الإتفاق النووي.. ومخاض النظام الأمني الإقليمي

في خبر يبدو مثيراً للوهلة الاولی، أورد موقع "اكسيوس" الأمريكي عن مصادر في البيت الأبيض أن الإدارة الأمريكية تدرس إمكانية رفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني مقابل و/ أو خطوات من جانب إيران تتعلق بالأنشطة الإقليمية أو أنشطة الحرس الثوري الأخری.

الخبر أو الخطوة الأمريكية، وهي متوقعة، تحمل مسارين. الأول؛ يتعلق بالإتفاق النووي الذي يقترب من نهاياته، كما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جنيفر ساكي؛ وبذلك تعمل الإدارة الأمريكية علی تأمين المطالب الإيرانية التي لم يبق منها سوی قضيتين، علی حد تعبير وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان؛ الاولی، متعلقة بضمانات حسن التنفيذ لأي اتفاق يمكن التوصل اليه في مفاوضات فيينا؛ والثانية متعلقة بالحظر المفروض علی الحرس الثوري الإيراني ورفعه من قائمة الإرهاب.. أمريكياً.

أما المسار الثاني فإنه يتعلق بنشاط الحرس الثوري في الإقليم وأذرعة إيران المنضوية في إطار “محور المقاومة”. وبعبارة أوضح نحن نتحدث عن ملفين غير منفصلين هما البرنامج النووي الإيراني والأمن الاقليمي. سوف أترك البرنامج النووي لأنه بات مفروغاً منه أمريكياً وغربياً بسبب وجوده بين أيدٍ غربية جدية وتحت رعاية وإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تضبط ايقاعاته الفنية ما دام يحظى بغطاء مجلس الامن الدولي، أي المجموعة ذاتها التي تسمی 5+1 المعنية بالمفاوضات النووية. أما “الأمن الإقليمي” الذي تبحث عنه الإدارة الأمريكية مقابل إزالة الحظر عن الحرس الثوري، فهو معقد وشائك ويرتبط بالعديد من الملفات والقضايا التي تهم الشرق الأوسط قبل أن تهم إيران وحدها.

لا أبالغ إذا قلت إن إيران كان لها الفضل الكبير في إفشال مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي لم يستثن أية دولة في المنطقة بما في ذلك الدول الخليجية وبقية الدول العربية

في العام 1991 انهار الإتحاد السوفياتي وانهارت معه كل قوانين الحرب الباردة التي كانت تحكم “قواعد الإشتباك” بين العملاقين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي. منطقة الشرق الأوسط لم تكن بعيدة عن تلك القواعد؛ بل كانت في صلبها بسبب النزاع العربي الاسرائيلي؛ وبالتالي كانت محكومة بنظام أمني إقليمي امتد طوال فترة زادت عن أربعة عقود تقريباً. منذ ذلك التاريخ؛ أقصد انهيار الحرب الباردة مع سقوط الإتحاد السوفياتي عام 1991؛ ومنطقتنا تشهد فراغاً أمنياً أرادت الولايات المتحدة أن تملأه في عهد المحافظين الجدد أيام الرئيس جورج بوش الابن بطرح مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي أريد له أن يكون منشطاً وعاملاً مساعداً في تعزيز “الأحادية القطبية” دولياً، على أن تكون “إسرائيل” هي نواة وركيزة “النظام الأمني الإقليمي”.

لم ينجح هذا المشروع لأسباب كثيرة أهمها أن الولايات المتحدة لم تفكر بشكل منطقي وواقعي عندما كانت تنظر إلی منطقة الشرق الأوسط بعين واحدة. لذا، إعتقدت أن “إسرائيل” هي الوحيدة التي يجب أن تكون لها اليد الطولی في هذه المنطقة علی حساب أمن وإستقرار بقية دول المنطقة. هذه النظرة هي التي دفعت وزيرة الخارجية الأمريكية انذاك كوندوليزا رايس للقول عام 2006 ان “الشرق الأوسط الجديد سيولد من مخاض الحرب اللبنانية ـ “الاسرائيلية”!.

لم يُولد “الشرق الأوسط الجديد” الموعود ولم تنجح “القطبية الأحادية” للولايات المتحدة بسبب تلك “العين الواحدة”. ولا أبالغ إذا قلت إن إيران كان لها الفضل الكبير في إفشال مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي لم يستثن أية دولة في المنطقة بما في ذلك الدول الخليجية وبقية الدول العربية؛ وبالتالي حالت دون تنفيذه ولربما كان ذلك سبباً في إنشاء ما تسميه اليوم “محور المقاومة” لمواجهة أية أطماع تستهدف الأمن الإقليمي.

ما نشره موقع “إكسيوس” الأمريكي بشأن تفكير الإدارة الأمريكية برفع الحظر عن الحرس الثوري مقابل الحد من أنشطته في المنطقة هو في حقيقته الطلب من هذه المؤسسة المساهمة في تعزيز الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط وبعبارة أخری المساهمة في تعزير “الأمن الإسرائيلي”. إيران رفضت سابقاً الدخول في مفاوضات بشأن الأمن الإقليمي علی طاولة مفاوضات فيينا وقالت إنها لا تناقش مثل هذه القضايا في فيينا ولا تريد أن تخرج عن سياقات الاتفاق النووي الموقع عام 2015. وبالفعل لم يحدث ذلك.

ما نشره موقع “إكسيوس” الأمريكي بشأن تفكير الإدارة الأمريكية برفع الحظر عن الحرس الثوري مقابل الحد من أنشطته في المنطقة هو في حقيقته الطلب من هذه المؤسسة المساهمة في تعزيز الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط

الآن، هناك “تطورات” ربما تختلف عن سابقاتها؛ و”الموضوع” إختلف أيضاً. الأمر يحتاج إلى معالجة ومقاربة جديدة. أنا لا أعتقد أن إيران في الوقت الراهن مستعدة للدخول في هكذا ترتيبات إقليمية حتی وإن كانت تدرّ عليها إمتيازات وفق نظرية “الربح والخسارة” لكنها “ربما” تقبل المساهمة في تأسيس “نظام أمني إقليمي” تشارك فيه جميع دول المنطقة بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية ومن المحتمل تركيا.. يأخذ علی عاتقه تسوية المشاكل الأمنية والسياسية والإقتصادية بما يخدم دول المنطقة وشعوبها.

إقرأ على موقع 180  تقارب سعودي – تركي.. قد يرفع منسوب النار السورية؟

مثل هذه الأفكار والتصورات ربما كانت في مساحة الخيال في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لكنها أصبحت مقبولة في عهد الرئيس الحالي جو بايدن؛ وأصبحت أكثر مقبولية في مرحلة “ما بعد كورونا” وما بعد “الأزمة الأوكرانية”.

[email protected]

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  زلزال بوتين.. العالمي