة القرية وجاء صوت مشغل المسيرة عبر مكبر الصوت في الغرفة يقول “بدأ التحرك”. فارتفع منسوب التوتر في الغرفة، وبدأ يتكشف امام باراك سيناريو الفرصة التاريخية، فازاح احد اعضاء فريقه من كرسيه وجلس مكانه ليتواصل مباشرة مع مشغلي المُسيّرة في الحافلة عبر جهاز الاتصال ويوجههم الى اين يجب ان يوجهوا الكاميرات في مقدمة المسيرة وفي نفس الوقت يحلل الطرق التي من المحتمل ان يسلكها الموكب في طريقه من جبشيت الى بيروت، وابقى باراك خط اتصال مفتوحاً مع آمر القوات الجوية الذي كان موجودا في كناري، على عمق عدة امتار تحت غرفة الحرب، فصدر الامر لطائرات الاباتشي من كناري “اقلعوا، اقلعوا”.

وصل شامير الى مكتبه عند الساعة الثالثة وخمس وخمسين دقيقة فاستمع الى تقرير لم تتعد مدته الدقيقة عن عملية قتل متعمد لم يسمع عنها من قبل، ومع ذلك فقد اعطى موافقته عليها بلا تردد قائلاً “دعهم يقتلوه” فقام مساعد ارينز العسكري بابلاغ باراك الذي بدوره قال لقائد القوات الجوية “كلهم بعهدتك الآن”. بدأ الموكب يتحرك مرة ثانية عند الساعة الثالثة وسبع وخمسين دقيقة وكانت المُسيّرة تشاهده فيما يتحرك ببطء شمال جبشيت وعبر الجسر فوق نهر الزهراني، ثم زادت الآليات سرعتها تتقدمها سيارة “الرانج روفر” تليها سيارتي “المرسيدس” مع تباعد بينهم يبلغ حوالي المئة ياردة (حوالي مئة متر) فيما تولت “الرانج روفر” الثانية حماية المؤخرة.

عند الساعة الرابعة وخمس دقائق، افاد مُشغّل المُسيّرة “بعد حوالي العشرين ثانية سيكون هناك منعطف باتجاه الغرب” وذلك ليحدد بدقة موقع الهدف لطائرة الاباتشي. وعلا صوت طيار الهليكوبتر التي ستُنفذ الهجوم قائلاً “نقترب من المنطقة.. فَعّلْ المحدد (الليزر)”. وجاء صوت مُشغل المُسيّرة “فعلتُ المحدد”.. فأجابه الطيار “لا استطيع رؤيته”، ولكن بعد ثوان افاد “حصلتُ على المُحدّد” في اشارة الى انه بات باستطاعته رؤية شعاع الليزر الذي تطلقه المُسيّرة نحو الهدف. فجاء التأكيد من الامر في كناري “تاكيد ايجابي للهدف”.

عند الساعة الرابعة وتسع دقائق، قال مُشغل المُسيّرة لطيار “الاباتشي”: “راشاي، راشاي.. اكرر راشاي”، وهو التعبير العبري لتعبير “لديك الصلاحية بالتنفيذ” وفي اللغة العسكرية الاميركية “لديك السماح بالاشتباك” فاطلق طيار “الاباتشي” صاروخاً واحداً من طراز هيلفاير فأصاب مؤخرة السيارة الثالثة في الموكب، وانفجرت سيارة “المرسيدس” ككتلة لهب. لم يتولَ احد مراقبة الطريق امام الموكب لرؤية ما اذا كانت اي سيارات مدنية في الجوار تتجه نحو الهدف من الاتجاه المعاكس. في الحقيقة كانت هناك سيارة وكانت قريبة جداً من “المرسيدس” عندما ضربها الصاروخ فشملها الحريق ايضاً. اطلق صاروخ آخر نحو “المرسيدس” الثانية في الموكب وحقق هدفاً جديداً.

فُتحَ باب إحدى سياراتي “الرانج روفر” التي توقفت الى جانب الطريق وخرج منها اشخاص وبدأوا بالفرار، ويتذكر احد مُشغلي المُسيّرات الحادث بالقول “كنا هناك نراقب كل حركة ونحوّلها الى وحدة التحكم في القوات الجوية”. قام ركاب “الرانج روفر” الثانية بنقل الاصابات من سيارتي “المرسيدس” واسرعوا بهم في اتجاه النبطية فجاء الامر من كناري الى مشغلي المُسيّرة التي تلاحق السيارة “اقتلوهم”.

عند الساعة الرابعة واثنين وثلاثين دقيقة، تم تحديد الهدف بشعاع الليزر لديهم، فقامت طائرتا “اباتشي” بتدميره وانطلق الدخان من الآلية، فيما قامت “الاباتشي” برش المنطقة بوابل من رصاصات رشاشاتها الاوتوماتيكية.

هبط الصمت على غرفة الحرب وخرج باراك من الغرفة وهو يربت على اكتاف زملائه ويُهنئهم بتعبير انكليزي “حسناً فعلتم”. ولكن هل قتل الموسوي؟ انتظر ضباط “أمان” في مكاتبهم للتأكد النهائي من عملية القتل. جاءهم الخبر عند الساعة السادسة مساءً. لقد كان الموسوي في السيارة الثالثة وكانت معه زوجته وابنه. وقد زعم العميل في الوحدة 504 الذي سبق له أن اعطى المعلومة لغرفة الحرب في “أمان” ان زوجة الموسوي سهام وابنه حسين البالغ من العمر ست سنوات كانا معه في السيارة، فيما نكر آخرون على علاقة بالعملية معرفتهم بذلك، ولكن مائير داغان (رئيس “الموساد”) كان يُصدّق ما يقوله العميل، وقال لاحقاً “زعم “أمان” انهم لم يكونوا على علم بوجود زوجة الموسوي معه في السيارة كان كذباً، كان يجب ان يكونوا على معرفة بذلك والا لكانوا مجموعة من الاغبياء، فزوجة الموسوي لديها اقارب من الدرجة الاولى في جبشيت ولم يكن هناك اي احتمال في العالم يمنعها من استخدام هذه الفرصة للحضور وزيارتهم”.

بعد ساعتين من الهجوم، عقد باراك اجتماعاً في مكتبه في محاولة لتوقع ردة فعل والردود التي يمكن ان يقوم بها حزب الله، وقد نوقشت فكرة الاستنفار الامني وخطوات العلاقات العامة التي لا بد من اجرائها، بعد وقت قصير، افتتح التلفزيون “الإسرائيلي” نشرة الاخبار بجملة عن الهجوم واصفاً اياه بـ”العملية الجريئة” وتكبد وزير الدفاع ارينز عناء التوجه الى استديو التلفزيون ليظهر في نشرة الاخبار قائلاً “هذه رسالة الى كل المنظمات الارهابية: من يفتح حساباً معنا سنغلق نحن هذا الحساب”، يختم رونين بيرغمان الرواية الإسرائيلية لإستهداف السيد عباس الموسوي.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  ألبير مخيبر "أسد المتن".. يزأر بوجه سوريا (10)