تغييريو لبنان.. إلى أولوية مقاطعة الإنتخابات

حتى الآن، لم تقدّم قوى الإعتراض اللبناني، نموذجاً في التفكير والأداء، يلامس لا الأزمات الكبرى ولا لحظة التغيير التاريخية ولا البدائل المطلوبة. أين مكمن الأزمة وهل الفرصة متاحة؟

بيننا وبين النظام الطائفي الحالي الموروث من زمن القائمقامية، ومن بعدها المتصرفية، فلبنان الكبير والميثاق الوطني والطائف حتى الدوحة، صولات وجولات من ديكتاتورية الطوائف والأحادية والغبن والاستنسابية وحتى التمييز بين ابناء الوطن الواحد على اساس ديني وطائفي ومذهبي وجهوي. ولعل اسوأ ما إبتلينا به هو “الديمقراطية التوافقية” التي تشبه كل شيء إلا مبدأ الديمقراطية وروح التوافق.

الديمقراطية لا يمكن ان تكون توافقية. انها لعبة الربح والخسارة. والاهم من ذلك، انها فن تقبل الخسارة والاعتراف بها. انها قدرة الانسان على السيطرة على الانا البشرية من جشع الربح والتملك. الديمقراطية “ترويضية” للإنسان وطبيعته. أحد أبرز اوجهها ان يتقبل الانسان خسارة سلطة ما في السياسة (رئاسة أو وزارة أو نيابة أو إدارة) وبالتالي فقدان نفوذ وفائض سلطة كان يملكها. بذلك، تُرّوض الديمقراطية نزعات فردية مثل التملك والإنفعال والقوة والتسلط والنرجسية والتي يكتسب الإنسان بعضها بالفطرة. وظيفة الديمقراطية أن تحل العقلانية محل الانفعالية. شريعة الدولة والقانون محل شريعة الغاب.

العديد من رؤساء الديمقراطيات الغربية يحملون أزرار الصواريخ النووية، ولكن لولا وجود الديمقراطيات هناك لكنا في خبر كان. الدليل أن هؤلاء لا يجدون من يساعدهم في حمل حقائبهم أو ملفاتهم عندما تنتهي ولايتهم. تكون لهم طائراتهم الرئاسية وفجأة يعودون للتنقل في الحافلات والقطارات مثلهم مثل عامة الشعب.

تصوّروا لعبة السياسة العالمية بصورة مختلفة. هل كان من الممكن السيطرة عليها في ظل الانظمة الديكتاتورية؟ فقط لنتخيل، ولو لبرهة واحدة ان جميع الانظمة في العالم هي ديكتاتورية. هل كان حل النزاعات سيكون إلا عسكرياً وكم مرة كان يمكن اللجوء إلى الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة مدمرة للبشرية؟

ما أقصده أن مصلحة البشرية متلازمة مع الديمقراطية ومتعارضة مع كل ما عداها. أعظم ما في الديمقراطية هو مبدأ تسليم السلطة لمصلحة حزب او قائد/ة انتُخب/ت من قبل الشعب ولو بفارق لا يتعدى النصف في المائة. من الصعب جداً على الانسان تقبل الهزيمة والاعتراف بها، ومن الصعب السيطرة على ميل الانسان للانتقام من خصمه في نشوة الانتصار. فأن يتقبل المرء الخسارة.. هذه شجاعة، وان يترك السياسي منصبه إذا خسر الانتخابات.. فهذه قمة الشجاعة ودليل تجذُر الثقافة الديمقراطية وأصالتها.

على دعاة التغيير من قوى تغييرية وثورية جديدة، ان يدركوا تماماً ان قانون الانتخابات الحالي هو قانون قمعي رجعي طائفي، لذا وجب اسقاطه فوراً. يجب على الطامحين للتغيير وجميع القوى التغييرية إن كانوا صادقين في الطموح للتغيير، ان يقاطعوا الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً

ماذا عن لبنان؟

في قراءة سريعة للواقع السياسي اللبناني، نرى أن الديمقراطية التوافقية ليست سوى خدعة وخديعة. فالانتخابات معيار وحيد من مئات المعايير التي لها علاقة بتصنيف الديمقراطيات. وعلى عكس المقولة الشائعة ان الديمقراطية التوافقية هي الحامية للتعددية تحت صيغة لا غالب ولا مغلوب، فان أجمل ما في الديمقراطية الحقيقية، انها تتبنى التعددية، وتُخرج أجمل وأكفأ ما فيها من مختلف الاجناس والأعراق والطوائف ليس فقط لتبوء المناصب، ولكن للتخلي عنها عندما تتطلب الديمقراطية ذلك.

من هنا، من أجل ان تتجلى الديمقراطية الحقيقية في لبنان، يجب اعادة تكوين مفهومها الثقافي والسياسي وحتى الاقتصادي الإجتماعي، ولعل المدخل إلى ذلك بإعادة النظر في مفهوم النظام الطائفي الموجود حالياً (تترجمه القوانين الانتخابية). فالديمقراطية على الطريقة اللبنانية لا يمكن ان تستمر. لقد تم إفساد مفهومها ووظيفتها وأهدافها من قبل أكباش الطوائف وامراء الحرب من اجل تحقيق مآربهم السلطوية.

لذا، لا مدخل لبناء لبنان الجديد التعددي الديمقراطي الحر، إلا من خلال صياغة قانون انتخابي عادل تقدمي ليبرالي لا طائفي، يجعل الانسان والوطن نقطة الانطلاق الوحيدة.

وعلى دعاة التغيير من قوى تغييرية وثورية جديدة، ان يدركوا تماماً ان قانون الانتخابات الحالي هو قانون قمعي رجعي طائفي، لذا وجب اسقاطه فوراً. يجب على الطامحين للتغيير وجميع القوى التغييرية إن كانوا صادقين في الطموح للتغيير، ان يقاطعوا الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً، لان المعركة مفتاحها الاساس قانون الانتخابات وليس الانتخابات.

إن ما يسمى القانون الانتخابي (النسبي) الحالي تم تفصيله على قياس الأحزاب الطائفية الحاكمة وليس على قياس الوطن والمواطنين. نعم، صُمّمَ بطريقة حصرية تناسبهم من دون فتح الباب أمام التعددية والمشاركة وكأن البلد ملكهم وحدهم، ومن يراجع نتائج انتخابات عام 2018 يجد أكبر دليل على ذلك.

مع هكذا قانون، وأياً كانت مسميات قوى المعارضة، لن يكون بمقدورها الفوز بنسبة المقاعد التي تخولها الإمساك بزمام الإصلاح الجذري للنظام السياسي الطائفي. لن يكون نصيب قوى 17 تشرين من خلال قانون الانتخاب الحالي سوى بعض الفتات وأن تُعطي شرعية للقانون ومن خلاله للنظام الطائفي. الانتخابات فخ نصبته المنظومة الحاكمة من اجل تجديد شرعيتها التي فقدتها في 17 تشرين، وهذه المرة بغطاء مجموعات 17 تشرين الحالمة بالتغيير. على هذه القاعدة، “إن شاركتم في هذه الانتخابات لا يمكنكم ان تطعنوا بشرعيتنا ولا بشرعيتكم”. هكذا ستقول لكم السلطة في الخامس عشر من أيار/ مايو المقبل.

إقرأ على موقع 180  ماكرون لا تأتنا.. بلادك أورثتنا دولة مستحيلة!

من هنا، على القوى التغييرية عدم الانجرار وراء الشعارات أو الوقوع في فخ الانتخابات لأن نتائجها معروفة سلفاً.

ثِقوا أن السلطة السياسية الطائفية الحالية، ستستخدم مجموعات 17 تشرين لتجديد شرعيتها.. وتأبيدها، وعندها لات ساعة مندم!

مقاطعة الإنتخابات المقبلة اصبحت واجباً وضرورة. من بعدها يُصبح الطعن في شرعية المجلس النيابي المقبل أمراً لا مفر منه. فتسقط بذلك الانتخابات وتبدأ فوراً مرحلة إعادة صياغة قانون انتخابي ديمقراطي حقيقي عادل ومتوازن يعيد تصحيح التمثيل ويرفعه من مستوى الاحزاب الحاكمة الى مستوى الوطن بأسره. عندها، وعندها فقط نكون قد جنّبنا لبنان تداعيات زلزال إعادة تجديد شرعية الطبقة السياسية الحالية..

Print Friendly, PDF & Email
هاني عانوتي

باحث، أستاذ جامعي لبناني

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  ماكرون لا تأتنا.. بلادك أورثتنا دولة مستحيلة!